تشهد ليبيا منذ احد عشر عاما عدم استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي وامني، بسبب الانقسام السياسي وتعثر المسار الانتخابي والذي بدأ بالمؤتمر الوطني 7-7-2012، والبرلمان 25 يونيو 2014 .
وفي ظل حكومة الانقاذ في العاصمة طرابلس والحكومة المؤقتة في الشرق.. جاء اتفاق الصخيرات والذي اختار حكومة الوفاق في 17 ديسمبر 2015.. وانبثق عنه المجلس الاعلي للدولة والذي ضم اعضاء المؤتمر الوطني السابق المجلس الأعلى للدولة هو هيئة استشارية لـ ليبيا تم تشكيلها بموجب شروط الاتفاق السياسي الليبي الذي تم توقيعه في 17 ديسمبر 2015 و تم ترشيح أعضاء المجلس من قبل الأعضاء المتبقين في المؤتمر الوطني الذين لم يتم انتخابهم في عام 2014 لمجلس النواب.
وتم انتخابا الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور في 20 فبراير 2014 والتي تكونت من ستين عضوا ممثلين للاقليم الثلاثة في ليبيا .
وبينما كانت البلاد تستعد لانعقاد ملتقي الحوار في غدامس بعد لقاء رئيس حكومة الوفاق فايز السراج والقائد العام للجيش خليفة حفتر في ابوظبي.. اندلعت الحرب في العاصمة طرابلس 4-4-2019 طرابلس لتقضي على الامال بالوصول لحل داخل ليبيا ..
وبعد عام من القتال داخل العاصمة وتوسع التدخلات الخارجية بدخول تركيا الداعمة لحكومة الوفاق وقوات الفاغنر الداعمة للجيش الوطني بعد توقيع اتفاقية عسكرية ولترسيم الحدود البحرية والذي زاد من التوثر بين تركيا واليونان ومصر !
وجاء وقف اطلاق النار في 30 نوفمبر 2021 ليمهد الطريق نحو اجتماع للحوار في تونس واخيرا في جنيف والذي اختيار حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، وقد كلفت الحكومة بعدة مهام :
• توحيد المؤسسة العسكرية .
• المصالحة الوطنية .
• إجراء الانتخابات .
• اجراء إجراءات عاجلة اقتصادية للمواطنين .
أما في المسار العسكري تم فتح الطريق بين الغرب والشرق والجنوب ، وشكلت لجنة 5+5 وعقدت اجتماعات و حققت انسجام وتفاهمات إيجابية واتخذت قرارات
مهمة ولم تتمكن الحكومة من انجاز إصلاحات اقتصادية وخطط تنموية من شأنهاحل الأزمات والمعاناة التي يعاني المواطن الليبي بسبب غياب رؤية واضحة وتضارب المصالح ، اما فيما يتعلق بالانتخابات والتي حددت بتاريخ 24 ديسمبر2021 ، فقد اتخذت إجراءات الاستعداد وفتح باب التسجيل للناخبين والمترشحين للرئاسة والبرلمان، حيث وصل عدد الناخبين 2.800 مليون، وعدد المترشحون للرئاسة 98 مترشح كان من ابرزهم سيف الإسلام القذافي و المشير خليفة حفتر عدد 5000 ألف مترشح للبرلمان في ظل شكوك بين اجراء الانتخابات وتأجيلها وخاصة بعد ظهور المرشح سيف الإسلام القذافي الذي اثار الجدل بين مؤيد ومعارض ، وقد واجه رفض من قبل بعض الجهات، بسبب بعض الإجراءات والتهم الموجهة إليه ولكن القضاء الليبي حسم الأمر وأسقط التهم الموجه له وسمح له بخوض الانتخابات، وفجأة تم القفز على الانتخابات التعتيم عليه بنوع من الغموض حول الأسباب ، وإدعاءات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بأنهم مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية والتي لم ترتبط باتفاقية مع السلطات الليبية ، بالإضافة للعفو العام الذي منحه له البرلمان الليبي .
وبدأت جولات أخرى من الحوار بعد استقالة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، السلوفاكي يان كوبيتش بعد اقل من عام على تعيينه وقبل شهر من موعد اجراء
الانتخابات ، مما أكد بوجود ضغوطات عليها وفشله او كفاءته في التعامل مع الأزمة الليبية ، وحلت محله نائبة المبعوث السابق غسان سالمة ستيفاني ويليامز وبمنصب مستشارة لألمين العام في ليبيا والتي قادت لقاءات ومفاوضات بين مجلس النواب والمجلس األعلى للدولة ، وقد المشهد السياسي لقاء مهم بين ابراز اطراف الصراع عندما زار وزير الداخلية السابق فتحي باشا اغا المنطقة الشرقية وإلتقى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والمشير خليفة حفتر ،وعقدوا لقاء بحضور عدد من المترشحون للرئاسة في بادرة ليبي ليبي، واتفقوا على تثببت وقف إطلاق النار ،وتوحيد المؤسسات وتحقيق المصالحة الوطنية ، ولكن ذلك لم يلقي ترحيب من
بعض الفرقاء الليبيين كحكومة الوحدة الوطنية التي سحبت منها الثقة في سبتمبر 2021 وأصبحت حكومة تسيير اعمال ، ولكنها لم تستجيب لذلك بل لم تعترف به
وكذلك المجلس الأعلى للدولة ،أما الشارع الليبي فقد إنقسم بين مؤيد لهذه الخطوة وبين رافض لها لأسباب نراها عقبة في المشهد السياسي والمجتمعي والتي تؤثر على خلق ثقافة المصالحة الوطنية وإقرار العدالة الانتقالية وغياب غالبية الليبيين بسبب الاكراهات والازمات التي أشغلتهم عن توحيد كلمتهم للضغط على الأطراف السياسية.
وبروز أزمة جديدة بعدما قام البرلمان الليبي باختيار حكومة جديدة برئاسة السيد فتحي باشا اغا ، ورفض حكومة الوحدة الوطنية الاعتراف بها ولم تتمكن حكومة
باشاغا من الدخول للعاصمة بسبب المخاوف من اندلع اشتباكات بين التشكيلات المسلحة التابعة للطرفين وأخيرا فشلت للمرة الثانية من الدخول للعاصمة ومن
الملاحظ عدم وضوح موقف أمريكا والمستشارة الأممية من الحكومتين ،وان كنا نعتقد بأنهم منشغلون بالانتخابات ، من خلال اجتماعات مجلسي النواب والاعلى للدولة في القاهرة لإيجاد اتفاق حول قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات ، والذي قبل بمعارضة هيئة صياغة الدستور التي رفضت اجراء تعديلات بما كان حبيس الادراج، منذ سنة 2017 ولم يتم الحديث عنه ، وأخيرا بعد جولات القاهرة والتي تم الاتفاق فيها على 95 %من النقاط التي اتفقوا عليها تلك المتعلقة بشروط انتخاب الرئيس واختلفوا حول بعض نقاط القاعدة الدستورية .
ويحدث ذلك بعد انتهاء الاتفاق السياسي ومدة حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الذي اطلق اليوم 23 – 6 -2022 رؤية استراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية لإنهاء المرحلة الانتقالية، والوصول الى الاستقرار و إنهاء الخلافات والعداوات بين الليبيين والذي طرح تساؤلات عن تأخير اقامته مع انتهاء الاتفاق السياسي مما يشير لفشل أاحد اهم الأولويات التي تتطلبها ليبيا،للانطلاق نحو الاستقرار والتنمية وبناء الدولة .
وهناك عامل اخر هو التدخلات الخارجية في ليبيا وتضارب المصالح وخاصة بعد الحرب في العاصمة طرابلس 2019 ، زادت من تعقيد المشهد من خلال تواجد
المرتزقة والتدخل التركي و الروسي والفرنسي و الإماراتي والقطري ودخول أمريكا وبريطانيا ،وخاصة اثناء الاستعداد للانتخابات التي لم تقام بسبب المخاوف الأمريكية من حصول روسيا على موطئ قدم في ليبيا وخاصة بعد إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعيات ذلك على المنطقة و أوروبا التي تأثر بما يحدث في ليبيا من عدم الاستقرار والهجرة الغير شرعية ، والمحافظة على مصالحها في ليبيا وأهمها البترول والغاز والذي يواجه صعوبات الإغلاق بسبب الأزمة الليبية .
الخلاصة :
نعتقد بأن ما حدث في ليبيا من انقسام وصراعات واقتتال وانتشار الهائل للسلاح والفوضى ،هو نتاج طبيعي لدولة تعاني من تركيبة مجتمعية قبلية معقدة معتمدة على
الولاءات ، في ظل وجود نظام حكم شكل صمام الأمان لوحدتها وانفرط العقد بعد اسقاط النظام ،وهذا امر معروف لدى الدول التي قادت التدخل وارادت من ذلك
السيطرة على هذه الدولة ،ذات الثروات الطبيعية والنفطية الواعدة والموقع الاستراتيجي والمساحة الشاسعة بتعدادها السكاني القليل ، وانهاء الدور الذي كانت
تلعبها في المحيط الافريقي والتي يتعارض مع مصالح الدول الكبرى والتي تتصارع على المنطقة وهي تعلم بصعوبة إلتأم الليبيين في المدى القريب بسبب التدخلات الخارجية، التي تولت الملف بمعني تدوير الأزمة حتى تنضج مصالحها ، وخاصة بعدما إحتدم الصراع مع روسيا الاتحادية التي تطمح للتواجد في شمال افريقيا ،والامتداد نحو القارة الإفريقية لزيادة تواجدها في دول جنوب الصحراء، في ظل تراجع التواجد الفرنسي الذي يحاول تجديد طموحاته بالتواجد في ليبيا وقد كانوا رأس الحربة في قيادة عملية التدخل في ليبيا ، ويبقي الأمل في توافق الليبيين من خلال عودة الثقة وصولا للمصالحة وقد بدأت تتبلور قناعة ترفض العودة للاقتتال ،على الرغم من وجود تشكيلات مسلحة ومراكز قوي تدعمها ،بل نرى في إشراكهم في الحوارات السياسية خير سبيل لبداية مرحلة جديدة تعطيهم الثقة، بإجراءات من شأنها تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ،وإبرام اتفاق سياسي في ظل عدم رغبة المجتمع الدولي من التدخل أو تغاظيه عنهم من أجل استمرار الأزمة في البلاد.