آراءثقافة

المشروع النهضوي العربي..وأزمة الفكر (2 -2)

روكيش عرف الصرامة العقلية بأنها عدم قدرة الشخص على تغيير جهازه الفكري أو العقلي عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك، للأسف العقل العربي والإسلامي مصاب بهذه الصرامة أو فلنقل “الصنمية “غير قادرعلى “التوليد الفكري” لايجيد سوى إجترار ما خطه العقل الشافعي والاشعري، لذلك رصيده صفر فى مجال الفكرالعميق .

فعندما نتحدث عن ما قدمه منذ أن بدأت الحداثة تطرق أعتابنا، لن نجد شيء يمكن أن يضاف في الوجود التاريخي وإشكالية حداثتنا المأزومة

الحداثة قطيعة قصوى مع المقدس

يقول فهمى جدعان فى كتابه ” المقدس والحرية” ” تطلب الثقافة العربية الحديثة “الحداثة ” لكنها لا تفهم أن هذه الحداثة هى قطيعة قصوى مع ” المقدس ” إنها في الوقت الذى باتت فيه تسلم، بحق الحرية بأغلبية أشكالها تقربانه لايحق لهذه الحرية أن تكون عدوانية وعنيفة وجدانيا
أوفعليا أولفظيا بإزاء” الإعتقاد” أو الايمان الذى يتسلح به الآخرون  .] 1 ]ص 11

لن تطرق الحداثة أعتابنا إلا بعد الخروج من الفخ الأفغاني

للأسف كل محاولات الدعوة للحداثة، تجديد الخطاب الديني، وقعت فى الفخ الأفغاني الذي أدخل الوعي الإسلامي، فى منحى الحفاظ على الدين لذلك تحوم كل محاولتنا حول محراب النص، دون أن تمتلك الشجاعة الكافية للدخول للمتن لذلك هذه المحاولات لم تخرج بجديد، كل ما يحدث مجرد عمليات تجميل رديئة، فالحداثة فى أبسط صورها إحداث قطيعة قصوى مع الماضي.

العقل الغربي لم يطرق أبواب الحداثة إلا بعد أن تخلى عن لاهوته  القديم، وملىء فراغه بعمق الفكر، هذا بالإضافة إلى أن كل مايحدث حاليا مجرد مكالمة فوقية، أحاديث صالونات لا تتجاوز أعتابنا، إننا جميعا لم ندرك أن عقل الجمهور العربي والإسلامي، خطف منذ عصر المتوكل إلى يومنا هذا، بصولجان السلطة وصوت المنبر، إصغاءه هناك ليس معنا.

السؤال كيف لنا أصحاب الأقلام الناعمة من إرجاع ذلك العقل وإفاقته من غيبوبة عقود، الجواب صعب، يحتاج معجزة مزلزلة على كل المستويات، لعل ذلك ما دفع هشام جعيط فى كتابه، أزمة الثقافة الإسلامية إلى التساؤل، هل من الممكن فى جونا الإسلامي اليوم أن يبرز إبن
عربي أو السهروردي أو ابن الفارض، ابن خلدون، ابن سينا، تساؤل سأله جعيط منذ أكثر من عشرين عام، ومازلنا نسأله إلى اليوم هل واقعنا الإسلامي المأزوم قادر على إنتاج هذه العقول، الجواب بالتأكيد لا، لأن العقل العربي عقل فارغ رصيده صفر فى مجال الفكر”الرصين” أو
فلنقل “العميق “مستعيرين اللفظة من جعيط، ذلك الفكر القادرعلى زلزلة أيديولوجيا الجمودالعربي .

وكما يقول جعيط ” للأسف المسلمين لم يفكروا بظاهرة الحداثة كقطيعة مع الماضي وإنما عن طريق إعادة ربط العلاقة مع الماضي ولم ينظروا إليها بمنظار التقدم ولكن بمفهوم النهضة.

إجمالا كانت المسيرة الإسلامية، سواءالمفكريين السياسيين أو الدنيين معاكسة للمبادىء التى
تتضمنها قراءة صحيحة لعصر ألانوار ” . ]1 ]ص 138

فكر النهضة فكر تلفيقي لإيجاد حلول وسطى

جعيط ينتقد محاولات التنوير عندنا ،ويرى أنها محاولات لإيجاد حلول وسطى لتركيب جديد على قديم، وليس كما حدث فى أوروبا فقد كان التنوير يعني قطيعة قصوى مع الماضي بكل مرتكزاته السياسية والدينية، أما عندنا فكما يرى جعيط موجة التنوير تكسرت على صخرة تشكل النخاع الشوكي فى العالم الإسلامي يعني الإسلام ذاته ” . ]2 ]ص 139.

ولذلك وصف الدكتور “نصر حامد أبوزيد ” فكرالنهضة التنويري بالتلفيقي، مشيرا إلى أن ذلك يتجلى على مستويات عدة، كلها تلتقي فى البحث على حلول وسطى، لكل المتناقضات التي يزخر بها الواقع الإجتماعي والثقافي من جهة، وفي البحث عن “مبدأ واحد ” يعد بمثابة “العلة الأولى ” أو علة العلل، لتفسير أي تعددية فكرية كانت أم إجتماعية أوسياسية، ويرى أن البحث عن حلول وسطى بكل التناقضات التى يزخر بها الواقع الإجتماعي والثقافي، يعكس موقفا يلوذ باالسلامة، ولو على حساب التواطؤ الفكري والعقلي، أبو زيد ينتقد بشدة خطاب النهضة العربي متهم إياه بالفشل فى خلق وعي علمي بالدين والتراث مما سمح للسلفية بالانقضاض على كل إنجازات خطاب النهضة لأنها وجدت فيه إسلامها ذاته كما هو لم يمس، فالتأويلات التي قدمها خطاب النهضة والتى مازالت فلوله تقدمها حتى الآن للتراث، تعتبر بمثابة
تجديدات لا تمس هيكل البناء ذاته ومفهوم التجديد ذاته شعارالنهضة، الأثير لايعني إلا إعادة طلاء القديم والمحافظة على بنيته أى مجرد تلوين” . ] 3 ]ص 25

للأسف أطروحات جعيط وأبوزيد كلها تصب فى منحى أن الثقافة العربية التي تطلب الحداثة، لاتفهم أن هذه الحداثة تعني قطيعة قصوى مع المقدس، وذلك مأزق، بل هو حل الغز، لماذا تقدم الآخرون وتآخرنا ..؟ لأننا ببساطة نسير فى الطريق الخطأ طريق “التأييف ” “التركيب”
“الحلول الوسطى” فلنسميه ما شئنا الأكيد أنه الطريق الخطأ .

القراءات التراثية قراءات أيديولوجية

نحن لم ندرك أن معظم القراءات التراثية هى قراءات أيديولوجية مع تفاوت الدرجات، فتاريخ الثقافات يشير إلى سيطرة خطاب معين على الخطابات الأخرى ،أو كما يقولون التاريخ يكتبه المنتصر أو القوى فى ذلك يقول أبو زيد” النص الدينى كان ساحة معارك للإجتماعي والسياسي
والفكري يهدف المتصارعون من خلال تأويله إعطاء أيديولوجيتهم مشروعية عليا دينية إلهية “.

ووفقا لرؤيته الخطاب، لابد أن يكون ناقدا دائما لكل المرجعيات التى يعتبرهو ذاته إمتداد لها بهدف إستنباط الجوهري والإنساني والمعرفي وتعرية المرحلي العرقي والأيديولوجي” . ]4 ]ص 12.

وكما يرى أبو زيد فالمعركة كانت أوسع من الخلافات الفقهية أوالخلافات الكلامية، لأنها كانت معركة صراع على صياغة قوانين الذاكرة الجمعية للأمة أي قوانين تشغيل تلك الذاكرة وصياغة الآليات التي على أساسها تنتج المعرفة .

الشافعي حول “السنة “من نص شارح إلى نص مشرع

هكذا أصبحت مهمة العقل محصورة فى توليد ” النصوص “من نصوص سابقة، فإذا كان القرآن هو النص الأول  والمركزي فى الثقافة لأنه إستوعب النصوص السابقة عليه كافة، فقد تولد عنه نص “السنة” الذى تم تحويله بفضل الشافعي من نص “شارح” إلى نص “مشرع “وعن النصين
تولد نص” الإجماع “، الذى صار نصا مشرعا أيضا “. ]5]ص19.
ووفقا لرؤية أبوزيد فالتوحيد التام بين الدين والتراث كانت بدايتة في عصرالتدوين، أي عصر وضع قوانين التزويد والاستدعاء فى الذاكرة الجمعية للأمة أي الثقافة .

مشيرا إلى أن الشافعي فى مجال أصول الفقة وسع مفهوم الوحي ذاته بإدخال السنة فى دلالة القرآن، وبتوسيع مفهوم السنة ذاته بإدخال اإلجماع فيه، فإنه لم يترك الفاعلية للعقل، إلا فى مجال القياس الذى إشترط له شروطا تجعله نوعا من الاستنباط المقيد بحدود ” الأصل السابق “، هكذا يتحدد دورالعقل فى البحث عن أحكام موجودة بالفعل فى النصوص، وإن كانت خافية مضمرة لاتحتاج إلى البحث عنها وإكتشافها، مشيرا إلى أن الشافعي والاشعري أسسا لسلطة “النقل “وجاء الغزالي
فهاجم العقل والفلسفة وصاغ العقائد بشكل نهائي، وفقا لتصور الاشعري للعالم .

ذلك التصور ينكر العلاقة السببية فى الطبيعة والواقع الإنساني، وقدم منظومة عرفانية غنوصية تجعل المعرفة تأتي من خارج العالم وهبا للصفوة المختارة أزلا من الله”. ]6 ]ص 18.

هكذا ختم على العقل العربي والإسلامي  أن يدور فى الفراغ فال ينتج جديد، ولكن إلى متى سيظل يدور فى الفراغ فحركة التاريخ تشير إلى أن الحداثة فى المجرى الحتمى لها، سنلج أبوابها شئنا أم أبينا وسؤال النقد الديني الذى نحاول بإستماته، تجاوزه والقذف عليه حتما سوف نسأله، مهما حاولت صنمية العقل العربي أن تكسره على أعتابها .

مصادر
1- كتاب المقدس والحرية – فهمى جدعان – صادر عن المؤسسة العربية للدراسات
والنشر بيروت ص 11
2 – كتاب أزمة الثقافة الإسلامية – هشام جعيط – صادر عن دار الطليعة للطباعة
والنشر بيروت ط أولى عام 2000 ص 138
3 – نفس المصدر السابق ص 139
4 – كتاب الدكتور نصر حامد أبوزيد – النص السلطة الحقيقة – صادرعن دارالمركز
الثقافى العربى – بيروت ص 25
5 – نفس المصدر السابق ص 12
6 – نفس المصدر السابق ص 19
7 – نفس المصدر السابق ص

https://anbaaexpress.ma/mn7z8

جيهان خليفة

كاتبة وباحثة وصحافية مصرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى