آراءسياسة

الترامبية وسقوط أمريكا وتأثيراتها في السياسة الدولية الحالية

تعتبر الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأمريكا، مفصلية من حيث ما تمخض عنها من أحداث سياسية بالغة الأهمية من حيث الدلالة، فقد أحدثت شرخا مجتمعيا داخل مكونات المجتمع الأمريكي، و بات الانقسام السياسي واضحا، و يهدد الوحدة الوطنية و القومية للولايات المتحدة الأمريكية.

لم تستسغ جموع و مؤيدي الرئيس ترامب الهزيمة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة و كشرت عن انيابها، و أرادت أن تفرض إرادتها بالقوة، معلنة عن فساد العملية الانتخابية التي شابها التزوير و التدليس لصالح المرشح الرئاسي الديمقراطي، بتواطؤا مفضوح من قبل أجهزة الدولة و الإعلام .

كان المشهد يوم الانتخابات مريبا شيئا ما، فيما كانت النتائج الأولية تشير بكل وضوح عن تقدم الجمهوريين في بعض الولايات، و عن تنافس و تقارب بين المرشحين في ولايات أخرى، في حين جاءت آخر النتائج متقاربة و كان الصراع محتذما بين كلا المرشحين في الولايات المتأرجحة، و التي بفضلها تم تحديد الفائز في هذه الانتخابات، حيث مالت الكفة لصالح المرشح الديمقراطي.

التأخير في إعلان النتائج الأولية بشكل واضح، زيادة على ذهاب معظم وسائل الإعلام الأمريكية لتغليب كفة الديمقراطيين بشكل مسبق، جعل إرتياب الطرف الآخر يعلنها صراحة بفساد العملية الانتخابية، بل بوقوع خروقات و تزوير مفضوح إبان عملية الفرز الآلي، كما أن التصويت عن طريق البريد ،كان عليه علامات استفهام كبيرة و كانت مدخلا لتزوير إرادة الناخبين.

و قد خلف فوز المرشح الديمقراطي غضبا كبيرا، و عدم إقرار بالنتيجة من طرف المرشح الجمهوري و مناصري الرئيس ترامب عامة. لأول مرة لم يهنئ الرئيس المنتهية ولايته، الرئيس الجديد، بل لم يعترف أبدا بهزيمته و فوز منافسه الديمقراطي.و هاجم كل المؤسسات الحكومية و الإعلامية و حتى المؤسسة العسكرية لعدم حيادها و تواطؤها لصالح تزوير و إفساد العملية السياسية، و بالتالي الخروج عن روح القوانين و المبادئ الأساسية و جوهر الدستور الأمريكي الذي تأسست عليه الولايات المتحدة الأمريكية.

طغت النزعة الترامبية منذ وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم بالولايات المتحدة الأمريكية، فقد أعاد مقولة الرئيس بوش الإبن من ليس معنا فهو ضدنا، و لكن بصيغة أقوى هذه المرة، بحيث قالها صراحة، و خصوصا مع حكام المنطقة العربية، (لولا الغطاء الأمريكي، السياسي و العسكري و الاستخباراتي، لما قامت لكم قائمة ) .

المصالح الأمريكية أولوية الأولويات، و في تهديدها خراب و فوضى و عدم إستقرار في كل المنطقة  العربية و العالم بأسره، و مايجري الآن في أوكرانيا و التحرش بالصين و المناكفة في الملف النووي الإيراني، أكبر دليل على ذلك.

غزوة الكابيتول ،بداية لإرهاصات التغيير القادم في أمريكا، تغيير قد يؤدي إلى تفكك الولايات المتحدة الأمريكية و إنقسامها بسبب  الانقسام السياسي الحاد بين أكبر حزبين سياسيين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، تعاقبا على الحكم بشكل سلس و سلمي و فعال و بناء، في الولايات المتحدة الأمريكية، لأكثر من قرنين من الزمن، على ولادة هذا البلد العريق في الممارسة الديمقراطية و تداول للسلطة بشكل سلس و سلمي ، مع بعض عراقيل البناء في الطريق الصحيح و التعثرات نحو تحقيق النموذج الأمثل للعملية السياسية و ترسيخ مبادئ الديمقراطية و العدالة الاجتماعية .

غزوة الكابيتول، بداية النهاية لهذا النموذج في التمرين الديمقراطي و بداية فشل واضحة لذلك التداول على السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، بل بداية صراع على السلطة، صراع إستئصالي بعدما إتهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جوبايدن أنصار الحزب الجمهوري بممارسة الإرهاب السياسي و الشعبي، بل قال حرفيا بأن الترامبيين يمثلون التيار الإرهابي داخل الحزب الجمهوري، كما يمثلون التطرف السياسي الذي يدعو إلى العنف و الكراهية و الغاء الآخر و العرقية .

غزوة الكابيتول عرت عن ذلك الدفين و المستور بقشة الديمقراطية، عرت عن ذلك الشرخ للجبهة الداخلية للمجتمع الأمريكي، عن قضايا همت فترة الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب، بين الوحدويين و دعاة الإنفصال. كل تلك القضايا العالقة عادت لتطفو من جديد إلى السطح، لأن حدثا جوهريا أخرجها لتظهر على الساحة السياسية الأمريكية، لتعدو قضايا ملحة و آنية و مصيرية. لكنها تهدد بشكل أو بآخر اللحمة الوطنية الأمريكية، بل قد تكون سببا رئيسيا في فتنة مجتمعية تذهب إلى حد انهيار الولايات المتحدة الأمريكية و تفككها إلى دويلات، كما حدث في التسعينات مع الاتحاد السوفياتي.

هل بات التمرين الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، مهدد بالانهيار ؟ وربما سنشهد بداية النهاية لهذا النموذج الذي ظل متماسكا لأكثر من قرنين من الزمن. هل أصبح الصراع على السلطة بين الجمهوريين و الديمقراطيين غاية في حد ذاتها؟  و لم تعد وسيلة للرقي بالولايات المتحدة الأمريكية، و أصبح مفهوم تداول السلطة متجاوزا و غير ذي قيمة بين النخب السياسية.

https://anbaaexpress.ma/10mkc

أحمد الونزاني

كاتب وباحث مغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى