ثقافة

حوار مع الكاتبة والباحثة المغربية الدكتورة أسماء المرابط

الإسلام والمرأة..الأسئلة المزعجة

في هذا الحوار الخاص نحاور ضيفة استثنائية، وتشتغل في موضوع “المرأة في الإسلام” من وجهة نظر تحررية أساسها الانطلاق من المرجعية الإسلامية في تناول القضايا النسائية، من خلال إعادة قراءة النصوص الدينية برؤية إصلاحية.

هي كاتبة وباحثة وطبيبة بالمستشفى الجامعي بالرباط منذ سنة 1995 كما عملت طبيبة متطوعة بمستشفيات عامة بإسبانيا وأمريكا اللاتينية.

شاركت في مؤتمرات دولية وقدمت العديد من المحاضرات حول هذا الموضوع. عينت رئيسة “للمجموعة الدولية في التفكير في قضايا المرأة في الإسلام” من سنة 2008 الى سنة 2010، كما عينت رئيسة “مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام” بالرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب من سنة 2010 الى مارس 2018

عضو في المكتب الأكاديمي للشبكة الدولية للمساواة

عضو المجلس الإداري لمؤسسة tres culturas الثقافات الثلاثة، بمدينة إشبيلية.

لها العديد من المؤلفات في هذا الموضوع، منها:

“عائشة أو الإسلام المؤنث” فرنسا، وترجم إلى الإيطالية والهولندية والاسبانية، القرآن والنساء: قراءة للتحرر وترجم إلى الاسبانية الكاتالونية والإيطالية والإنكليزية والعربية الإسلام، المرأة والغرب، النساء والرجال في القرآن: أي مساواة؟،الإسلام والمرأة: الطريق الثالث

ضيفتنا في هذا الحوار هي الكاتبة والباحثة المغربية الدكتورة أسماء المرابط والتي ستتحدث لنا عن كتابها المثير للجدل والصادر باللغة الفرنسية  Islam et femme Le question qui fâchent

اﻹسلام والمرأة: الأسئلة المزعجة وهو كتاب يحاول توضيح و تصحيح الكثير من الالتباس والغموض الذي أصبح شائعا من داخل و خارج اللاوعي الإسلامي و الغير الإسلامي. وحيث ظل الإنتاجُ التأويلي الإسلامي   أسيرَ قراءة دوغمائيّة ومُسيَّسة، وقعَتْ مَأسَستُه في مدارس فقهية. أيضًا أدَّى التشدد المذهبي إلى تجمُّد الفكر الإسلامي، وخاصة في مجال المعاملات الاجتماعية وبالذات تلك التي تخص الزواج و قضايا الاسرة كما أن تلك النصوص الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع قد دُوِّنت في زمن، كانت فيه المرأة قد فقدت عددًا كبيرًا من صلاحيّاتها، وأصبحت تلك الاجتهادات الفقهية -ومع انتكاسة الحضارة الإسلامية- نصوصًا “مقدسة” أو شبه مقدسة، ومَصدرًا وحيدًا للتشريع، لا سيّما بالنسبة إلى مدوَّنات الأسرة في أغلب البلدان الإسلامية.

كما أن تَعطَّل اجتهاد المفسرين المنطلق من السياق، وتقديس تفاسير الأسلاف عبْر تهميش المبادئ الأخلاقية الواردة في النصوص الدينية كان له الأثر الكبير في ترسيخ هذه المفاهيم التمييزية الخاطئة التي اختزلت صورة المرأة الى إنسان ناقص العقل و الدين، فقد قدم القران الكريم نموذج تحرري كوني وأخلاقي وإنساني ينبع من الرسالة الروحانية القرآنية والتي حررت الانسان رجلا كان أو امرأة من جميع أشكال الاستعباد.

كل هذه المحاور كل هذه المحاور ستكون موضوع حوارنا مع الباحثة والكاتبة المغربية الدكتورة أسماء المرابط

كتابكم الأخير “الإسلام والمرأة، الأسئلة المزعجة” الصادر باللغة الفرنسية Islam et femme Le question qui fâchent,  يعتبر من أهم المراجع الفكرية فيما يخص بكسر الصورة النمطية عن المرأة في الفقه الإسلامي الذي هيمن عليه التفسير الذكوري، ماهي المحددات الرئيسية التي انطلقت منها في تأليف هذا العمل الأكاديمي المتميز؟

هذا الكتاب حاول أن يسلط الضوء على أسئلة متداولة حول المرأة في الاسلام من داخل وخارج العالم الاسلامي بعضها نمطية ومغلوطة نابعة من المخيال واللامخيال الغربي المستشرقي والنيو كولنيالي، والبعض الاخر وللأسف هو نتاج الفكر التقليدي الاسلامي المدون في الاف المجلدات الفقهية القديمة والحديثة والتي يعاد طبعها وتكررا إصدارتها ،كما هي بدون أي تغير أو محاولة قراءة نقدية حتى اليوم وكأن الزمن الفكري والعقلي توقف مع فكر وتأويل الفقهاء الأوائل. واﻷخطر من هذا هو تكريس هذا التراث من جانبه التقليدي عامة والتميزي الذكوري خاصة في الأذهان والعقليات وكأنه نص مقدس لا يجوز نقده، فأصبحت تأويلات الفقهاء معصومة من كل الأخطاء وصالحة لكل زمان ومكان.ولتذكير فقط فهذا الكتاب هو نوع من التقييم الملخص الجامع والمبسط نوعا ما لبعض الإشكاليات التي تهم المرأة والأسرة والتي سبق لي أن كتبت عنها مطولا وألفتها في كتب سابقة بمقاربة تحليلية وبيداغوجية أعمق كمثل كتابي “القرآن والنساء: قراءة للتحرر” الذي صدر في 2010 باللغة العربية و “النساء والرجال في القرآن أي مساواة؟” في 2012 والذي حاز على جائزة المرأة العربية.

في إحدى محاور كتابكم، قلت أن الإنتاج التأويلي الإسلامي ،هو أسيرَ قراءة دوغمائيّة ومُسيَّسة، وقعَتْ مَأسَستُه في مدارس فقهية وأيضًا أدَّى التشدد المذهبي إلى تجمُّد الفكر الإسلامي، وخاصة في مجال المعاملات الاجتماعية وبالذات تلك التي تخص الزواج و قضايا الاسرة، هل لك ان تشرح لنا هذه النقطة باستفاضة؟

هنالك جوانب كثيرة في مجال المعاملات وخاصة تلك التي تهم الزواج والقضايا المرتبطة بها من المفروض ولكونها ليست من مجال العبادات، كما أكده اجماع العلماء، أن يكون فيه الاصل هو التعليل أي أن الحكم في المعاملات يتبع العلة التي اقتضته: “فاذا تغيرت العلة تغير الحكم”. فأصل المشكلة هنا هو عدم التميز بين العبادات والمعاملات وأسلوب التعامل معهما. فالأمثلة كثيرة في هذا الصدد وسنأخذ البعض منها كمثل مفهوم “القوامة” المستنبطة من الآية الكريمة 34 من سورة النساء (الرجال قوامون على النساء) والتي في الأصل تتكلم عن واجب الرجال بالقيام بالتكفل والمسؤولية اتجاه حاجيات الزوجة والأسرة والتي أولت في الفقه الذكوري بتميز جل الرجال على جل النساء وأصبحت عند أغلبية فقهاء المذاهب تمثل المعيار الوحيد والمركزي في العلاقات الزوجية خاصة والاجتماعية عامة، حيث تمثل الذكورة والرجولة هذه القوامة أي السيطرة والأفضلية والسلطوية (السياسية والأسرية) والتي كرست طوال الحضارة الاسلامية دونية المرأة بأسم الدين. وهذا يتناقض مع مفهوم الزواج الذي يصفه القران الحكيم بكونه “ميثاق غليظ” كميثاق الله مع أنبيائه والذي تأطره “حدود الله” أي مبادئ أخلاقية كالتشاور والتراضي والفضل والمعروف والإحسان والمودة والرحمة. غير أن هذه المبادئ الأخلاقية شبه مفقودة في الكتب الفقهية… فكل هذه المفاهيم القرآنية الأخلاقية النبيلة لا نكاد نراها في مناهج الفقه حيث نجد فصول كاملة عن النكاح والطلاق دونت بمثابة أحكام تقنية مجردة لا وجود للقيم الأخلاقية فيها، أحكام فارغة من روح وفلسفة الرحمة والإحسان القرآنية وتعبر عامة عن ذهنية فقهاء ظلوا سجناء سياقهم العرفي والتاريخي. فنرى أغلب أحكام الفقهية في الزواج تهيمن عليها أو تنطلق من مفهوم القوامة المؤولة كسلطة جبر أنتجت مفاهيم ذكورية عرفية وقبلية كمثل “النفقة مقابل الطاعة” أو “الزوجة شبه اﻷسيرة عند زوجها” الخ من مفاهيم لا وجود لها في القران ولا السنة النبوية التي تصف النساء بشقائق الرجال وهذا لوحده له ألف مدلول. وهنالك كذلك مثل وجوب “الولي” في الزواج والذي فيه اختلاف عند المذاهب السنية حيث أنه لا يقر به المذهب الحنفي بينما تعتبر المذاهب الأخرى عدم وجوده يبطل الزواج. مفهوم وجوب الوالي على المرأة غير مورود في القران ومناقشته من طرف بعض الفقهاء في ذلك الزمان شيء طبيعي من حيث البنية الاجتماعية لذلك العصر التي ترى وجوب حماية النساء ولكن الأكثر إزعاجا هو أن مع مرور الزمن وتشدد الفقهاء التابعين تم فرض بل وإجبار الوالي على تزويج المرأة ضد إرادتها ورغبتها وقد اشتد بعض الفقهاء بإلزامية الولي ولو بالتفويض وبدون علمها وفي غيابها. والغريب أن من مناصرين وجوب الوالي في الزواج التعليل بالآية 232 من سورة البقرة والتي في الواقع وحسب أسباب النزول، تحذر أخ رفض أخد اعتبار رغبة أخته في استئناف الحياة الزوجية مع زوجها السابق. وأكدت الآية عن رفض هذا السلوك بهذا الاسلوب: “فلا تعضلون أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف”، أي رفض قاطع للعضل والتأكيد على وجوب احترام إرادة المرأة ورغبتها ووجوب الالتزام بالتراضي المتبادل بين الزوجين بالمعروف. لكن أغلبية الفقهاء تجاهلوا هذا المبدأ المهم والرفيع وركزوا على دور اﻷخ واستنتجوا مفهوم الولي من مخاطبة القران لهذا اﻷخ. ونرى كيف أقر الإمام الشافعي أن الاخ في موقع الولي وله حق الولاية وبني على هذا التأويل الفقهي لهذه الآية كل منظومة الولاية في الإسلام ومن تم تعميم مفهوم الولاية الجبرية على كل النساء من طرف الرجال. وهذا مثل واضح ومؤسف حقا لتجاهل ولعكس معنى ومبداْ قرأني أساسي رسخ مند 14 قرنا مفهوما كونيا هو احترام إرادة وحرية ورغبة المرأة في اختياراتها الشخصية ولم يؤخذ بعين الاعتبار من طرف أغلبية الفقهاء بل استخلص منه عكس ما أراده القرآن الكريم.

هنالك مثل أخر يعد من الطابوهات وهو مسألة المواريث التي يبدوا للبعض أنها لا بد أن تطبق حرفيا لأنها من النصوص القطعية وتبدوا لأخرين أنها فيها ظلم وتميز ضد المرأة. والحقيقة أن الإشكالية في كيفية مقاربة هذه المسألة يجب أن تفهم من داخل منظومة المعاملات وفي الإطار الأخلاقي العام للقرآن ،وليس كما يطبق في الواقع الحالي بدون تدبر ولا فهم السياق التاريخي، أو أخد باعتبار المقاصد العليا للوحي والتي اساسها هو دائما العدل والإنصاف. ولعل مثل قسمة المواريث من النماذج القرآنية الرائعة في كيفية المواكبة التدريجية لإصلاح المجتمع. فقبل الإسلام لم تكون عموما للنساء ولا لكبار السن من الرجال ولا للأطفال أي حق من نصيب الموارث لان معاير حق اﻹرث كانت تعني فقط هؤلاء الرجال الذين يستطيعون خوض المحاربة والمغازي وجلب الغنائم، ذوي القوة الجسدية والدفاع عن العشيرة وركب الفرس… لكن الوحي القرآني زلزل هذه المعايير وقرر توزيع المواريث على الجميع بدون أي تميز قائم على السن أو الجنس او الطبقة الاجتماعية.

فهناك مثلا آيات تحث على توزيع بعض الشيء من الميراث ﻷولي القربى واليتامى والمساكين “سورة النساء8” وهذه الآية مثلا من المنسيات عند الفقهاء لا يعطونها اي أهمية مع أنها واضحة لماذا؟ أليست هي كذلك نصا قرآنيا قطعيا؟ وبالنسبة للفيئة التي كانت محرومة من هذا النصيب أعطى لها الله حق اﻹرث رغما أنها وحسب منطق ذلك العهد لم تكون تشارك في حماية القبيلة ولم تكون لها أي مشاركة فعلية في مجتمع ذالك العهد.

والعلة في نصف الميراث للأخت هو، وكما أجمع عليه الفقهاء، مرتبط بالمسؤولية التكليفية ونفقة الأخ الذي واجب عليه أن يتكلف بأخته في حين أن ميراث اﻷخت لها لوحدها تصرفه على نفسها. ولكن الآن وقد تغيرت الأوضاع اجتماعية و أصبح من الصعب على الرجل ان يتحمل كل المسؤولية المادية وتساهم المرأة في النفقة أو بعض الاحيان في تحمل كل المسؤولية لا بد ان تكون هنالك قوانين تحرص على احترام مقاصد العدل والإنصاف واجتناب الظلم. وهذا طبقا لمنهج القرآن الذي غير المعايير التي كانت تحرم النساء وغيرهم من المستضعفين من حق اﻹرث وأصبح الكل له الحق في اﻹرث وهذا كان في ذلك الوقت بمثابة ثورة على الظلم والتمييز، رغم أن المرأة لم تكن تساهم في الحروب والدفاع عن القبيلة والغنيمة أعطاها الله الحق في أخد نصيب من اﻹرث الذي كانت محرومة منه. فما بالك اليوم وهي تشارك وتساهم في موارد الأسرة واقتصاد البلد بحاله؟

لا بد هنا ان نذكر أن الأحكام المتعلقة بالأسرة خضعت دائما للاجتهاد وأخد فيها بالاعتبار المقاصد الشرعية والعرف والعادات ومتغيرات المجتمع ومصلحة الاسرة. كيف مثلا في قضية التعصيب نترك اﻷم وبناتها اللواتي اعتنوا بأبيهم معنويا وفي بعض الأحيان ماديا أن يأخذ من نصيبهم من طرف أعمام أو أولاد اﻷعمام لم يعتنوا بالمرحوم ولم يقوموا حتى بزيارته؟ وأخيرا وبالنسبة لهذا الموضوع لماذا إجتهد الفقهاء في آيات الوصية ونسخوها بحديث آحاد (لا وصية لوارث) وهي إلزامية (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ ” حَقًّا عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ) وهما أحكام مقدمة على اﻹرث (بعد وصية أو دين)؟

أشرتم في كتابكم أن القرآن الكريم قدم نموذج تحرري كوني وأخلاقي وإنساني ينبع من الرسالة الروحانية القرآنية والتي حررت الانسان رجلا كان أو امرأة من جميع اشكال الاستعباد، هل يمكن القول أن تفاسير الأسلاف كانت سببا في بروز الخطاب الذكوري للنصوص الإسلامية بعيدا عن جوهر وروح النصوص المقدسة سواءا القرآنية أو النبوية؟

لا يمكن أن نضع جل المسؤولية على المفسرون والفقهاء الأسلاف فقط في بروز الخطاب الذكوري، نعم أغلبية تفاسيرهم كانت سبب في ترسيخ التميز ضد النساء باسم الدين ولكن لا بد أن نعي أنهم وبكل بساطة كانوا أبناء بنيتهم الاجتماعية والثقافية الذكورية. فالفكر الأبوي “البطرياركي ” هو أيدلوجية كونية وقديمة موجودة منذ الأزل ولم يبدأ التراجع عن هذا الفكر التمييزي إلا في أواخر القرن 19 وبداية القرن العشرين مع منظومة حقوق الإنسان. ورغم كل الإنجازات والمشوار الطويل والصعب للوصول إلى هذه المكتسبات الحالية كالمساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، إلا أنه لا تزال هنالك الكثير من العوائق أمام ترسيخ حقيقي لهذه المبادئ عالميا وتنزيلها على أرض الواقع وهذا في كل المجتمعات وحتى في الدول الأكثر تقدما. لكن الإشكال هنا هو أن العرف والثقافة القبلية السائدة من قبل الإسلام هيمنت حتى ما بعد عهد الوحي على العلماء الذين تربوا ونشئوا على هذا العرف ولم يستطيعوا أن يدركوا كنه تلك الرسالة التحررية القرآنية. ولا نقول إن جلهم كانوا هكذا بل نرى أن أغلبيتهم أقروا على المساواة والكرامة وعدم التمييز بين بني البشر عامة وبين الرجال والنساء خاصة ولكن على المستوى الأنطولوجي فقط أي الوجودي والمستوى الأخروي في الجزاء والعقوبات ولكن ليس على المستوى الاجتماعي والتشريعي حيث ألا مساواة” والتمييز وأفضلية الرجال هي الأساس والإطار المرجعي. لذلك هنالك ما يمكننا تسميته “بمأزق” تأويلي ومعرفي ديني من حيث استنباط أخلاقيات القرآن التحررية للإنسان رجلا كان أو امرأة على أرض الواقع وخاصة في المجال التشريعي حيث غفل الكثير من المفسرين على هذا البعد وهذا لأن تلك المفاهيم كانت صعبة الإدراك على الذهنية السائدة في تلك العصور وأيضا لتهميش دور المرأة في مجتمعات تلك الأزمنة. ولكن الطامة الكبرى هي أن تلك التفاسير والأحكام الفقهية التمييزية التي هي نتاج بشري تاريخي ومهم يجب احترامه والحفاظ عنه تم تقديسه مع مرور الزمن وبداية انتكاسة الحضارة الإسلامية.

فابتداء من القرن 11 م أصبح هنالك نوع من التشدد المذهبي وبدأ التراجع الفكري والتشبث بالتقليد الأعمى والنقل وترك العقل وإقفال باب الاجتهاد فغلب التيار التقليدي لأنه تيار مثل الدفاع عن الهوية والأمة والتقاليد من الهيمنة الغربية الاستعمارية. فسبب بروز واستمرار الخطاب الذكوري ليس فقط بسبب الفقهاء الأسلاف بل لأنه رغم بعض المحاولات التجديدية هنا وهناك في أواخر القرن 19 وبداية القرن 20 مع عهد النهضة والإصلاحين كالأفغاني والإمام عبده في مصر وعلال الفاسي في المغرب وطاهر حداد في تونس، إلا أن هذا التيار ظل ضعيفا لأنه تمت محاربته من طرف التيار التقليداني المتشدد.

ولا نزال حتى يومنا هذا بدون إصلاح حقيقي لهذا الخطاب ورغم وجود أعمال أكاديمية وفكرية تجديدية تمت بتفكيك التأويلات الذكورية وأنتجت تفاسير بديلة أخلاقية نابعة من روح القرآن والسنة النبوية ولكن لا زالت تمثل الأقلية. ويبقى هذا التيار الإصلاحي مهمش بل ضحية حرب شرسة تشنها جل المؤسسات الدينية الرسمية والتيارات المتشددة التي تتهم كل محاولة فكرية تجديدية بالخيانة والعمل مع الأجندات الغربية والحقيقة هي أن تلك المؤسسات والتيارات الدينية ليس لها جواب مقنع على هذه الأسئلة الراهنة وأيضا لأنها تخشى من فقدان سلطتها وموقعها الرمزي الممثل للدين وسيادتها في المجتمع وهيمنتها على عقول وحياة الناس.

ماهي الأدوات المعرفية والمنهاج الفكري الذي اعتمدته في إخراج هذا العمل الأكاديمي إلى حيز الوجود؟

الأدوات المعرفية والمنهاج الفكري الذي اعتمدته ينطلق من أخد بعين الاعتبار كل من التراث فهمه ودراسته النقدية وكذا استعمال واستيعاب نقدي للعلوم الإنسانية الحديثة لتحليل النصوص ودراستها ومقاربتها بشكل جديد. اعتمدت أولا إبراز وتسليط الضوء على تناقضات المقاربة التقليدية وإظهار الفجوة العميقة ما بين النص القرآني والسنة النبوية الشريفة والتفاسير والمنظومة الفقهية. وانطلقت من دراسة نقدية للإطار المرجعي لمفهوم السياق التاريخي للوحي. وهذا مهم جدا لأن الوحي سعى إلى مقاومة العادات والتقاليد التمييزية وجاء بنظرة تحررية للإنسان. وهذا واضح بمشاركة النساء في البيعة والهجرة ومناقشة الوحي والرسول ص مباشرة من داخل مسجده. وهنالك نماذج نسائية عديدة تبين هذا المفهوم الجديد للمرأة كإنسانة كاملة العقل والخلق والأمثلة لا يمكن حصرها هنا،ثم قمت بإعادة قراءة النصوص من منظور إنساني إصلاحي روحاني وعقلاني، وهذا ساعدني على تفكيك التفسيرات والقراءة التقليدية التميزية حيث اتخذت مقاربة النص القرآني اعتماد على

أولا :“مقاربة شمولية تأخد بعين الاعتبار التماسك الشمولي للنص القرآني. وهذا من خلال ما يسمى بتفسير القرآن بالقرآن كما هو معروف في العلوم الإسلامية (ولكن قليلا ما يؤخذ بعين الاعتبار) وعدم نزع الآيات من سياقها كما فعلت أغلبية التفاسير التقليدية.

ثانيا: مقاربة المقاصدية التي أسسها الإمام الشاطبي والتي تبين كيف أن الدين جاء ليعطي الأولوية للمصلحة العامة للناس وسعادتهم ورفع الحرج عليهم وإضافة مقاصد إقامة العدل والرحمة (الغائبان في هذه المنظومة المقاصدية الكلاسكية)، كمقاصد اساسية للرسالة القرآنية وهما مبدأين جاء بهما القران بصفة الالزام: “ان الله يأمر بالعدل والإحسان” و “ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.

ثالثا: المقاربة التاريخية السياقية تمكننا من فهم تطبيق أحكام الإسلام، حسب السياق والظروف الاجتماعية والأزمنة

رابعا: مقاربة اجتهادية بفضل أداة الاجتهاد الفكري التي تجعل رسالة الإسلام صالحة لكل مكان وزمان. والمعروف أن الاجتهاد له دور محوري وأساسي لضمان صلاحية فهم الدين وتنزيله على الواقع الاجتماعي، لتأطير الحياة العامة لأنه يحمي الدين من الجمود.

وهكذا وبفضل هذا المنهج يتضح أن هنالك أربعة أبعاد ضمن النص القرآني يمكن تلخيصها في البعد الكوني الأخلاقي، البعد الإنساني، البعد المفاهيمي المساواتي   ثم البعد الاجتماعي.

فالبعد الكوني الأخلاقي هو يكون أغلبية النص القرآني حيث يضم مبادئ كونية أزلية كالتوحيد وبعده التحرري والعدل، العلم، العقل، الرحمة، المحبة، الكرامة، الفطرة، السلم، الحرية، الأمانة، البر، القسط، الإنصاف، العفو، الصفح، المغفرة، التقوى، المعروف، العمل الصالح..

والبعد الإنساني حيث الخطاب القرآني هو خطاب موجه إلى “الإنسان” أولا وقبل كل شيء، إلى بني آدم الذي خلقه الله من روحه ومن طين. مفهوم الإنسان في القرآن يتجاوز الصفات كالجنس، فالرجل كالمرأة هما في صلب الخلق الإلهي.

أما البعد المفاهيمي المساواتي فهو متمثل في مجموعة من الآيات التي تتوجه بشكل متساوي بين الذكر والأنثى بدون أي تمييز وهذا عبر مفاهيم ومصطلحات كالنفس الواحدة، التقوى، الاستخلاف، الولاية، الميثاق الغليظ، المودة والرحمة، التشاور، اللباس، السكينة، الفضل، المعروف، الاكتساب، النصيب، العمل الصالح (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى…). ثم أخيرا يأتي البعد الاجتماعي والسياقي الذي يمثل في أغلب الأحيان جواب للأسئلة التي كانت تطرح على النبي ص إبان تنزيل الوحي وهي في الغالب أسئلة حول إشكاليات اجتماعية مثل الزواج، الطلاق، المواريث، المحيض وتأتي في أغلبيتها في صيغة “ويسألونك عن…”. فنرى كيف حاول القرآن تغير بعض الأعراف وتحريم أخرى وفي بعض الأحيان حافظ على بعض التقاليد مغيرا كيفية تطبيقها أو في بعض الأحيان السكوت عنها. لكن ما يجب ملاحظته هو أن كل هذه الأحكام تظل دائما مشروطة بقواعد أخلاقية ومقاصد العدل والإنصاف ورفض الظلم والضرر.

https://anbaaexpress.ma/ws9m3

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

تعليق واحد

  1. حوار غني جدا بأسئلته وأجوبته اوأسماء مرابط مجددة للفكر فقهي حبذا لو يستفيد بعض عقول المتحجرة من هذا الاجتهاد .لان العرف إجتماعي طغى على النصوص
    تحياتي استاذ عبدالحي وحوارتك مقالاتك مفيدة جدا واصل على هذا الطريق وفقك الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى