الشرق الأوسطمجتمع
أخر الأخبار

من قلب العدوان.. إلى السيّد أسامة حمدان!

أخي أسامة،

أكتب لك هذه الرسالة في الوقت الضائع، فهنا في المدينة كل الأشياء والأحياء ضائعة، ورغم الضياع الذي نحن فيه أنا واتنين مليون بني آدم، لكننا جداً مشغولين ‘مش فاضيين’ ‘ورانا حرب..!’

وحتى لا أُطيل عليك أخي حمدان دَعكَ من القصف والعدوان والدَّعِك الذي يَفعَصنا ويَهرسنا في قطاع غزّة كما ‘الهريسه’ بدون سكر، فنحن هنا يا عزيزي نتحلّى بالصمود والصّبر ولا مجال للتحلّي بالسّكر خاصة بعد أن ارتفع سعره وسعر كل شيء عدا سعرنا الذي بات أرخص مما تتخيل!

ولن أزعجك بتفاصيل اختفاء اللحوم والخضار والبيض والدجاج، إطمئن، لا أريدك أن تحزن علينا خاصة إنّو ‘محدّش ضايل يقلي بيض’، مش لإنّو بيضنا في العلالي ولكن لأنّ زيت القلي هو الآخر فوق الغالي!

سيّد أسامة،

كل هذه المقدمة التي أقولها لك كلام فارغ، لا تلتفت إليها وإلى أسعار السّوق السوداء وتَحَوّل المدارس لمراكز إيواء وخروج المستشفيات والجامعات وأنابيب الغاز عن الخدمة وخروج الناس من أواعيها وكثير من تفاصيل غَزيّه قاتله وسط دورة حياة سخيفه لن أزعجك فيها، ولا تصغي للطابور الخامس، فالنّاس هُنا مازالت صامدة وتقف شامخة شموخ الطوابير، طابور على الطحين وطابور على الحطب وطابور على العجين وطابور على المساعدات والكراتين، وتلك أمور تافهه لم يعد يكثرث لها الناس بعد اغلاق المعابر وإغلاق الحياة في مدينة الزّومبي وتَحوّلها لمكب نفايات!

المهم أن النّاس كما قلت لك مازالت صامدة رغم الخيمة، ورغم رداءة الجو، ورغم القصف، صامدة رغم اختفاء التكيّات وتَغَوّل ‘بسطات العمولة’ وإختفاء السيوله والنّسبة بالميّات حتى أمسينا يا أعزك الله ‘مشاريع شحادة’ وكما لم يَقُل محمود درويش ‘كانت تُسمّى فلسطين، صارت تُسمّى كيس طحين..!’

وحتى لا أَسرَح وأَسبَح في مجاري القطاع، وفُحش الأسعار، وبؤس الخيمة، والدّمار، وانتشار الجدري والأمراض الجلدية في صفوف الأطفال، والكبد الوبائي والأمراض النفسيّه والاسهال، يؤسفني أخبرك أن مأساتنا وصلت حد البامبرز!

سيّد أسامة،

لا أعرف رقم جوالك للتواصل معك في الخارج، فلدينا صعوبة في الاتصالات، وليس لدينا كهرباء، وبالكاد نحصل على الماء، ولا طعام يشبه الطعام، نأكل يا أعزّك الله أشياء يقرف منها الكلاب، ولو تَفحَص على ‘الألتراساوند’ بطن أبو نورا لشاهدت حسبما أخبرني شجرة معكرونه، وشجرة عدس، وشجرة فول، وشجرة تونه!

وليس لدينا ثياب، هي بالكاد على طريقة الزعيم الراحل أبو عمار، قطعة نلبسها وقطعه في الغسيل، ولا تصدق أن بناتنا تغسل، فقد عادوا إلى أيام ستّي وستّك، حيث ‘الطُّشت’ ومعركة طاحنه مع العجين والخبيز، رائحتنا يا أعزك الله ليست كرائحة البشر، جُلُّها عفن، وفي أحسن الأحوال حطب، رائحة مُقَزّزة ومُقرِفَه لدرجه بات فيها القَرَف يَقرَف منّا يا عزيزي!

أطفالنا لا يذهبون للمدارس، وكُتُب المدارس تُباع في الشوارع، والشوارع لم تعد شوارع، قبل فترة قصيرة اشتريت كُتُب التربية الوطنية، ويؤسفني أخبرك أنّي اضطررت لحرقها وحرق مستقبل أطفالي حتى نتمكن من إعداد قليل من خبز وما تَيَسَّر من فاصوليا!

وبالكاد، لا بل لأكون صريح معك، بالواسطة أحصل على الدواء، وهو بالمناسبة يقوم بمفعول عكسي، حتى إسأل أبو مروان، فقد أحضرت له أثناء نزوحنا في رفح دواء للسعله فجاءَني مُسرعاً على الفرشه التي أنام عليها وكَأَّنَ ماتوراً في صدره، كِدّتُ أفرط من الضحك وكاد يفرط أبو مروان من السّعله!

أجسامنا أصبحت نحيله يا سيد أسامة، ووجوهنا اسوَدَّت حتى صارت شوارع، والحياةُ مَطبّات، ولا شيء لدينا، ولا معنا إلا الله، وقليل من انترنت، أنا هنا في قطاع غزّة المحتل، وفقط أود أن أقول لك بالبلدي ‘إحنا جبنا آخرنا’ ومازلنا نراهن على شجاعتكم حقناً لدماء غزّة وأطفال غزّة ونساء غزّة وأهل غزّة، وحباً وكرامة لغزّة، وصوناً لعرض وشرف غزّة، ووقفاً لإبادة وسحق مستقبل غزّة، ووأداً لمخطط تهجير سكان غزّة، فآباء وأُمّهات غزّة تنازلوا عن كبريائهم وحصة كبيرة من كرامتهم من أجل كرامة وحياة أبنائهم، فلا عيب ولا استحياء إن تنازلتم من أجل أبناء شعبكم!

من قلب العدوان تحياتي لكم أخي حمدان
أكرم الصوراني
غزّة-فلسطين المحتلة

https://anbaaexpress.ma/1qpf4

أكرم الصوراني

كاتب فلسطيني ساخر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى