آراءأفريقيا

العلاقات المغربية الجزائرية : محاولة فهم

 طفت على السطح مؤخرا أزمات في العلاقات بين المغرب والجزائر اتخدت اشكالا عدة و في مواقع متفرقة، و لفهم طبيعة هذه العلاقة لا بد من الرجوع  الى احداث تاريخية تشاركا فيها الشعبان و لا يمكن تجاوزها او محوها بسهولة كما يفعل النظام الجزائري حاليا

هذه العلاقة بين الشعبين و الدولتين لها بدايات تمتد منذ خمسينيات القرن الماضي  على أن البدايات الأولى للدعم المغربي للجزائر بدأت قبل ذلك بكثير في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين . بل ان المغرب فقد استقلاله بانهزامه  في معركة ايسلي بسبب هذا الدعم . و شهدت هذه العلاقات مدا قليلا و جزرا كثيرا نظرا ﻷسباب متعددة تعود في مجملها الى طبيعة النظام القائم بالجارة الشرقية منذ استقلالها الى اليوم .

فاذا رجعنا الى بدايات الخمسينات و مع ظهور حركات التحرر بشكل قوي في شمال افريقيا . تأسست عدة تنسيقيات في هذا المجال بين المقاومين المغاربين خصوصا بين المغاربة و الجزائرييين و التونسيين

الجزائريون و بعد إستعمار بل هو استيطان فرنسي دام اكثر من قرن من الزمن إستطاع  القادة في الحركات التحررية الجزائرية الاستفادة من هذا المناخ أي مناخ مقاومة الاستعمار الذي بدأ باكرا بالمغرب .

قادة الحركة الجزائرية إتصلوا سواء بالقصر الملكي او باعضاء جيش التحرير لتمكين المقاومة الجزاءرية من الدعم اللازم لبداية الحرب ضد فرنسا و المطالبة باستقلال بلادهم استقلالا تاما . فما كان من الدولة المغربية سوى تلبية طلبهم و هنا نذكر بالخطاب الشهير لمحمد الخامس بوجدة سنة 1956 و الذي دعا من خلاله إلى تمتيع الحارة الجزاءر بكامل استقلالها، و دعا إلى  دعم المقاومة الجزائرية فكان رد فرنسا بعد ذلك هو خطف طائرة اعضاء جيش التحرير الجزائري الامر الذي جعل محمد الخامس يعتبر ذلك مسا بشرفه و امرا اكثر خطورة من نفيه حيث دعا الى اطلاق سراحهم و لو أدى الامر الى مبادلة ولي عهده بهم . هذا الدعم اللامشروط و اللامحدود من محمد الخامس جعل الثوار الجزائرييين يتغدون احدى اهم العمليات البطولية ضد المستعمر الفرنسي مباشرة بعد علمهم بأمر نفي ملك المغرب، انها علاقة اكثر من أخوية و هو الامر الذي دفع بالمغرب الى رفض طلب السلطات الفرنسية بتسوية قضية الصحراء الشرقية و الحدود إلى حين حصول الجزائر على استقلالها حتى يتم فهم ان المغرب يفاوض من وراءهم و أن البلدين الجارين قادرين على حل هذه المسألة وفق الوحدة المغاربية المنشودة .

بدأت المقاومة الجزائرية بعناصر معدودة اتخذت قاعدتها الخلفية في المغرب و تونس، الخلية المتواجدة في المغرب استفاذت كثيرا من دعم السلطان محمد الخامس كما اشرنا  قبل و بعد نيل المغرب لاستقلاله . و قد روى احد المقاومين الجزاءريين في مذكراته انهم طلبوا من السلطات المغربية تمكينهم من لقاء محمد الخامس، و فعلا تم ذلك . و لم يجعلهم السلطان ينتظرون كثيرا . قبل ذلك اتفقوا على طلب 200 بندقية  من السلطان، لكن و خلال اجتماعهم معه و تقديم طلبهم هذا امر ااسلطان احد جينيرالات الجيش المغربي بمرافقتهم الى مخزن السلاح و طلبهم باخذ ما يرونه كافيا لدعم مقاومتهم .

كما أن جيش. التحرير ساعد كثيرا المقاومة الجزاءرية الى حد ان احد أفراده بالناظور و اسمه محمد الحيموتي منحهم احد منازله ليتخدونها مركزا قياديا لعملياتهم و نشاطهم و سمى ابنه البكر، بوضياف تيمنا بعضو المقاومة محمد بوضياف  . كما خصص مركبي صيد في ملكيته لجلب و وتهريب السلاح للمقاومة الجزاءرية . اضافة إلى ان عبد الرحمان اليوسفي هو أول من اوصل سفينة مملوءة بالسلاح دعما لهم و بتمويل من المال الخاص لمحمد الخامس و كان مدافعا شرسا كمحامي للمعتقلين منهم في المحاكم الفرنسية .

كان اعضاء  المقاومة الجزاءرية آنذاك يعيشون في المغرب او ما يعرف يخلية وجدة  و كان ابرزهم محمد بوضياف و بن مهيدي و بوصوف مؤسس المخابرات الجزائرية بالمغرب و زرهوني و. بلقاسم  و حسين أيت احمد و بوتفليقة و غيرهم، هؤلاء مكنهم المغرب من السلاح و التكوين في. معسكرات بوجدة و الناظور و جرادة و فكيك و غيرها .

و المغرب هو من وضع مطلب استقلال الجزائر في الامم المتحدة و دافع عن ذلك المغفور لهما  محمد الخامس و الحسن الثاني في خطابات في الامم المتحدة و مراسلات لامانتها العامة و حشد الدعم الدولي باستغلال علاقات المغرب الخارجية من اجل نصرة استقلال الجزائر.

تاريخ مليء بالتنسيق و وضوح الرؤية و الاتحاد بين الشعبين و البلدين سنعود لاحقا للتذكير ببعض تفاصيله في ارتباطها، بالاحداث الحالية .

فماذا  حدث بعد ذلك ؟ و كيف وصلت الامور الى ما هي عليه اليوم ؟ تكاد نحزم ان التغيير الذي حدث في العلاقات بين المغرب والجزائر بعد استقلالها يشبه كثيرا علاقة الدولة الجزائرية  المستقلة حديثا بشعبها كيف ذلك ؟

مباشرة بعد تنظيم فرنسا لاستقلال الجزائر و الذي بالمناسبة لم يشارك فيه سكان تيندوف و. الصحراء الشرقية نظرا لارتباطهم التاريخي بالمغرب، حصلت الجزائر على استقلالها تبعا لنتاءج هذا الاستفتاء، و كان اعضاء جيش التحرير الوطني الجزائري عازمين على بناء دولة مدنية ديمقراطية متشبعة بضرورة الوحدة المغاربية و نسج علاقات جيدة مع المغرب و تونس عرفانا منهم بالدور الذي لعبه البلدان في دعم ثورتهم التحررية .

 تشكلت الحكومة الجزائرية الأولى و دعت الجزائريين في الخارج الى الالتحاق بوطنهم لحاجتها للاطر اللازمة في شتى الميادين من اجل وضع اللبنات الصحيحة للدولة، و قد ساعدها المغرب في ذلك من خلال مدهم باشكال من السلاح و سيارات دولة استعملها اعضاء الحكومة في بداية مشوارهم .

كل ما خطط لها المقاومون الجزائريون من نظرتهم لطبيعة الحكم و العلاقات الخارجية خصوصا مع الجيران، جاء الانقلاب ليبدأ بذلك تاريخ للجزائر أوصلها و أوصل معها العلاقات مع جيرانها الى ما وصلت اليه اليوم .

لعبت فرنسا دورا كبيرا في الثورة المضادة إذ عملت على تسجيع الحاق عناصر كثيرة  ممن كانوا يعملون في جيشها بالجيش الجزاءري الثاني و الذي كان يسمى جيش الحدود، هذا الاخير تحرك و استطاع الاستيلاء على الحكم و منهم عملاء لفرنسا لا يزالون في الحكم في الجزائر الى حد الان كخالد نزار و أب الجنيرال توفيق الحاكم الفعلي للجزائر حاليا و غيرهم ، كان اول ما قاموا به هو ابعاد و مضايقة و تصفية و سجن المناضلين و المجاهدين الحقيقيين.

كان ذلك هو الفعل الحاسم الذي جعل طريق سير الجزائر يتغير بشكل كبير نحو الاسوأ و هو مانتج عنه نمط حكم عسكري لا شرعية تاريخية له  أثر سلبا على تنمية البلاد و ديمقراطتها و هدم علاقات الجوار مع المغرب بل جعل من هذا الأخير عن طريق معاداته و نكران جميله احد الأسس الصلبة لبقاءه في الحكم .

( يتبع )

https://anbaaexpress.ma/35eKw

علي بن الطالب

مناضل نقابي و جمعوي سابق و مهتم بالشان الثقافي و السياسي و العلاقات المغربية الجزائرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى