د. أميرة عبد العزيز
خلال عشر سنوات من قيادة الحكومة المغربية (2011–2021)، نال حزب العدالة والتنمية فرصته الكاملة في التسيير، وصعد إلى قمة هرم القرار السياسي عبر صناديق الاقتراع في سياق إقليمي غير مستقر أعقب حراك 20 فبراير.
لكن بدل أن تتحول تلك الفرصة إلى لحظة تحوّل تاريخي في مسار العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتحقيق التوازنات الاقتصادية، آلت التجربة إلى ما يمكن وصفه، عن حق، بـ”العشر العجاف”.
منذ السنوات الأولى، اتخذت الحكومة قرارات أثّرت بشكل مباشر على معيشة المواطن. رفع الدعم عن المحروقات دون وضع نظام تعويض فعال للفئات الهشة مثّل البداية الفعلية لضرب القدرة الشرائية. ومع موجات الغلاء المستمرة، ازداد العبء على الطبقات المتوسطة والفقيرة.
أرقام المندوبية السامية للتخطيط تؤكد أن أكثر من 1.6 مليون مغربي انزلقوا إلى وضعية الفقر أو الهشاشة بين 2014 و2020، في وقت كانت الحكومة تعلن عن “إصلاحات هيكلية”.
ضمن تلك الإصلاحات، اختار الحزب الانحناء لشروط صندوق النقد الدولي، حيث أُقرت سياسة تقشف صارمة شملت تقليص التوظيف العمومي وتجميد الأجور، إلى جانب تمرير إصلاح متسرع وغير توافقي لنظام التقاعد.
تم رفع سن التقاعد وتقليص المعاشات، فيما ظلّت الحكومة تدافع عن هذه الإجراءات باعتبارها ضرورة “لإنقاذ الصناديق”، رغم ما أحدثته من احتجاجات واسعة وانتقادات من المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
في ملف التعليم، لم تكن الحصيلة أحسن حالًا. رغم ما أثير من نقاشات حول الإصلاح، ظلّت المؤشرات تؤكد عمق الأزمة البنيوية، مع استمرار الاكتظاظ، والهدر المدرسي، وضعف كفايات المتعلمين.
أكثر من 66% من التلاميذ المغاربة لا يمتلكون الكفايات الأساسية في اللغة والرياضيات، بحسب تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وهو ما يوضح غياب رؤية إصلاحية عميقة.
الطبقة المتوسطة، التي يفترض أن تشكل العمود الفقري لأي توازن اقتصادي واجتماعي، كانت بدورها ضحية لعقد من الإنهاك المعيشي والضريبي. الفوارق الاجتماعية لم تتقلص، وظل مؤشر “جيني” في حدود 0.39، ما يعكس استمرار اختلال توزيع الثروة الوطنية، وفشل السياسات العمومية في إعادة التوازن الاجتماعي.
أما في ملف الفساد، وهو الشعار المركزي الذي أوصل الحزب إلى الحكم، فقد بقيت محاربة الفساد حبيسة الخطاب، دون أثر ملموس على الواقع.
لم تُسجل محاكمات أو مساءلات حقيقية، بل تراجعت رتبة المغرب في مؤشر مدركات الفساد من 80 سنة 2011 إلى 86 سنة 2020، بحسب منظمة الشفافية الدولية، ما يكرّس حالة الإحباط من غياب الإرادة السياسية.
انتهت التجربة بما يشبه الاستفتاء الشعبي ضد الحزب، حين حصد في انتخابات 2021 فقط 13 مقعدًا، بعد أن كان يقود الحكومة بـ125 نائبًا. إنه ليس مجرد تراجع انتخابي، بل سقوط مدوٍّ يؤرخ لانهيار مشروع سياسي بُني على الوعود دون ترجمة فعلية.
لقد أخذ حزب العدالة والتنمية فرصته الكاملة في التسيير، وبسط نفوذه لعقد من الزمن، لكنه أخلف وعده أمام الشعب. كانت عشر سنوات كافية لاختبار الشعارات وقياس المصداقية، لكن النتيجة كانت عشرًا عجاف بكل المقاييس: اقتصاديًا، اجتماعيًا، وسياسيًا.
إن الخطاب الأخلاقي وحده لا يصنع التنمية، ولا يكفي للبناء، فالمطلوب هو إرادة سياسية مسؤولة، وبرامج واقعية توازن بين العدالة والنمو، وتضع مصلحة المواطن قبل كل اعتبار.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يجرؤ حزب العدالة والتنمية على العودة إلى المشهد السياسي بعد هذه التجربة الفاشلة؟
وإذا حدث ذلك، فما هو البرنامج الحقيقي الذي يعد به المغاربة غير تكرار شعارات التضامن مع فلسطين؟