تحكي الأسطورة، أنه مع استيلاء البرطقيز على مدينة الجديدة أو البريجة كما كانت تسمى سابقا قبل استعادتها من البرتغاليين في معركة حاسمة استسلمت فيها الحامية العسكرية للبرطقيز بعد طول حصار للجيش المغربي القوي آنذاك.
و هنا الأسطورة تحكي مدى بشاعة المحتل البرتغالي، الذي ارتكب جرائم حرب ضد المواطنين المسالمين و السلميين، عندما تمت له السيطرة على مدينة الجديدة، لكن المقاومة المحلية كانت قوية، مما أدى إلى انكفاء المحتل البرطقيزي.
وإضطره ذلك إلى بناء مدينة ساحلية محصنة بأبراجها و أسوارها و حصونها الصعبة الإختراق و هكذا تم بناء قلعة البريجة أو مدينة البريجة و بناء مينائها الكبير للسيطرة على التجارة الساحلية آنذاك.
كانت جرائم المحتل كثيرة و أصابت كل الأسر المحلية في ذلك الزمان و كانت أسرة الملقبة بعيشة قنديشة واحدة من تلك الأسر فقد إمتدت يد الغدر إلى هذه الأسرة و تم قتل كل أفراد هذه الأسرة، إلا أن عيشة لم تكن حاضرة في ذلك اليوم في البيت مع أسرتها، فقد شاءت الأقدار أن تكون مع عمتها في إحدى القرى المجاورة.
كانت الصدمة قوية على عيشة، بفقدها أعز الناس لديها و أقربهم منها. كل أسرتها لقيت حتفها جراء اعتداء وحشي من إحدى الدوريات العسكرية البرطقيزية.
عيشة ذات الخمسة عشر ربيعا، عيشة الفائقة الجمال، الفاتنة و الساحرة بعينيها العسليتين و بقدها و رشاقة جسمها و شعرها الطويل، عيشة المصدومة و المرتعبة مما حدث لأسرتها، ستقرر الإنتقام لكن بطريقتها و بأسلوب لن يخطر على بال أحد.
عيشة ستتحول إلى شاب و ستلتحق بالمقاومة المسلحة، و ستتعلم كل طرق وأساليب القتال حتى التفوق على الشجعان الكبار من أفراد المقاومة. ثم ستلتحق بعدها بمدينة البريجة لتبدأ تنفيذ خطة الإنتقام.
كانت عيشة بارعة في التخفي، بحيث تستطيع ان تنتحل شخصيات عدة، دون ان يستطيع أحد كشف أمرها. فهي بين راهبة في الدير و شاب يعمل في الميناء و فاتنة تغوي الرجال في الحانات و نادلة في المطاعم ،كانت تتقمص تلك الشخصيات بكل إتقان و تتصيد الفرص للظفر بأحد كبار الضباط و حتى بعض الجنود البرطقيز لوضع حد لحياتهم و قتلهم في إحدى الغابات المجاورة.
كان جل ضحاياها من الجنود البرطقيز و من كبار الضباط كذلك و بعض كبار التجار و من بعض الرهبان الذين كانوا يحرضون على الكراهية و الحروب الصليبية، و قد استطاعت عيشة قنديشة أن تقتل الكثير من هؤلاء المجرمين ،و قد انتشرت إشاعات تفيد بأن امرأة جميلة تتحول إلى شكل حيوان هي التي تقتل الرجال و بالخصوص الجنود البرطقيز و قد خصصت جوائز مالية لمن يلقي القبض عليها لكن لا أحد استطاع ان يلقي القبض عليها منذ ذلك الزمن. فهي تتصيد المجرمين في كل وقت وحين و في كل مكان من على هذه الأرض فهي معيز القبور و سوبر مان و هيلك و سبايدر مان و علي بابا و زورو و عيشة قنديشة .شخصيات غريبة و فريدة لكن غايتها تحقيق العدالة.
العدالة و العدل الغائبين تماما عنا بالخصوص في عالمنا العربي، الذي أصبح مرتعا للظلم و الظالمين و الفساد و الفاسدين. كل أنواع الظلم و الفساد :ظلم اجتماعي و فساد سياسي و مجتمعي.
عيشة قنديشة كانت امرأة حرة استطاعت ان تستنهض الهمم العالية و أن تقول بأن مقاومة المحتل هو سبيل تحرير الأوطان و الإنسان على حد سواء. و فعلا فقد كان تلاحم القبائل المغربية كبيرا و استطاعوا أخيرا قطف ثمار النصر و تم استرجاع أغلب الثغور الساحلية التي كانت في يد البرطقيز و بالخصوص مدينة البريجة، التي أصبحت تحمل اسم الجديدة.
و بذلك أصبحت عيشة قنديشة رمز الفداء و المقاومة و الوطنية الحقة، و سمع بها و ببطولاتها الناس في كل مكان. و قد استغلت قصة هذه الفتاة الجميلة أي عيشة قنديشة في روايات الرعب و قصص نساء منتقمات من الرجال بصفة خاصة و لتخويف الأطفال بصفة عامة و صارت القصة أسطورة تتداولها الشعوب حسب الزمان والمكان و حسب ملابسات الأحداث ،و حسب احتياجات الناس إليها في واقعهم البئيس.
عيشة قنديشة، هي امتداد و رمز لأولئك الأبطال الذين سطروا أروع البطولات ضد المحتل الفرنسي و الإسباني على حد سواء، و كابدوا المشاق و الصعاب في سبيل ذلك، و أهدوا أرواحهم سخية فداء عن دينهم و أوطانهم.
عيشة قنديشة، هي تجسيد لذلك العدل المنشود بين الناس، عدل يقوم على التراحم و نصرة الضعيف ،و الضرب بيد من حديد على كل البغاة الظالمين.