آراءسياسة

مستقبل الفضاء المغاربي في ضوء الحرب الروسية الأوكراينية (1)

يشكل الاجتياح الروسي لأوكراينا أبرز حدث أممي من حيث تداعياته وآثاره العسكرية، السياسية والاقتصادية على العالم، ولا شك، سيكون له تأثير على الفضاء الجيوسياسي وعلى القوانين الأممية ومؤسساتها. لقد كان لهذا الاجتياح أثر عميق على العلاقات الأممية. وقد تضاربت القراءات والمواقف المغاربية على مستوى الدول كما على مستوى “المثقفين” على خلفيات أيديولوجية وسيكولوجية يغلب عليها التعاطف والتسرع في أغلب الأحيان.

ولأن التاريخ البشري نسق شديد التداخل والترابط والتناقض بين الذاكرات في تجلياتها الواعية واللاواعية، يجد المتتبع المعاصر لهذه الأحداث نفسه مدعوا إلى التسلح بالحذر وبما يكفي من المعطيات ووجهات النظر حتى يضمن “وضعية” استراتيجية مأمونة تسمح له برؤية “أفق” هذه الأحداث بأكبر قدر من الاستشراف الموضوعي.

في هذا المقال المسهب، الذي ننشره على حلقات، وإذ نروم من ورائه إثارة جملة من المفاهيم والنظريات انطلاقا من مقاربة تأملية لهذا الحدث، نرمي في ذات الوقت إلى دعوة المثقف المغاربي إلى قراءة الوضع المغاربي في ضوء هذا الحدث الأممي رصدا لمكامن الخلل السياسي في فضائنا المغاربي وبحثا عن الشروط الممكنة التي تسمح بتصحيح النظر وتسديد الخطى وتقليص الأضرار والأخطاء، وبالتالي الولوج إلى “وضعية” تقي بلداننا من أي صدام عدمي بالنسق الجيوسياسي الأممي، والوصول إلى الحلول التي من شأنها أن تبني فضاء مغاربيا يكون مثالا للعيش المشترك وروح التضامن والتعاون.

من هتلر إلى بوتين: الحرب العالمية الثالثة في غمار صدام الأنساق الجيوسياسية

الجيوسياسة: الفضاء، النسق والفراغ

الفضاء الحيوي: الفضاء الحيوي، بمعناه الفيزيقي والسيكولوجي، هو الفضاء الضروري الذي تتوفر فيه شروط الحياة للكائن الحي، وتم سحب هذا المفهوم إلى المجال السياسي، ويمكن تعريفه كنظريةٍ سياسيةٍ (حاجة البلد بوصفه كائنا حيا إلى فضاء ترابي أوسع بحسب قوته ونزعته التوسعية).

المصطلح مستنسخ من الكلمة الألمانية (Lebensraum) التي ابتكرها فريدريش راتزل (نهاية القرن التاسع عشر) بناءً على نظرية قومية تنص على أن “أي إقليم يكون ضروريا لتوسع الدولة ديموغرافيا ولدواعي اقتصادية يجب أن يرتبط بهذه الدولة”.

والفضاء الحيوي، مفهوم يصف السياسة الاستيطانية التي انتشرت في ألمانيا من تسعينيات القرن التاسع عشر إلى أربعينيات القرن العشرين. في عام 1901، ظهر مفهوم الفضاء الحيوي، وأصبح هدفًا جيوسياسيًا للإمبراطوريا الألمانية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وعنصرا أساسيا في برنامج التوسع الإقليمي.

وفق هذه النظرية، لا يقف أمن الدولة عند حدودها الترابية، بل يمتد داخل محيطها الحيوي تجاوبا مع نموها الاقتصادي والعسكري. على هذه الخلفية دخلت ألمانيا في حربها العالمية الأولى والثانية مع أغلب بلدان العالم وتسببت في دمار وخسائر بشريةٍ لا تعد ولا تحصى.

بعد الحربين العالميتين ظهرت دول وتحالفات جديدة، ونشأ نسقان جيوسياسيان: النسق الليبيرالي بقيادة واشنطن وحلفائها، والنسق الاشتراكي بقيادة موسكو وحلفائها. بدأت الحرب الباردة بين المعسكرين، حيث سعت أمريكا إلى توسيع فضائها الحيوي وكذلك روسيا إلا أن الفرق بينهما وبين ألمانيا النازية كان في اختلاف السياق والتمثلات والكيفية. ويمكن القول أن الاتحاد السوفييتي قبل تفككه والاتحاد الروسي لم يتحررا من نفس البراديغما الألمانية النازية ذات النزعة القومية الإثنية.

انتهت الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وأصبح العالم تحت إدارة المحور الغربي ومحاور أخرى مضادة. تطورت نظرية الفضاء الحيوي وتطورت أدوات التنفيذ والمقاصد بأبعادها الديمقراطية، الحقوقية والأيكولوجية. مع بداية القرن الحالي، برزت قوى منافسة للمحور الغربي، أبرزها الصين والاتحاد الروسي فضلا عن نشوء قوى إقليمية معادية لأمريكا دون أن تكون على وفاق مع الصين أو الاتحاد الروسي. في هذا السياق، وبين حالة ازدهار الديمقراطيا وتراجعها، وتفاعل الثقافات والشعوب، أخذ مفهوم الغرب منحى نسقيا جيوسياسيا أمميا في تفاعل جدلي مع الأنساق المضادة.

https://anbaaexpress.ma/yeps4

سعيد هادف

شاعر جزائري وباحث في الشأن المغاربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى