في قراءة للوضع الراهن الذي يعيشه المحتجزين في مخيمات تيندوف بالتراب الجزائري و في ظل تصاعد الاختقانات التي تتغدى على المكون القبلي هناك ، تحدث الناشط السياسي و رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان بمدينة العيون السيد محمد سالم عبد الفتاح عن تفاصيل ما جرى ويجري داخل المخيمات.
وفي هذا الصدد وصف المتحدث أن تطور الإصطدامات التي تعيش على وقعها المخيمات،على أنه” اقتتال داخلي ما بين مجموعات عصابات تهريب مسلحة ذات طابع قبلي، التي اصطمدمت فيما بينها، قبل أن تدخل ميليشيا البوليساريو على الخط، لتزيد الطين بلة وتنخرط في الأعمال القتالية التي نشبت فيما بين مجموعات أهلية.
لكن المثير للإنتباه هو سلوكات قوة البوليساريو التي عملت على اقتحام بيوت المدنيين العزل واستعمال أساليب قتالية همجية بعيدة كل البعد عن الأجهزة الأمنية الرسمية، حيث استهدفت أسر المطلوبين بالر شق بالحجارة وبإطلاق الأعيرة النارية وبالترويع والإرهاب، قبل أن تقتحم الخيم والبيوت الطينية في دوائر المخيم محل الإصطدامات مخلفة إصابات عديدة ومتفاوتة الخطورة في صفوف العناصر المنتمية للمجموعات المحتجة وبين أفراد أسرهم أيضا.
وعن طريقة التعامل مع ما يجري هناك من طرف الجهات الوصية على البوليساريو “السلطات الجزائرية” أضاف محمد سالم عبد الفتاح أنه بالنظر إلى الأساليب الغير حضارية التي تعتمدها قوات البوليساريو في التعامل مع ساكنة مخيمات تيندوف، فينبغي التأكيد على مسؤوليات الدولة المستضيفة لهؤلاء اللاجئين إزاء ضمان تمتعهم بكافة الحقوق المتعارف عليها بالنسبة للاجئين، والمضمنة في عديد العهود والإتفاقيات الموقعة من طرف الجزائر نفسها، وفي مقدمتها ضمان أمنهم.
الجزائر مطالبة اليوم بالإشراف المباشر على المخيمات لأجل حماية اللاجئين ولأجل تمتيعهم بكافة حقوقهم وإنهاء كافة مظاهر التضييق والقمع المسلطة عليهم، والتي باتت موضوعا لعديد التقارير الصادرة عن الهيئات الحقوقية الوازنة، كالتضييق على حرية التنقل، والحرمان من الحق في الشغل والتملك فضلا عن ضعف الخدمات العمومية كالصحة والتعليم، إلى جانب ما أثاره تقرير صادر عن البرلمان الأوروبي حول النهب الممنهج للمساعدات الإنسانية، التي اغتنى منها عديد القيادات في البوليساريو، بتواطئ مع مسؤولين جزائريين.
فبطبيعة الحال لا يمكن أن يستمر تنصل الدولة الجزائرية من المسؤوليات المترتبة عليها إزاء ساكنة مخيمات تيندوف، وتنازلها عن ولايتها القضائية في مناطق داخل ترابها الإقليمي، بمبرر تفويضها لتلك المسؤوليات لجبهة البوليساريو، في ظل الانتهاكات الخطيرة التي تعكف عليها الأخيرة في حق الصحراويين أنفسهم على مرآى ومسمع من السلطات الجزائرية.
وبخصوص الوضع الأمني الخطير داخل المخيمات يرى ،رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان أن هذه الاصطدامات قد كشفت عن ارتباط عديد العناصر القيادية في البوليساريو بشبكات التهريب وتجارة المخدرات، حيث يعمل العديد من القيادات على حماية ورعاية مجموعات المهربين الذين يجمعهم بها العامل القبلي بتواطئ أيضا من مسؤولين جزائريين، وهو ما يفسر الفوضى المنقطعة النظير والنشاط المفضوح لهذه العصابات في المخيمات على مرآى ومسمع من أجهزة البوليساريو والجزائر على حد سواء.
لكن الأخطر هو توظيف العناصر القيادية في البوليساريو للعصبيات القبلية لأجل تأطير مجموعات التهريب لصالحها، في تناقض تام مع كافة الشعارات التي كانت ترفعها الجبهة من تقديمة وحداثة ومفاهيم مرتبطة ب”الدولة”، فإذا بها تستحيل مجرد عصابات قبلية تتطاحن فيما بينها. فالإشكال أن المنطق القبلي الذي تعكف عليه البوليساريو يتنافى مع منطق الدولة التي تدعي البوليساريو السعي لإقامتها في “إقليم الصحراء”، فالتأطير القبلي الذي راهنت البوليساريو عليه جعلها تستقطب مناضلين من خارج الإقليم من منطقة تيندوف بجنوب غرب الجزائر، ومن موريتانيا ومن بقية أقاليم المغرب الأخرى وحتى من أزواد في شمال مالي، في تناقض مع “المواطنة الصحراوية” المفترضة في خطاب البوليساريو، وحتى مع شرط “الإقليم” المفترض في دعايتها السياسية.
ألا ترون إذن أن العصبية القبلية هي ما يحكم البوليساريو؟
والرجوع إلى مربط الفرس، و طغيان المكون القبلي فى أمور تدبير شؤون البوليساريو يؤكد السيد محمد سالم ذلك بالقول ” بالتأكيد، فمنذ فشل رهانها السياسي وانكشاف طبيعتها الاستبدادية واختراقها من طرف الجزائر، لم تعد البوليساريو تجد من وسيلة للتأطير غير المعطى القبلي، من خلال إعمال المحاصصة القبلية، وتوظيف عصبيات قبلية تتقاطع مع المكون الإجتماعي الذي يشكل غالبية ساكنة المخيمات، في حين تستهدف مكونات أخرى بسياسات عنصرية اقصائية واستئصالية خطيرة. رغم تعارض شعاراتها وخطابها السياسي مع تلك الممارسات حيث تدعي تبنيها لفكر حداثي تقدمي”
فقد سبق للبوليساريو مثلا أن عممت بيانات رسمية حول تفكيك مزعوم لشبكات ملفقة “جوسسة” أطلقت عليها تسميات قبلية ومناطقية، ووظفتها لإطلاق العنان لحملات اعتقالات وتصفيات واسعة في حق مجموعة من المكونات التي باتت تشكل غالبية ضحايا سياساتها القمعية، فيكفي مراجعة لوائح ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف البوليساريو للوقوف على الطبيعة العنصرية والإستئصالية لتلك الانتهاكات، فهكذا سلوكات همجية صادرة البوليساريو، تحيل على طبيتها الهمجية كونها مجرد عصابات بعيدة كل البعد عن منطق الدولة.
وفي إثارة الموضوع الذي سال الكثير من المهام والمتعلق بمآلات المساعدات الإنسانية التي تباع في السوق السوداء في الساحل والصحراء، والتلاعبات التي تشوف عملية توزيعها علق الناشط السياسي السيد محمد سالم عبد الفتاح قائلا : بالفعل، ففي ظل غياب أي نشاط اقتصادي في مخيمات تيندوف، وفي ظل تنكر الدولة الجزائرية لمسؤولياتها إزاء الوضع الإنساني في الميخمات، تظل المتاجرة بالمساعدات الإنسانية من أهم مصادر التمويل التي تعتمد عليها البوليساريو، حيث تتقاطع فيها مصالح القيادة التي توظفها لأجل الإغتناء ومراكمة الثروة مع مجموعات التهريب، فمع تأزم الوضع الداخلي في المخيمات نتيجة فوضى التدبير وحالة الإحتقان الاجتماعي بسبب غياب أفق الحل، بات الشباب يلجؤون لنشاطات غير قانونية من قبيل التهريب وتجارة الممنوعات، في حين يرمي اليأس ببعضهم للالتحاق بالجماعات المتطرفة، وهو ما أثاره الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيرس في تقريره الأخير حول الصحراء في أكتوبر الماضي، حيث أشار إلى تصاعد المخاطر الأمنية في مناطق شرق الجدار، مؤكدا على اختراق الجماعات المسلحة وعصابات التهريب للمناطق التي تنشط فيها البوليساريو.
فالخطير في هذا الموضوع ليس المتاجرة بالمساعدات الإنسانية ووصولها لأسواق تيندوف ومالي وموريتانيا فقط، ولكن مساهمة قيادة البولساريو في إمداد الجماعات المسلحة في الساحل والصحراء بالمواد الغذائية المهربة وحتى بالسلاح الذي مصدره مخازن الجبهة، في تناقض مع الجهود الدولية التي تبذلها بلدان المنطقة جميعا وحتى المجتمع الدولي لمكافحة ظاهرة الإرهاب وتجفيف منابعها، وفي تكريس لدور البوليساريو كعامل مهدد للأمن والإستقرار في المنطقة.
“مقتطف من الحوار الذي أجراه الصحفي الحسين اولودي مع رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان بمدينة العيون”