آراءأفريقياسياسة

المغرب أم الجزائر: من المسؤول عن فشل الاتحاد؟ (1)

الحديث عن الاتحاد يلزمنا بالحديث عن الرغبة، رغبة الذات الداعية إليه والعاملة على تأسيسه

في البداية دعونا نطرح هذا السؤال: ماذا تعني كلمة الاتحاد؟ ببساطة تعني اجتماع عنصرين أو أكثر في مجموعة واحدة، بشرط أن تكون هذه العناصر لها قابلية الاتصال في ما بينها والاندماج في عنصر واحد، وفي أضعف الحالات تكون متوفرة على الحد الأدنى من القابلية.

الاتحاد هو الصلة التي تنشأ بين مختلف الأشياء أو الأشخاص بطريقة تجعلهم يشكلون كلًا واحدًا. يمكن أن تكون الروابط جسدية أو عاطفية أو ناتجة عن اهتمامات مشتركة. والاتحاد هو أيضًا انضمام شيئين أو أكثر، تفصل بينهما طبيعتهما المختلفة.

والاتحاد بالمعنى المجازي هو اتفاق طوعي، تطابق، وتوافق في الجهود والوسائل التي من شأنها تحقيق نفس الهدف.
في السياسة أو الاقتصاد، الاتحاد عبارة عن تكتل من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الذين ينضمون معًا لتحقيق نفس الهدف (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي، الاتحاد المغاربي، مجموعة العشرين، مجلس التعاون الخليجي، الناتو….).

و”الاتحاد” كلمة لها وقع سحري، تمجدها كل الثقافات والأيديولوجيات، حتى أن عبارة: يا عمال العالم اتحدوا، خرجت من بطن كتاب واخترقت الجغرافيات وخلقت حراكا ديناميا في الوسط العمالي. “يا عمال العالم اتحدوا” أحد أهم الشعارات السياسية للشيوعية وهو مأخوذ من البيان الشيوعي الذي كتبه كارل ماركس وفريدريك أنغلز عام 1848.

” الاتحاد”، هذه الكلمة المحظوظة والمثيرة للشفقة في آن، محظوظة لأنها من المفردات الأكثر شيوعا وتداولا على المستوى النظري في الوسطين السياسي و الإعلامي فوجدت شروط تحققها لدى العارفين بقيمتها البراغماتية وخلفيتها الفلسفية وميكانزماتها السياسية؛ ومثيرة للشفقة لأنها ظلت، لدى البعض، تكابد وضعية جهنمية لا تموت فيها ولا تحيى.

الاتحاد لغة يعني الاقتران والاتفاق وكل ما يتفرع عنهما من مدلولات كالتواصل والانسجام أو التعاون والتضامن. في النقيض نجد الفرقة والانفصال، التشتت والتشرذم,… ولأن الاتحاد ضرورة تمليها المصلحة المشتركة بين أطراف معينة، فإنه و الحالة هذه يجد إزاءه عوائق ذاتية كما يجد جهات تعمل على تعطيله لأن وجودها يقوم أساسا على عدمه ومصلحتها تقوم على فشله.

والحديث عن الاتحاد يلزمنا بالحديث عن الرغبة، رغبة الذات الداعية إليه والعاملة على تأسيسه وبالموازاة يستدرجنا الموضوع أيضا إلى الحديث عن (السيطرة) هذا النزوع الذي يماثل نزعة التوحد أو الاتحاد شكلا ويختلف عنها مبدأ ومضمونا.

وفي جميع الأحوال، فإن “الاتحاد” في العلاقات البشرية، ولاسيما في المجال السياسي والجيوسياسي حين يتحد طرفان أو أكثر، فإنما يتحدون ضد طرف آخر، أو ضد خطر، أو من أجل مكاسب ومصالح…

إنه علم وفن بناء العلاقات، بل يمكن القول أن “الاتحاد” هو أرقى ما تخلقه الثقافات الخلاقة في مجال تدبير العلاقات السياسية. والعلاقات هي موضوع مهم ورائج في الرياضيات، وتشكل اداة مهمة في دراسة المجموعات وعناصرها.

في الرياضيات هناك نظرية المجموعات (Théorie des ensembles)، وهي فرع من علم المنطق الرياضي. تهتم النظرية بدراسة المجموعات والتي هي تجميع لكائنات رياضية مجردة والعمليات المطبقة عليها، وتشكل إحدى أهم ركائز الرياضيات الحديثة.

والاتحاد مصطلح ذو صلة بالنظرية ويرمز له بالحرف (U). وعملية اتحاد مجموعتين A وB تنتج مجموعة جديدة تحتوي العناصر التي تنتمي لكلا المجموعتين A أو B. في المجال السياسي إذا اتحدت مجموعتان أو أكثر (دولتان أو عدد من الدول) فإن عناصر الانجذاب في هذه المجموعات تكون أقوى من عناصر التنافر.

ترى هل كانت فكرة الاتحاد المغاربي تتوفر على شروط تحققها؟ وهل كانت النخب المغاربية على دراية وعلى وعي بالشرط المؤسس للاتحاد؟ وهل كانت تميز بين مفهوم “الوحدة المغاربية” المتمثلة في وحدة العرق والثقافة ولغة التواصل والجغرافيا، وبين مفهوم “الاتحاد” بوصفه إبداعا سياسيا وفلسفيا يشترط جملة من الجهود النظرية في علم بناء الكيانات السياسية وفق معايير عصرنا الحديث؟

ثم لماذا يتم اتهام الجزائر والمغرب بإفشال الاتحاد المغاربي؟ من المسؤول عن هذا الإخفاق؟
هذا ما سنحاول معرفته معا في المقال القادم.

https://anbaaexpress.ma/oh1s3

سعيد هادف

شاعر جزائري وباحث في الشأن المغاربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى