الطفولة و النشأة
تُعتبر الطفولة من أهم مراحل التكوين الشخصي لذى الإنسان بعد الولادة، ولأهميتها أوجدت تشريعات يتبعها الوالدين وفق المعتقد الذي يؤمنون به، إضافة إلى وجود قوانين محلية في بعض البلدان ومؤسسات دولية متخصصة في حماية الاطفال من أي انتهاكات من أي جهة صدرت.
من بين تلك المؤسسات الدولية، هناك سلوك يكاد يكون عابر للقارات وهو أن التعامل مع الأطفال يكون منطلقه التملك لا بعنوان الميراث، والنعمة، والبركة من الله، وهذه السلوك يشكل حاجز تربوي حقيقي لأن الوالدين سوف يتصرفان بناء على رغبتهما في تشكيل شخصية الاطفال سواء كانت الايمانية أو العلمية بل البعض يًقرر نيابة عن الاطفال حتى في تفاصيل موضوع الزواج بالرغم أنه أمر شخصي لا ينبغي فرضه بل تقديم المشورة والنصيحة هو ما يجب على الآباء والأمهات.
وتنص اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة أن من هو أقل من 18 عام يعد طفلاً، يعيش الأطفال في عصرنا الحالي العديد من التحديات والصعوبات على مستوى العالم لا سيما في تلك الدولة التي تحدث فيها صراعات، أو تعاني من الفقر بسبب السياسات الاقتصادية، أو الدور الإعلامي الذي شكل أجيال أصبحت تقبل بما هو خلاف الصورة الطبيعية التي تشكلها فيها الإنسان مُنذ وجوده على هذه الأرض، إضافة إلى الأبحاث العلمية الطبية التي لا تخضع إلى المعايير الأخلاقية السليمة و التي تُريد العبث في حقيقة الإنسان الذي هو بمثابة سفير للخالق على هذه الأرض.
آثار السياسات الاقتصادية على الطفولة
نصت إتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة على العديد من المواد التي تقوم على حماية الطفل كحق البقاء والنمو بصورة صحية، والحماية والمشاركة في القرارت والأفكار.
و بالرغمِ من جمالية المواد وتفاصيلها إلا أن الواقع لا ينعكس عليها إلا حالات قليلة ونادرة مما يعني أن ثمة خلل ما أم في تطبيقاتها، أو في قدرة الأمم المتحدة في الضغط وإلزام الحكومات التي وقعت على اتفاقيات حقوق الطفل في تنفيذها.
تشير العديد من التقارير الحقوقية التي تنشرها بشكل مفصل اليونيسف على أن من صور انتهاكات الطفولة هو الفقر المدقع الذي تعاني منه الكثير من الأسر مما يدفع بالأطفال إلى العمل مبكراً ولساعات طويلة وأجور متدنية لتوفير لقمة العيش، بالرغم أن سنوياً في شهر نوفمبر تشرين الثاني من كل عام يحتفي العالم بيوم الطفل العالمي لتأكيد على أهمية وضرورة حماية حقوق الطفل كحق تسجيل الأطفال عند ولادتهم، وأن يكون لهم اسم وجنسية، وإن يكون لهم الحق في أن يعرفوا والديهم وأن يحصلوا على العناية منهم وغيرها من الحقوق الواردة في الاتفاقية التي وقعت عليها كثير من الدول.
وكشف تقرير عن فرانس برس لهذا العام من شهر أبريل، أن تقديرات غير رسمية عن عدد الاطفال الذين يعملون في الأردن بلغ 50 ألف طفل إلا أن الحكومة الأردنية شرعت في اصدار مشروع قانون حقوق الطفل، بالرغم أنها صادقت على اتفاقية حقوق الطفل مُنذ عام 1991.
وبالنظر أيضًا إلى مصر سوف نجد الأطفال في سوق العمل إلا أنها و مُنذ سنوات دائما ًما تأتي في المركز الأول في عمالة الأطفال وفق تقارير صحفية رصدت هذه القضية وتداعياتها عن كثب حيث يقدر عدد الاطفال بما لا يقل عن 2 مليون ونصف يعملون لساعات طويلة وأجور قليلة مُرغمين على ذلك بسبب الفقر الشديد الذي تعاني منه أسرهم نتيجة السياسات الاقتصادية .
وقدرت منظمة اليونسيف في تقريرها الصادر لعام 2020 أن عدد الأطفال الذين يعملون في العالم قدر بنحو 160مليون، مقسمين بين الجنسين حيث بلغ عدد الذكور الذي يعملون 97 مليون و63مليون من الإناث، فيما تُشير تقارير آخرى أن العدد تجاوز الرقم المذكور مما يكشف عن المسافة البعيدة جداً بين تطبيق القوانين والاتفاقيات التي نصت على حماية الطفل.
إن هذا الإهمال المستمر ضد الطفولة يُعطي مؤشرات بالغة الخطورة حيث سوف تشهد المجتمعات دوامة من الفقر والجهل سوف يستمر إلى أجيال عديدة مالم يتم أخذ الأمر بجدية.
الإعلام والطفولة
يُشكل الإعلام سًلطة مؤثرة لا سيما في هذا العصر الذي أصبح الإعلام يقتحمنا في كل أجزاء من حياتنا بعد ما كان سيطرته محدودة و مقيدة، مُنذ خمسينات القرن الماضي المنصرم حتى مطلع التسعينات حينما تطورت أجهزة البث وإرتفع عدد القنوات حتى دخلنا مرحلة خصخصة الإعلام، وصولاً إلى القفزات التقنية الهائلة في البث الفضائي و الإنترنت، في عصرنا الحالي حيث لم يعد هناك مرسل ومستقبل، بل أصبح الطرفان قادرين على تبادل الأدوار وهي ما يعبر عنه بالبيئة الإعلامية التفاعلية بعد ما كانت مقتصرة على ارسال واستقبال والتي بدأت بروز ملامحها في مطلع التسعينات عبر نشر الرسائل النصية عبر شاشة التلفاز على مدار 24 ساعة .
ونظراً لأن الأطفال هم الفئة الأكثر تأثيراً وذلك لحداثة العمر الذي من خلاله تتشكل الكثير من الأفكار والتي تنعكس على تكوين الشخصية.
وحتى لا أكون سوداوياً في تناول قضايا الإعلام الموجه إلى الأطفال، إن كثيراً من الأسرة استثمرت الفضاء الإعلامي الواسع في جعله مصدر تعليمي وترفيهي إلى أطفالهم مما أحدث شيء من التوازن بين دور التعليم الضعيف في مجمل العالم العربي و الإسلامي.
تقول فتاة خليجية جامعية من أحد دول الخليج العربي في سؤال وجه لها حول التعليم، “لم أستفد من التعليم الكثير كما أستفدت من منصة التواصل الاجتماعي اليوتوب حيث وجدت كم كبير من القنوات المتخصصة التعليمة التي هي متفوقة على الكثير من المناهج الأكاديمية وطرق التدريس.” و ذات السؤال وجهته إلى أم لثلاثة أطفال من دولة عربية ”إن الكثير من أطفال أقاربي في بلدي في الشرق الأوسط تعلموا اللغة الإنجليزية مع اللهجة الأمريكية بالرغم أنهم لم يُسافر إلى أمريكا ولا مرة في حياتهم كل ذلك عبر قناة متميزة على منصة اليوتوب،” هذه نماذج مُشرقة وإيجابية استفادة من التطور الهائل في الإعلام.
وفي الجهة الأخرى، هناك مخاطر شديدة جدا وضحاياها الأطفال والمراهقين على حدا سواء من خلال العديد من منصات التفاعل الاجتماعي، والتي تختزل في طياتها سلوك رأسمالي في غاية الخطورة عبر دفع كثير من الأموال للحصول على امتيازات معينة من كل تطبيق لممارسة اللعب أو حتى مميزات عن البث المباشر.
هذه التطبيقات الاجتماعية الرأسمالية ومع غياب الرقابة الأسرية أو عدم الوعي من قبل الوالدين، جعل من الأطفال والمراهقين ضحايا على مدار 24 ساعة على 24 ساعة حول العالم من خلال ممارسات غير عقلانية ولا أخلاقية.
ومن أكثر الأمور الموجهة إلى الأطفال عبر الإعلام وهي في غاية الخطورة هو تناول قضايا الشذوذ الجنسي عبر قصص تتناسب أعمار الأطفال، وجاذبة دون أين يلتف لها إلا أن المرحلة الحالية تجاوزت التلميح إلى الوضوح المباشر، كما صرحت كيري بيرك المديرة التنفيدية لديزني في فيدو تم تناقله عبر منصات التواصل الاجتماعي وتقول :“ لدينا شخصيات مثلية الجنس في محتوانا ولكن يجب أن تكون هناك قصص كاملة عنهم.“
إلا أن سرعان ما جاء رد مسجل فيدو من قبل الإعلامية الأمريكية ميغان كيلي تقول فيه ”أعتقد أن هذا غير ضروري تمامًا وتخطي للحدود، أنا لا أريدك أن تُمارسي نشاطك هذا مع طفلي، اصنعي فيلم يعلم قيم التسامح و اللطف ودعم رفقائك من البشر.“
هذا التصريح في التطبيع الثقافي للشذوذ الجنسي حتى على مستوى مرحلة الطفولة، هو جرس انذار حقيقي على أن العالم يتجه نحو الوصول إلى السقوط الأخلاقي الكلي، فهل هناك جريمة أكبر من اقتحام عالم الطفولة في قضايا تهدم إنسانيتهم في مراحل مُبكرة من عمرهم؟!
إلا وأنا ما يدعو إلى شيء من الأمل وجود أصوات مُعتدلة وعقلانية داخل المجتمع الأمريكي، ترفض أسلحة الدمار الأخلاقي التي تروجه لها منظومة الإعلام الرأسمالي الأمريكي.
ومما ينبغي ذكره أن شركة دزني رصدت 33 مليار دولار للإنتاج في عام 2022وأنها تخطط لجعل ما يقارب 50٪ من شخصياتها من الشواذ، ولنتخيل يا سادة وسيدات حجم التأثير على أطفالنا حينما يُشاهدون شخصياتهم المفضلة تُمثل أدوار شاذة تهدم الضمير الأخلاقي من وقت مبكر من عمر الطفل.
لا يزال الحديث عن الطفولة وما تتعرض له من مخاطر حقيقية ومدمرة لم ينتهي ولن، إنما نأمل الانتظار إلى الأسبوع المقبل وذلك من أجل استكمال محطات أحاول من خلالها رصد مناطق الخلل وتتبع نتائجها في عصرنا الحالي ومآلاتها في المستقبل.
تعليق واحد