تستقر ولقرون عديدة في قصر الاوسكوريال بمدريد مكتبة مغربية عظيمة تسمى بالمكتبة الزيدانية نسبة إلى السلطان المغربي السعدي المولى زيدان ، مكتبة هي بمثابة التاج الذي يزين ذخائر مكتبة قصر الأوسكريال ، القصر الي بناه الملك فيليب الثاني سنة 1557 تخليدا لانتصار كبير على فرنسا ، منشأة ستضم في جنباتها إضافة إلى القصر ، الكنيسة والدير والمكتبة .
فما قصة هذه المكتبة؟ وما الذي شكلته في علاقة المغرب واسبانيا طوال الأربعة قرون ؟
هي أسئلة سنجيب عنها في مقالنا هذا عبر سرد حكاية هده المكتبة من يوم سرقتها قبل أربعة قرون إلى اليوم .
المكتبة الزيدانية إرث السلطان احمد المنصور الذهبي
إذا كنا نفتقر للمعلومات الدقيقة المتعلقة بخزنات الكتب الملكية عند المرابطين والموحدين والمرينيين ، فإننا على النقيض من ذلك نتوفر على كثير من المعلومات المتعلقة بأصول الخزانات الملكية وتأسيسها على عهد الدولة السعدية ,
فقد ازدهرت الخزانة الملكية لهاته الدولة على عهد احمد المنصور الذهبي ، هذا الأخير الذي كان محبا للعلوم جامعا للكتب بكل أنواعها ، مما لم يجمع أحد من الملوك قبله . ويحدثنا الإفراني على المنصور أنه كان له عناية تامة باقتناء الكتب والتنافس في جمعها من كل جهة ، فاجتمع في خزانته من غريب الدفاتر ما لم يكن لمن قبله ولا تتهيأ لمن بعده .
فالمنصور وسعيا إلى تزويد خزانته بالكتب كان يرسل إلى كل الأقطار الإسلامية تجارا أمناء ، وكان يسلمهم مبالغ مالية هامة مكلفا إياهم بشراء الكتب ، فنحن نقرأ في إحدى الرسائل السعدية التي حققها العالم عبد الله كنون أن موظفي القصر السعدي كانوا يذهبون دائما إلى الشرق الأوسط ، وكانوا يعودون بالمؤلفات بعد ان يفرغوا الاكياس المليئة بالدهب التي كانت تحملها قوافلهم .
وقد بلغ عدد كتب الخزانة السعدية حوالي 32 ألف كتاب من مختلف التخصصات العلمية ، حيث أشار الفشتالي مؤرخ الدولة إلى أن المكتبة اشتملت على عدد مهم من تصانيف اهل العصر من كل فن حتى في الطب والهندسة ، وفي كل المجالات وبلغات متعددة منها التركية التي كانت يتحدث بها السلطان نفسه والفارسية واللاثينية .
وعلى الرغم مما عرفه المغرب من فثن وحروب داخلية بين أبناء المنصور حين وفاته ، فقد حافظ أبناء المنصور وعلى راسهم السلطان المولى زيدان على مكتبة أبيه ، وهي المكتبة التي ستعرف باسمه لاحقا تحت مسمى المكتبة الزيدانية ، وذلك بالنظر إلى أن هذا السلطان كان شغوفا بالعلم محبا للعلماء وذلك على غرار أبيه.
قصة استيلاء النصارى على المكتبة
تعود قصة الاستلاء على الخزانة إلى زمن السلطان زيدان نفسه ، حيث انه في عام 1612 وبعد قيام ثورة احد الخارجيين على السلطان ، اضطر هذا الأخير أن يرحل من مقره بمراكش في اتجاه مدينة أكادير عن طريق ميناء أسفي حاملا معه أمتعته وخزانة كتبه.
لكن بعد وصول السفينتين إلى ميناء أكادير، رفض قبطان السفينة الفرنسية التي تحمل خزانة كتب زيدان إفراغ مركبه قبل أداء ثمن الرحلة المتفق حوله ، وبعد قضاء ستة أيام في انتظار الأداء ، فر القبطان من ميناء أكادير في 22 يونيو 1612 في اتجاه مارسيليا حاملا معه المكتبة وباقي امتعة الملك بقصد تسليمها لحاكمها ، واثناء الرحلة اعترضت أربع سفن اسبانية في عرض المحيد الأطلسي السفينة الفرنسية واستولت عليها بسهولة وقادتها إلى أحد الموانئ البرتغالية وهي مدينة لشبونة ، حيث ان البرتغال كانت آنذاك تحت النفود الإسباني قبل أن تقودها إلى إسبانيا لتستقر في دير الاسكوريال بأمر من بابا الفاتيكان .
جهود ملوك المغرب لاسترداد المكتبة
إن أولى المحاولات لاسترداد المكتبة سيقودها السلطان زيدان نفسه ، فبعد استقرار ملكه سيسعى هدا السلطان لذى السلطات الفرنسية من اجل ذلك ، لكن فشل الفرنسيين في سعيهم لدى الاسبان سيدفع السلطان للتفاوض مباشرة مع الإسبان أصحاب الشأن ، حيث اقترح على البلاط الإسباني 60 ألف مثقال من الدهب مقابلة استعادة مكتبته ، وهو ما يدل على أهمية هده المكتبة ليس بالنسبة للسلطان فقط، بل بالنسبة للدولة المغربية ككيان سياسي يعتبر سقوط هذا الإرث في يد خصومه إهانة له ، لكن إصرار الاسبان على تضمين قضايا ترتبط بالثغور والحدود ، سيكون سبابا في فشل المفاوضات ، وذلك بالنظر إلى ان السلطان زيدان لم يكن يبسط سيطرته إلا على جزء من المغرب . .
وأما المحاولات التي باشرها الملوك العلويون ، فقد كانت أولاها تلك التي قام السلطان المولى إسماعيل ، وهكذا ، فقد كانت السفارة التي أرسلها هدا السلطان برئاسة الوزير عبد السلام بن أحمد جسوس سنة 1690 إلى البلاط الإسباني مناسبة من اجل استرداد ولو جزء يسير من المكتبة الزيدانية ، حيث طالب المولى إسماعيل ملك المغرب الملك كارلوس عاهل اسبانيا ، أن تسلم إسبانيا مقابل كل خمسة من الأسرى يسلمهم المغرب أن تسلم إسبانيا مقابلهم للمغرب خمسة آلاف مخطوط ، مائة لكل واحد ، وهي الجهود التي سيستمر فيها السلطان محمد التالث حفيد السلطان المولى إسماعيل ، هدا السلطان الدي سيرسل سفارة الى ملك اسبانيا سنة 1766 برئاسة السفير أحمد المهدي الغزال ، وهي السفارة التي كان من نتائجها إطلاق العديد من الأسرى من المغاربة وإرجاع الكثير من مخطوطات المكتبة الزيدانية .
وهي الجهود التي ستتوقف بعد دخول المغرب في مواجهة عسكرية مع اسبانيا كان اخطرها معركة تطوان سنة 1860 ، وهي معركة ستكون مؤشرا خطيرا على دخول المغرب مرحلة الضعف ، مرحلة ستنتهي بوقوع المغرب تحت سلطة الاحتلال الاسباني في شماله وجنوبه .
جهود سيقوم المغرب بإحيائها لإرجاع إرثه الضائع د استقلال المغرب سنة 1956، جهود ستتوج بتمكين المغرب بعد أربعين سنة ت من الاستقلال، حيث في سنة 2011 سيتمكن المغرب من الحصول على نسخ على الميكروفيلم لمكتبة تعتبر من أهم المكتبات التاريخية في العالم .