آراءسياسة

العلاقات المغربية الجزائرية: ثقل كبير

في المقال السابق تكلمنا عن الانعطافة التي ميزت تاريخ الجزائر و ذلك بسيطرة جيش الحدود على مقاليد الحكم .

كانت الثورة الجزائرية المدعومة من المغرب و تونس و ليبيا و مصر تتكون قيادتها من عناصر تختلف في الميولات الايديولوجية و المناطقية حيث أن معظمهم كان ينتمي الى أسر ميسورة و من الغرب و الشرق الجزائري خصوصا و كانت هذه الاختلافات لا تطفو على السطح بما أن الهدف كان محددا و هو تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي و تكوين حكم مدني ديموقراطي يستجيب لتطلعات الشعب تحت قيادة ابطال الثورة الذين كان غالبيتهم ليس لهم ميول عسكري رغم مشاركتهم في حرب التحرير .

بعد الاستقلال و مع الشهور الأولى لحكم بن بلة بدأ الجناح العسكري بقيادة محمد بوخروبة المدعو هواري بومدين الذي كان يتحكم في ما يسمى بجيش الحدود الذي كان يشرف على إدخال السلاح للجزائر عن طريق الحدود الغربية و الشرقية يميل الى السيطرة على الحكم خصوصا مجموعة وجدة و التي كان بومدين و بوتفليقة ينتميان اليها .

و فعلا تمكنوا من الانقلاب على مبادئ الثورة الجزائرية و حولوا الحكم من حكم مدني يتم إتخاذ القرار فيه من مجلس الثورة و الدولة إلى نمط حكم عسكري يتم إتخاذ القرار فيه عن طريق مجلس عسكري .

كانت هذه إنعطافة كبرى غيرت ملامح الدولة الجزائرية إلى يومنا هذا و تسببت في معاناة كبيرة للشعب الجزائري خاصة و للشعوب المغاربية عموماوسنأتي لابراز ملامحها لاحقا .

قبل الخوض في بدايات التوترات الداخلية و الخارجية للجزائر خصوصا مع جيرانها لا بد من مقدمة نظرية سوسيو تاريخية لفهم المخيال الجمعي و نمط التفكير عند القيادة الجزائرية و بالتالي عند المجتمع الجزائري ككل

أولا يمكن القول ان الجزائريين أميون سياسيا كيف ؟ نحن لا نقصد بالامية هنا عدم الالمام أو جهل بالسياسة ، لفهم المغزى وجب قياس ذلك على ما أورده الجابري في كتابه فهم القران الكريم في باب مناقشة هل الرسول صلى الله عليه وسلم أمي أم لا ؟ فقد أبرز الجابري و إعتمادا على مراجع و الحالة ان أمية الرسول الكريم قد لا تعني جهله بالكتابة و القراءة بل تعني كونه ليس على أي دين كان منتشرا آنذاك في شبه الجزيرة العربية و أبرز ذلك ان الرسول كان يكتب و يقرأ من خلال محطات تاريخية كصلح الحديبية و كذا من خلال وصف القرآن لسكان مكة و المدينة عموما بالاميين ( هو الذي انزل في الاميين كتابا ) و الثانية هنا تعني أنهم ليسوا على اي دين أي كما ولدتهم أمهاتهم دينيا من خلال إشتقاق مفهوم الأمية من كلمة أم .

و قياسا على ذلك فالأمية السياسية للجزائريين تعني أنهم لم يكونوا على توجه إيديولوجي أو سياسي و لم يسبق لهم ممارسة السياسة و الحكم من قبل،نظرا للظروف التاريخية التي عاشوها من قبل من حكم طويل تحت الدول المتوارثة على حكم المغرب و من بعد ذلك اكثر من أربعة قرون تحت الحكم العثماني و بعدها 130 عاما من حكم الاستعمار الفرنسي الذي كان يعتبر الجزائر جزءا من فرنسا مما تسبب في إستيلاب كبير للمجتمع الجزائري .

هذه المعطيات كلها ساعدت في إفقاد الجزائر لتجربة حكم الدولة الوطنية لقرون و قرون . مما شكل وعيا جمعيا بالاعتماد على الغير و غياب التجربة و السقوط في التخبط إلى وقتنا الحالي .

هذه الظروف التاريخية التي وجدت للجزائر  نفسها فيها تصادفت بعد الاستقلال مع بروز و إمتداد كبير للايديولوجيات المرتبطة بصراع الشرق و الغرب و مع سيطرة الجهاز العسكري على مقاليد الحكم بزعامة بومدين توجهت الطغمة العسكرية التي إنقلبت على الحكم المدني لبن بلة إلى المعسكر الشرقي بمساعدة و تدخل مباشر من مصر حيث أن التاريخ يسجل أن بومدين كان مرتبطا كثيرا سياسيا و فكريا بعيد الناصر، كان بومدين يرى في عبد الناصر ملهمه و مثله الاعلى و كان يقلده في نمط الحكم و الخطاب و جميع تحركاته .

كانت هذه إذن بداية توجه السلطة الحاكمة في الجزائر نحو معاداة المغرب و رفض أي نقاش معه حول الصحراء الشرقية او الحدود و التي كان محمد الخامس قد رفض الخوض فيها مع فرنسا إلى حين إستقلال الجزائر إتفاقا مع زعماء الثورة الجزائرية و عدم الرغبة في طعن الثورة الجزائرية من الظهر . و كذلك الحال تم مع كل من تونس و ليبيا حيث ان الجزائر ،مازالت تسيطر الى حد الان على أراض تاريخية للدولتين تقول انها ورثتها عن الاستعمار و بذلك نفهم الان لماذا الجزائر  تعلن عداءها التام لأي استعمار أينما وجد بينما تقدس و تدافع عن مخلفات الاستعمار لأنها ببساطة مستفيدة من قضم أراضي جيرانها التي وهبتها لها فرنسا .

رجوعا لما سبق يمكن القول إن العلاقات المغربية الجزائرية منذ بداية حكم العسكر في الستينات عرفت توترا كبيرا كان سببه المباشر الانغماس لحكام الحارة الشرقية في الايديولوجية الإشتراكية المدعومة من الاتحاد السوفيتي و المعتمدة على ظهور زعماء في الوطن العربي متشبعين بالقومية العربية إرتدادا على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ،هذا الارتماء في احضان هذه الايديولوجيات و ما ذكرناه سابقا من أمية سياسية الزعماء الجزائريين الجدد أفرز توجه معادي للمغرب ضرب عرض الحائط كل الدعم الكبير الذي قدمه لهم في سبيل انجاح ثورتهم و نيل إستقلالهم و إستغلوا هذا العداء  وجعلوه أحد ركائز حكمهم الى يومنا هذا
يتبع

https://anbaaexpress.ma/quD2j

علي بن الطالب

مناضل نقابي و جمعوي سابق و مهتم بالشان الثقافي و السياسي و العلاقات المغربية الجزائرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى