عاد ملف الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا ليحتل مساحة من الجدل داخل الأوساط الإعلامية والعسكرية في مدريد، عقب نشر صحيفة Confidencial Digital مادة مطوّلة تسلط الضوء على ما تعتبره بعض الجهات الإسبانية “تحدياً جيوسياسياً” يتصل بتنظيم المجال البحري القريب من جزر الكناري.
التقرير لم يكتف بنقل آراء ضباط البحرية، بل استند أيضاً إلى أبحاث أكاديمية تتبنى سيناريوهات حذرة أحياناً ومتشائمة أحياناً أخرى.
في مقابل هذا الخطاب، يواصل المغرب التأكيد أن تحديث ترسانته القانونية البحرية يندرج في سياق ممارسة سيادته وفق الإطار الذي ترسمه اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تمنح الدول الساحلية الحق في ضبط مياهها الإقليمية ومناطقها الاقتصادية الخالصة.
فمنذ إقرار الرباط لقانوني 2020 الخاصين بالمجال البحري، ظل موقفها واضحاً حماية المصالح الوطنية في الأقاليم الجنوبية والشمالية تتم عبر مسار قانوني مؤطر وواضح، مع إيداع كل الإجراءات لدى الأمم المتحدة.
غير أن جزءاً من الخطاب الإسباني ما زال يرى في هذا المسار “خطوة رمادية”، رغم أن الخبراء المغاربة يصفون هذا التشكيك بغير المنطقي، خصوصاً وأن العديد من الدول الساحلية قامت بالإجراءات نفسها خلال السنوات الأخيرة دون إثارة حساسية مشابهة.
ورغم نبرة التحذير التي تتبناها بعض الأقلام العسكرية في مدريد، إلا أن الدينامية الرسمية بين البلدين تشير إلى واقع مختلف تماماً: التعاون التقني مستمر، والنقاش حول الحدود البحرية لم ينقطع، بل يتم تدبيره وفق قاعدة الربح المشترك بعيداً عن أي تصعيد سياسي.
العديد من الباحثين الإسبان يشددون، في هذا السياق، على أن إدارة الثروة البحرية وحماية البيئة البحرية في الأطلسي الجنوبي لا يمكن أن تنجح إلا عبر تنسيق ثنائي دائم.
في أوروبا أيضاً، يبرز تقدير واسع للدور المغربي في استقرار شمال الأطلسي، حيث ينظر إليه باعتباره فاعلاً محورياً في معادلة الأمن البحري، وهو ما أكده عدد من التصريحات الدبلوماسية خلال الأشهر الماضية.
ويتقاطع جزء من النقاش في مدريد مع التطورات المرتبطة بملف الصحراء، حيث يشير التقرير الإسباني إلى أن تنامي الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي المغربية أحدث تحولاً في مقاربة امتداد السيادة البحرية، خصوصاً في الأقاليم الجنوبية. مصدر دبلوماسي مغربي يرى أن هذا التطور “يحسم الخلط المفتعل بين السيادة الترابية والسيادة البحرية”، ويمنح الرباط هامشاً أوضح في الدفاع عن حقوقها المشروعة.
ومع ضغط الخطاب المتشدد من بعض الأصوات في المؤسسة العسكرية الإسبانية، يبرز في الجهة المقابلة صوت سياسي واضح يفضل مقاربة هادئة. فمدريد الرسمية تتعامل مع الرباط كشريك مركزي لا يمكن تجاوزه، وهذا ما تعكسه البيانات المشتركة التي تؤكد التزام البلدين بتعزيز الاستقرار الإقليمي.
وعلى المدى المتوسط، يعتقد محللون أن الطريق الأكثر واقعية لتجاوز هذا النقاش المتجدد هو إرساء آلية تقنية دائمة لترسيم الحدود البحرية، قائمة على التنسيق في مجالات الطاقة والمعادن البحرية والبحث العلمي، بما يحول المنطقة إلى فضاء للتنمية بدل إعادة استحضار توترات الماضي.
الخلاصة العامة تشير إلى أن التقرير الإسباني يعكس نقاشاً داخلياً أكثر مما يعبر عن توتر خارجي. وبينما يقرأ البعض في مدريد حضور المغرب البحري من زاوية المنافسة، تتحرك الحكومتان ببراغماتية أكبر، عنوانها الشراكة والتنسيق، في ظل إدراك مشترك بأن استقرار الأطلسي الجنوبي لن يتحقق إلا بمقاربة تحترم الشرعية الدولية وتخدم المصالح المتبادلة للطرفين.




