الجزائر منذ تكوينها، هي دولة بلا طعم و لا لون و لا رائحة، نظام فريد من نوعه، لن تجد في نظريات الدولة سواء في الفكر الماركسي او الليبرالي تفسير لنمط عمل نظامها، الجزائر دولة لم يستطع أي من رؤساءها إكمال مدة حكمهم لأسباب منها الموت و الإقالة و الانقلاب في اكثر الحالات ،الجزائر دولة منذ نشأتها، بناؤها النظري لا يمتحي لا من الفكر الاشتراكي و لا الليبرالي و لا أية نظرية أخرى فرعية.
الجزائر دولة في وسطها دول عبارة عن أجنحة متصارعة في صراع دائم حول الهيمنة على أجهزة الدولة و مواردها و ليس خدمة مواطنيها، اذا عددنا ما تتسم به دولة الجزائر فلن يتسع المقام هنا، لكن شيء واحد يوحدها و يوجه سياستها بل إنها وضعت شرف ديبلوماسيتها فيه هو معاداة المغرب من خلال وحدته الترابية.
كما قلنا في المقالات السابقة فالمغرب له دور كبير و محوري في استقلال الجزائر، يليه الدور التونسي، ثم المصري، فلماذا هذا العداء المضمر و المعلن تجاه المغرب وحده دون غيره.
سأبدأ بالنتيجة على أساس العودة إلى تفصيل الأسباب النتيجة و الجواب هو ضمان استمرارية النظام، أي أن النظام الجزائري لا يرى ضمان استمراريته الا من خلال معاداة جاره المغرب، هو يستغل هذا المعطى بشكل إستفزازي و عدائي مبالغ فيه كلما إشتد عليه الخناق داخليا من طرف الحركات الاحتجاجية أو ما تعمله المعارضة في مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه العلاقة الجدلية بين العداء للمغرب و الفشل الداخلي تكاد لا تنتهي منذ سنوات، فكيف بدا الأمر قبلا و ما هو الحال عليه آنيا؟
كما قلت سابقا هناك مفاهيم أساسية ملتصقة بجارتنا الشرقية هي صلب و منارة توجهها السياسي، و هي كلها مفاهيم و ركائز تبدو للآخر سلبية لكنها بالنسبة لهم عادية، منها المكر و الخداع و الكذب و السرقة و الغدر و الانقلاب و الفردانية و غيرها، فمن كان زارعها و منبتها ؟ بكل بساطة هو الأب الروحي للدولة الجزائرية الذي هو الهواري بومدين.
الجزائريون ما زالوا إلى يومنا هذا يعتبرون بومدين الأب الروحي السياسي لتجربتهم في التدبير و التسيير للدولة الممتد في ستين عاما و جانب كبير من معارضي النظام حاليا مازالوا يلتجؤون الى مقارنة الاني بالسابق تأسيا و تذكيرا و تفاخرا بعهد بومدين.
و اذا بحثنا في ما يطبع شخصية بومدين و ما طبع به هو فترة حكمه للجزائر، نستطيع أن نستنتج بسهولة أنه هو الشعب و الدولة، الجزائريين يعانون فعلا من أمية سياسية مرضية يصعب عليهما تجاوزها و قد شرحت سابقا مفهوم الأمية السياسية.
إن فترة حكم بومدين شهدت فعلا طفرة تنموية في المجال الاقتصادي كثيرا و الثقافي إلى حد ما فيما بقي الجانب السياسي جامدا بل طبعه مغالاة في الانفراد بالحكم و القمع و التصفية الجسدية للمعارضين، هذه الطفرة الاقتصادية و التي فقدت البلاد مقوماتها الآن كانت نتيجة التدافع بين الشرق و الغرب أو ما يسمى بالحرب الباردة، حيث ركز الاتحاد السوفيتي على الجزائر لوقف المد الغربي، و ساعدت بومدين إقتصاديا من خلال صناعات ميكانيكية و غيرها، فانتقلت الجزائر من سيطرة فرنسا إلى سيطرة الاتحاد السوفيتي، و المعسكر الشرقي الشيء الذي لم يتح للجزائريين الفرصة للتكوين السياسي و الاستقلال الاقتصادي و هم يعانون من ذلك لحد الان، حينما نرى رئيسهم يتنقل بين إسبانيا و ايطاليا و تركيا و الصين بحثا عن ذلك السند الذي ألقوه و الذي كان سببا في التيه الذي تعاني منه مختلف الطبقات السياسية و الفكرية الجزائرية لحدود الساعة.
بومدين عند تسلمه للحكم بالانقلاب على بن بلة جعل الركيزة الأساسية لمفاصل الدولة الجزائرية هي معاداة المغرب، فقد كان يسهر بشكل دوري و شخصي على لقاءات مع الطلبة و المجتمع الجزائري ملقيا خطابات كلها تحريف للتاريخ و خصوصا تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية، و تحريف للوضع القائم في دواليب دولته، كان يحرص على تكوين سياسي للجزائريين يضع فيه المغرب بوصفه الخطر الوحيد الذي يتهدد دولتهم الفتية و كان يردد عليهم مقولة بن بلة: المراركة احتقرونا، و ينطلق منها ليبرهن لهم النوايا التوسعية للمغرب و خطره على وجودهم و من خلال ذلك دعم البوليساريو، لالهاء المغرب و إضعافه ووقف توجهاته في إستكمال وحدته الترابية كما تنص على ذلك الاتفاقيات المبرمة قبل و بعد استقلال الجزائر.
بومدين بنى فترة حكمه و هذا ما سنتطرق لبعض أوجه و امثلته في مقالات لاحقا على تحييد و قمع و متابعة و تصفية خصومه الذين لم يكونوا سوى المجاهدين الحقيقيين الذين فجروا ثورة إستقلال الجزائر، لقد دمر ركائز الثورة الجزائرية و التي أصل لها مصالي الحاج و فرحات عباس، و إستبدل أجهزة الحكم المرتبطة بها و التي هي مدنية إلى نمط حكم و أجهزة عسكرية وزع من خلالها مفاصل الحكم على جنود الحدود و ضباط العسكر الذين كونتهم فرنسا و عملوا في الجيش الفرنسي و الذين يسمون ب les Dafs أسماء إستولت على مقاليد الحكم بعد وفاة بومدين مثل العربي بلخير و تواتي و توفيق و اخطرهم خالد نزار هذان الاخيران هما اللذان يحكمان الجزائر اليوم و يوجهان سياستها من وراء حجاب و في تصارع بينهما احيانا و مع لوبيات عسكرية أخرى، لكنهم ينفقون و يجتمعون كما قلنا على مبدأ واحد هو معاداة المغرب و اضعافه، إلى حد ان أي منصب الآن في الجزائر من رئيس الدولة إلى أدنى منصب يجب ان تتوفر فيه مسألتان في سيرته الذاتية هما: سب و معاداة المغرب و الدفاع و نيل رضا البوليساريو، بالإضافة الى ضرورة أن يكون ماضيه مليء بالفساد لتسهيل التحكم فيه و توجهيه و ضمان عدم تمرده.
لقد وضع بومدين إذن أسس حكم الجزائر العسكري التي مازالت مستمرة، هذه الأسس التي جعلت نظام الحكم هذا فريد من نوعه الى حد تشبيهه بكائن مسخ قد يسرع في زوال تجربة الدولة الجزائرية التي لم تتجاوز في عمرها الستين عاما ما لم تكن هناك معجزة تنقد ما يمكن إنقاده
لأن مظاهر التحكم في الدولة تحولت إلى عصابات مخابراتية تتنافس في ما بينها في نهب الثروات متناسية مصالح الشعب الجزائري الذي يسير بخطى سريعة نحو الفقر و الاستبعاد الاجتماعي و التقاتل الهوياتي و فقدان التلاحم الاجتماعي و غيرها من الأمراض التي وجد النظام نفسه عاجزا عن إيجاد الحلول لها، مما جعله يزيد في منسوب عداءه للمغرب كعدو خارجي قد يضمن له إطالة و لو قصيرة في إستمراريته .
يتبع