آراءأفريقياسياسة

ليبيـا ومصير المسارات المتعرجة

في ظل تعدد المسارات المفتوحة، وتقلبات البيئتين الداخلية والخارجية، وسيطرة النرجسية السياسية لدى الساسة الليبييـن، يعود المشهد الليبـي إلى مربع الصفر من جديد، حيث شبح الحكومتين وإغلاق مصدر الدخل الوحيد في البلاد ” النفط”.
تحول المشهد فجأةً بعد تعثر الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر من العام الماضي بسبب تداخل المصالح الداخلية والتناقضات الخارجية والاحتجاج المحتدم حول المرشحين وأهليتهم وخلفياتهم وماضيهم السياسي والأيدلوجي إلى مربعه المعتاد حيث التدافع السياسي القائم على مبدأ إلغاء الآخر وتحشيد كل الحجج لفرضه كأمر واقع بعيدا عن القواعد القانونية المحلية حتى وإن كلف ذلك تسعير كل عوامل التفرقة الاجتماعية والسياسية وبحث روح الكراهية لدى القوة الخشن التي تعد دائما هي الخيار الأنسب للتعامل مع التعقيدات السياسية التي كان يجب أن لا تتجاوز التدافع السياسي والخلافات البينية بين النخبة الحاكمة.

أين النخبة الحاكمة؟

على مدى سنوات لم تستطع كل الأجسام التشريعية المتمثلة في مجلس النواب التوصل إلى أي مشروع سياسي وطني جامع رغم وجود فرص كثيرة لذلك منها القواسم الوطنية المشتركة ومنطلقات متينة يمكن أن تشكل أساسا صلبا لعقد سياسي واجتماعي حقيقي، لكن النرجسية والانتصار للحظوظ الشخصية كان أكثر قوة من الضرورات الحل الوطني الجامع.
ولأن المشهد الليبـي دائم الارتباط بالخارج حيث يشكل التدخل الخارجي السلبي أحد أكبر عوامل تعقيد الأزمة الليبيـة سياسيا بل ومحاولة لتمرير رؤية إقليمية عبر مقاربة عسكرية تستخدم القوة كخيار وحيد للوصول إلى الحكم، ما أدى إلى تعطيل أغلب المسارات السلمية لسبع سنوات وهدد بدخول البلاد في منزلق خطير وتفكك لمفهوم الدولة وتحول العديد من المؤسسات السيادية المهمة إلى إقطاعيات قبلية يديرها أشخاص وعائلات بيعنها، وهو ما خلق تفاوتا طبقيا اجتماعيا حاداً ينذر بحرب أهلية غير مسبوقة عنوانها توزيع الثروة أو إحراق مصادرها .

مصطلح توزيع الثروة هل هو سياسي أم مطلب شرعي؟

لقد ظهر هذا المصطلح في أواخر عام 2018 عندما أغلق حفتر الحقول والمواني النفطية لأسباب سياسية حيث لم تكن هناك أي مبررات منطقية لإغلاقها بعد سنوات من الإغلاق القسري من قبل الجظران لأسباب سياسية أخرى تخدم التوجه الفيدرالي في شرق البلاد لكن هذا الشعار الذي تم توظيفه سياسيا على المستوى الداخلي وحتى الخارجي أصبح غير منطقي وغير مستساغ شعبيا إذ لا يمكن أن يكون إغلاق مصدر الدخل الوحيد للشعب عملا وطنيا يخدم مطالب توزيع الثروة ولا حتى الحفاظ عليها حيث تنهار البنية التحتية للقطاع النفطي بشكل خطير إذا استمر إغلاقه لفترات طويلة كما هو الحال الآن، ناهيك عن فقدان ثقة المستثمرين وعدم تعويلهم على قطاع الطاقة في البلاد وهو أمر ملحوظ حيث لم تعلق العديد من الدول على إغلاق النفط الأخير بسبب الإغلاقات السياسية القسرية لهذا القطاع الحيوي في وقت تسابق فيه كل الدول المنتجة الزمن من أجل زيادة إنتاجها تماشيا مع الارتفاع غير المسبوق لأسعار النفط العالمية..
وبالعودة إلى الوضع السياسي الحالي في البلاد وحالة الانقسام الحاد الحاصل في السلطة التنفيذية يمكن القول إن المشهد الليبـي بشقيه السياسي والأمني مثير للقلق والتطور السلبي مع تجميد شبه مؤقت للصراع العسكري بفعل العوامل الدولية والإقليمية الحالية.
لكن هذه العوامل قد لا تصمد طويلا خصوصا إذا ما احتدك الصراع الغربي الروسي في أوكرانبا حيث ستكون ليبيـا المحطة الطبيعية لنقل هذا الصراع إلى المناطق الساخنة والحساسة في الشرق الأوسط وإفريقيا حيث تملك موسكو كل الأوراق اللازمة لمجاراة الغرب في ليبيـا وإفريقيا وهو سيناريو مرجح إلى حد كبير إذا تجاوز الصراع أوكرانيا.

ما هو مصير الانتخابات أليست ضرورة محليا ودولية؟

يكاد يتفق الجميع بمَن فيهم المعرقلون والمنتفعون بالوضع الحالي أن الانتخابات هي الخيار الوحيد الناجع للأزمة المركبة في ليبيـا، لكنها غير واردة في المدى القريب جدا لعدة أسباب أهمها معضلة الإطار الدستوري الذي ستنظم على أساسه الانتخابات والمعادلة الصفرية التي تحول دون التوافق عليه بين النخب الحاكمة حيث يتمسك حاكم مجلس النواب” عقيلة صالح” بما يعتبره حق حصري له وهو ضرورة صياغة هذا الإطار الدستوري دون مشاركة الآخرين أو بمشاركة شكلية دون إبداء أي آراء
وفي المقابل يبرع الجانب الآخر” مجلس الدولة” في تكرار التجارب الفاشلة مع شريكه السياسي ولا يوجد أي قاسم مشترك بينهما سوى إدارة الخلاف من أجل البقاء على رأس المشهد الليبـي واستمرار مناخ سياسي بائس لا يتطور إلا نحو الأسوأ.

هل هناك خيار ثالث يتجاوز النواب والدولة.؟

نعم هناك خيار بل وخيارات لكنها تحتاج إلى تجاوز هذه الأجسام والبحث عن خيار وطني وواقعي يبدأ بالتدرج في تناول القضايا الشائكة ولا يغوص في التفاصيل القاتلة التي يستغرق فيها الساسة الحاليون، ويحدد حدود الجغرافيا السياسية بسعة أفق وضرورات الشراكة السياسية مع الآخرين ويهمل مفهوم البراغماتية النفعية اللحظية في التعامل مع القضايا المفصلية والأنانية السياسية التي تستخدم مصطلح توزيع”الثورة” كواجهة للمغالبة السياسية..
https://anbaaexpress.ma/ut2v8

موسى حسن تيهوساي

كاتب صحفي ليبي وباحث في الشؤون الأفريقية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى