آراءسياسة

المثقف في المغرب والجزائر: الوضعية، الأفق والتحيزات

تشكلت الدولتان بصيغتهما الجيوسياسية الراهنة في سياق الغزو الفرنسي، الإسباني والإيطالي للمنطقة المغاربية ومحيطها الأفريقي جنوب الصحراء (subsaharien) بعد أن استقل المغرب عن فرنسا عام 1956، أصبح قلعة من قلاع حرب التحرير الجزائرية، وبالرغم من أن تياره القومي كان مسكونا بحلم استرجاع المجد الإمبراطوري، فقد منح القضية الجزائرية  دعمه أكثر من حرصه على استكمال وحدته الترابية، وقد شكل استقلال موريتانيا (1960) صدمة للمغرب ولاسيما لدى تيار من حزب الاستقلال ذي النزعة القومية.
كيف نفسر حرص المغرب على استقلال الجزائر أكثر من حرصه على تحرير الأقاليم الجنوبية من إسبانيا ومن فرنسا؟ لماذا لم يدرج استقلال موريتانيا ضمن بنود مفاوضات إيكس ليبان؟

هل عقد اتفاقا مع جبهة التحرير؟ عندما لجأت جبهة التحرير الجزائرية إلى المغرب، هل لجأت إليه وفق اتفاق؟ هل وعدته ثم أخلفت وعدها؟ وإذا كان حدث اتفاق فعلى أي أساس؟

يمكننا صياغة لائحة من الأسئلة حول الحركتين القوميتين (الجزائرية والمغربية) في علاقتهما البينية من جهة وعلاقتهما بالعرش العلوي من جهة ثانية وبفرنسا من جهة ثالثة، فالمشاكل التي نعيشها اليوم هي نتاج حلول الأمس، تلك الحلول المتسرعة والغامضة التي توافقت عليها الأطراف دون تدقيق في التفاصيل. تلك التوافقات كان فيها حضور الدولة صوريا، سواء الدولة الفرنسية الطرف الأقوى أو الدولة المغربية في ظل الحماية أو الدولة الجزائرية التي كانت ماتزال جنينا في عقول الثوار.

صحيح، أن قضية الاستقلال كانت بين فرنسا والجزائر والمغرب، ولكن ككل القضايا الأممية كانت موضوع تدخل جهات أخرى من أحلاف وأصدقاء وداعمين، وبالتالي، فإن الوضع الذي ترتب عن المفاوضات والتوافقات كان نتاج رؤى استراتيجية حملت في صلبها بذور الصدام، وكان من المفترض أن تؤسس لزمن جديد من العلاقة القائمة على مبادئ التعاون والسلم وحسن الجوار.

هل كان للمثقف دور في ذلك؟ وهل ساهم في بناء الرؤية الاستراتيجية لبلده؟ هل كان ينظر إلى عصره وفق التحولات الجيوسياسية أم كان سجين الماضي؟ وما هو دوره اليوم في غمار ما يحدث بين البلدين؟

لا شك أن “المثقف” التقليدي أو بالمعنى الغرامشي، ينحاز لجهة ما والسؤال المطروح هل يتوفر الشعبان على مثقفين عضويين، والمثقف العضوي هو من يرتبط بقضايا الطبقة التي ينتمي إليها، ويساهم في تكوين وعيها وصياغة رؤيتها للعالم وتحديد مهامها، حيث يظهر ذلك المثقف في جميع أروقة الدولة التنظيمية والثقافية والأيديولوجية. وبالتالي، فلكل طبقة مثقفوها، كما أن هناك مثقف الموالاة ومثقف المعارضة، أو النخبة الموالية للحكم والنخبة الموالية للمعارضة، والمثقف بهذا المعنى، من حقه أن يتحيز دفاعا عن جهته، غير أن هذا التحيز في مظهره الإيجابي والمشروع يبقى مشروطا بكفاءة هذا المثقف في وسلامة فهمه وجديته في رصد المعطيات وقدرته على تحليلها، وإلا سيساهم في تضليل الجهة التي يدافع عنها وتوريطها كما هو حال عدد من القضايا التي تعفنت وتحولت إلى وباء.

انطلاقا من أن كل رؤية هي، بالضرورة، ذاتية واستشرافية، بمعنى أنها تأتي من وجهة نظر مركزية وذات سيادة، وانطلاقا من أنه لا يوجد مراقب لديه المعرفة الموضوعية والمثالية للعالم الذي ينشغل به، ويطرح عليه “مشكلة التحيزات” التي أثارها الفيلسوف الألماني غدامير (Hans-Georg Gadamer ).

ووفق هذا الفيلسوف، فإن المشكلة تكون على النحو التالي أولاً، اتضح أن كل فهم هو في الأساس ناجم عن تحيز، هو رأي مسبق قد يصمد أو لا يصمد أمام اختبار الحقائق الفيلسوف، الذي توصل إلى هذه الخلاصة بعد تفكيرٍ في فهم علوم العقل عن طريق قراءة تأويلية لفينومينولوجيا هوسر  ولنظرية التاريخ، يرى أن التنوير أخطأ حين قلل بشكل نسقي من شأن التحيز، ذلك أن بعض التحيزات مشروعة.

ثانيًا، أي فاعل أو مراقب متورط في وضعية ما، أي في مكان يشغله ويحد من إمكانيات رؤيته، لهذا السبب يرتبط مفهوم “الأفق”، بمفهوم “الوضعية”، يبدو مهمًا جدًا لـغدامير، الأفق هو “حقل الرؤية الذي يشمل ويشتمل على كل ما يمكن رؤيته من نقطة معينة.

في الجزائر كما في المغرب نحتاج في وضعنا الراهن إلى “وضعية” تسمح لنا برؤية “أفق” لا يكون عائقا للأفق الأممي بمقاصده الكبرى المنصوص عليها في القوانين والأعراف، بين الوضعية المدروسة والأفق المنشود يمتد طريق من الاحتمالات الجيوسياسية التي يجب أن يضعها “المثقف” في الحسبان، في غياب هذه الشروط ستتعمق معاناة الشعبين وستتضاعف الخسارات في البلدين وليس بينهما فقط.

https://anbaaexpress.ma/ww9d3

سعيد هادف

شاعر جزائري وباحث في الشأن المغاربي.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى