آراءثقافة

المثقف العربي بين الغياب و الحضور

لا أعتقد أن المثقف العربي غائب عن الفعل السياسي و الاجتماعي و الفكري للأمة العربية والإسلامية و إلا ما كان ليحدث كل هذا الفوران و الثورات المستمرة و المتجددة باستمرار بالرغم من تغييب الفكر الجاد و الذي يطرح و يلامس مكامن العور في أنظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية و القيمية و يطرح حلولا إصلاحية  توافقية و أخرى جذرية، لكن لا حياة لمن تنادي.

و أعتقد ان العيب فينا نحن لأننا فوتنا فرصا كثيرة في عمر أمتنا العربية لإصلاح غير جذري و غير دموي إصلاح نعبر به إلى بر الأمان بسلام، لكن هل هو التعنت السلطوي الذي أخر كل إصلاح سلمي أم أننا لم نكن في مستوى اللحظة التاريخية شعوبا و ساسة و نخبا، فتجرعنا الخيبات في كل مرة و عشنا الإخفاقات تلو الإخفاقات و النكوص المتوالي.

و هنا إنما أتحدث عن ذلك المثقف العربي الملتزم بقضايا الأمة العربية والإسلامية و لا أتحدث عن المثقف البوق و  الرسمي و المادي المجرد من أي إنتماء للأمة العربية والإسلامية لا من قريب ولا من بعيد أي  المثقف المحظوظ و كركوز السلطة.

المثقف العربي حاضر بالرغم من كل أشكال التضييق و التضليل و رسالته إشعاعية لا تحجبها الغيوم السوداء أو حتى تلك البيضاء.

يعيش المثقف العربي  بين التجرد الفكري  و إكراهات السلطة و الحياة الكريمة.  كما يعيش المثقف العربي بشكل عام وضعا شقيا و وعيا شقيا أي يشقى به كما قال المعري ذو العقل يشقى في النعيم بعقله و قد يأخذه عقله إلى الشقاوة و المصير المجهول.

فالمثقف ذي المبادئ  يعيش في عزلة إما مفروضة أو إختيارية،و هذا  لأن هنالك هوة بينه وبين عالمه و محيطه و هذه الهوة تزداد اتساعا كلما تعلق الأمر بكل  ما هو فكر سياسي أو رؤية اقتصادية أو مجتمعية. فالسياسي يطغى على كل ما هو ثقافي و فكري و منهج إذا كان منتقدا له و يختلف معه في الرؤية،و لهذا فالمثقف لا يجد له مكانا في الحياة السياسية من حيث التنظير و التوجيه والإرشاد و قد تكون آراءه سببا لشقاءه.

فقيود السلطة و إكراهات الحياة إما تجعله لقمة سائغة ينهشها السياسي فيسقط في التماهي و الارتزاق و هذا حال بعض مثقفينا بينما المثقف الملتزم فهو محاصر في برجه العاجي و كلمته الحرة لا يتعدى صداها محيطه الضيق و بعض محبوه من السياسيين و المثقفين و غالبا ما تبقى أفكاره في مسوداته ولا  ترى النور إلا بعبورها إلى الضفة الأخرى.

و أعتقد ان المثقف بشكل عام يجب ان يمثل صوت الفكر الحر الغير خاضع لاملاءات السلطة أو لأي اكراهات أخرى دنيوية أو أيديولوجية.

و على العموم يجب عدم الحجر على الفكر أو إسكات صوته و يجب على السياسي أن ينهل من ما هو ثقافي و يتماهى معه في ما يخص تدبير الشأن العام حتى لا نفوت فرصنا في التقدم المنشود لأن الدول لا تتقدم إلا إذا أفسحت مجالات واسعة لكي ينمو الفكر البناء.

الهدر مصيبة و آفة أصابت أمتنا العربية والإسلامية هدر الزمن و عدم إستغلاله لصالح نهضتها و هدر التراكم المعرفي و الثقافي و هدر مجهودات الطاقات الفكرية والسياسية، أصاب أمتنا العربية بالشلل و بالخمول..

على العقل العربي أن يتخلص من ذلك الجمود، و يعلن إنتفاضة فكرية نقدية جديدة، نقد الذات أولا و فهم الآخر ثانيا، لصياغة مفاهيم جديدة قديمة تضفي الحياة و إشراقة حضارية على الأمة العربية والإسلامية من جديد، بل تتعداها إلى كل البشرية.

https://anbaaexpress.ma/0tt5d

أحمد الونزاني

كاتب وباحث مغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى