آراءسياسة

مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-أوروبا.. المغرب يحسم النزال بعدد النقاط !

تمكن المغرب من جني الثمار الناضجة لمشروع القرن، حيث نجح في قنص عصفورين بتسديدة واحدة

السّعار الذي أصاب نظام عسكر المرادية، في علاقته بالمغرب، مرده إلى ملف الغاز، بشكل أساسي، فالمغرب يهدد الجزائر بالسكتة القلبية بعد نجاح مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-أوروبا الذي سيمر عبر المغرب، و الذي تم تدشينه، رسميا، عبر مؤسسة النفط الوطنية النيجيرية (NNPC) التي تديرها الدولة.

و قد جاء الإعلان عن تدشين المشروع ضمن سياق جيو-استراتيجي جديد يخدم مصالح المغرب، الشريك الاستراتيجي الموثوق لأوروبا و أمريكا، و في نفس الوقت يهدد مكانة الجزائر في السوق الدولي للغاز سواء باعتبارها منتجا و مصدرا، أو باعتبارها أرض عبور محتمل لأنبوب الغاز نيجيريا-أوروبا.

ففي تقرير سري صادر عن حلف الناتو، سربته العديد من وسائل الإعلام الغربية، تم تصنيف الجزائر في خانة روسيا باعتبارها توظف الغاز كورقة سياسية، في علاقتها بأوربا، مما يجعلها شريكا غير موثوق به بل و تهديدا للأمن الأوروبي.

و هذه القناعة الأوروبية، و الغرببة عموما، ترسخت بعد الكثير من الأحداث التي أثبتت مراهقة العقل السياسي الجزائري و فقدانه للنضج و التوازن في علاقاته الدولية، سواء من خلال تجميد أنبوب الغاز الذي يربط الجزائر بأوربا و يمر عبر المغرب، أو من خلال فسخ معاهدة حسن الجوار التي كانت تجمع الجزائر بإسبانيا، و التهديد بتجميد اتفاقية تصدير الغاز الجزائري نحو إسبانيا. و يضاف إلى ذلك ما يتميز به العقل السياسي الجزائري من مزاجية في علاقته بالمغرب، حيث تم قطع العلاقات الديبلوماسية و تدشين مرحلة من العداء وصلت، مرارا، نحو حافة الهاوية، الأمر الذي يهدد بتفجير الوضع المتوسطي.

هذه كلها مؤشرات، أكدت للأوربيين أن الجزائر شريك غبر موثوق به سواء لطبيعته كنظام سياسي هجين يتحكم فيه جنرالات العسكر، أو لطبيعة تموقعه الاستراتيجي في الاتجاه الروسي الموروث عن الحقبة السوفييتية.

و نتيجة هذه القناعة الأوربية، تم الاستغناء عن الجزائر كشريك في مجال الطاقة، على شاكلة الاستغناء عن روسيا، و في المقابل تم بناء بدائل جديدة تربط بين الغاز القطري المنقول بحريا، و بين الغاز النيجيري الذي سيمر أنبوبه عبر المغرب وصولا إلى إسبانيا و أوربا.
و قد جهز المغرب لهذا المشروع عتادا يبدأ بالتمويل و لا ينتهي عند توفير الغطاء السياسي الداعم، إفريقيا و دوليا.

إفريقيا، تم تفعيل دور الأمانة العامة الدائمة لمؤتمر الدول الإفريقية الأطلسية، من خلال اجتماع الرباط ( الخميس 09 يونيو 2022) الذي تم خلاله التأكيد على دورها بصفتها منصة للتبادل بشأن التحديات و الفرص في الفضاء الإفريقي الأطلسي.

دوليا، رسخ المغرب مكانته الدولية كشريك جاد و موثوق به، و ذلك ما برهن عليه في صراعه ضد قوى أوربية فاعلة (ألمانيا، إسبانيا، فرنسا) حيث عبر عن نضج سياسي لا يتوفر سوى لدى الدول الديمقراطية العريقة مؤسساتيا. و هذا ما كان له الصدى الإيجابي لدى صانع القرار الأوروبي و رد عليه بفتح قنوات التفاوض، من منظور رابح-رابح، مع التعبير عن الاحترام الكبير لمكانة المغرب كبوابة رئيسية نحو إفريقيا و كقوة متوسطية صاعدة.

و هكذا تمكن المغرب من جني الثمار الناضجة لمشروع القرن، حيث نجح في قنص عصفورين بتسديدة واحدة. من جهة، حسم الصراع الجيو- استراتيجي في المغرب العربي و شمال إفريقيا لصالحه و ألحق هزيمة نكراء بنظام الجنرالات، سيكون لها ما بعدها، من خلال تراجع الدور الجزائري كمتحكم في شريان الطاقة نحو أوربا، و في نفس الآن، تم ترسيخ مكانة المغرب كشريك استراتيجي للغرب، ببوابتيه المتوسطية و الأطلسية، و كبوابة رئيسية نحو إفريقيا.

https://anbaaexpress.ma/86627

إدريس جنداري

باحث أكاديمي و كاتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى