آراءثقافة

اللغة العربية بالمغرب.. كنز إستراتيجي لا يجب التفريط فيه بغباء إستراتيجي

لقد صنع أجدادنا حضارة الغرب الإسلامي بلغة عربية فصيحة

في جميع دول العالم، اللغة مثلها مثل الأرض مسألة سيادة لا تفاوض حولها ! فلا الصيني و لا الروسي و لا الفرنسي و لا الإنجليزي… مستعد للتخلي عن لغته أو استبدالها بلغة أخرى، لأن اللغة أكبر من وسيلة تواصل، هي مسكن الكائن، بتعبير هيدجر، و هي التي تحدد رؤيتنا للعالم و تصوغ براديغم التفكير بالمعنى الابستملوجي.

 المغرب دولة عريقة ضاربة بجذورها في أعماق الحضارة العربية الإسلامية، لقد صنع أجدادنا حضارة الغرب الإسلامي بلغة عربية فصيحة، و تمكنوا من التموقع استراتيجيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط كقوة حضارية ملهمة لشعوب أوروبا و إفريقيا. اللغة العربية، بالنسبة لنا كمغاربة، كنز إستراتيجي لا يجب التفريط فيه بغباء إستراتيجي!

هذا الوعي المعرفي هو وحده القادر على استعادة المكانة الحقيقية للغة العربية، بالمغرب، و هو وعي مختلف، جذريا، عما ساد بالأمس من وعي إيديولوجي مزيف، كان يربط اللغة بالقومية و العرق و الدين.

لذلك، من العوائق التي يجب تجاوزها لترسيخ المكانة المستحقة للغة العربية، بالمغرب، العائق الإيديولوجي و ذلك على مستويين:

على المستوى الأول، يجب تجاوز التلقي الإيديولوجي الإسلاموي الذي يؤسطر اللغة و يفرغها من حمولتها المعرفية، المقاربة الإسلاموية مفلسة تسيء للغة العربية أكثر مما تحسن، فلا أحد مستعد لسماع الأساطير المؤسسة لقدسية اللغة العربية، أضف لذلك أن الفاعل الإسلاموي قد حول اللغة العربية إلى حصان طروادة في معاركه الانتخابوية الخاسرة.

على المستوى الثاني، يجب تجاوز التلقي الإيديولوجي القومي الذي لا يقل إفلاسا عن سابقه، بل يشترك معه في توظيف اللغة العربية، إيديولوجيا، كشعار فارغ من المحتوى المعرفي، و لذلك لم تُجْد عقودا من الاستغلال الإيديولوجي في تطوير اللغة العربية و فرضها كرقم صعب، في المعادلات الاستراتيجية، كمنافس للإنجليزية و الفرنسية على مستوى التداول العربي على الأقل.

التحول الاستراتيجي الذي يعيش على إيقاعه المغرب، و هو يسعى إلى استعادة خصوصيته الحضارية، على المستويين السياسي و الثقافي، يجب أن تكون اللغة العربية محورا له، فقد كانت عبر تاريخها المغربي الطويل أداة فعالة للامتداد أوربيا و إفريقيا، كما كانت أداة مقاومة للمشاريع الاستعمارية الغازية، و نجحت في صدها و إفشال مخططاتها القاضية بربط المغرب بالقوى الدولية المتحكمة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

مغرب المستقبل يجب أن يتحرك بجناحين كي يحقق التوازن الاستراتيجي المطلوب:

جناح اللغة العربية، لغة الذاكرة الحضارية المغربية الممتدة في أعماق التاريخ، لغة لم يكن للمغرب-الدولة وجودا قبلها و لن يكون له وجود بدونها، كما لن يكون له أي تطور و تقدم دون تطورها و تقدمها.

اللغة الإنجليزية، لغة السوق، بتعبير بيير بورديو، و هي أداة انفتاح على العالم و تواصل معه و استفادة من تجاربه، فالمغرب ببوابتيه البحريتين، أطلسيا و متوسطيا، و بوابته البرية الإفريقية المحررة، يحتاج أداة تواصل تعتبر لسان العولمة، و لا بديل عن الإنجليزية اليوم.

https://anbaaexpress.ma/z3x9l

إدريس جنداري

باحث أكاديمي و كاتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى