حديث الساعةسياسة
أخر الأخبار

هام: لطاح في المقلة يتحمّل المسؤولية بالمحاسبة.. كما أكد الخطاب الملكي السامي

هذا الخطاب لم يأتِ بمعزل عن الزمن، بل تزامن مع سياق وطني دقيق شهد حراكًا اجتماعيًا من جيل Z، وأجواءً من القلق والترقّب الشعبي، ما جعل الجميع في الداخل والخارج ينتظرون الكلمة الملكية التي وُصفت بأنها ستكون “الفصل الحاسم بين مرحلة ومرحلة”

يعيش المغرب اليوم لحظة فاصلة بين عهدين، حيث تتجسد كل مضامين الخطاب الملكي السامي في الواقع الملموس، فزمن الشعارات انتهى، وزمن المحاسبة والوضوح بدأ فعليًا.

إن ما أشرنا إليه في مقالات سابقة ليس تنبؤًا، بل هو وصف دقيق لما نعيشه الآن من تحوّل حقيقي في بنية الدولة والمجتمع.

جدير بالذكر أن الخطاب الملكي السامي أمام البرلمان، يوم الجمعة 10 أكتوبر، كان لحظةً فارقة في تاريخ المغرب السياسي الحديث، ليس فقط لكونه افتتح السنة التشريعية، بل لأنه وضع البلاد على عتبة مرحلة جديدة عنوانها المحاسبة والجرأة في الإصلاح.

هذا الخطاب لم يأتِ بمعزل عن الزمن، بل تزامن مع سياق وطني دقيق شهد حراكًا اجتماعيًا من جيل Z، وأجواءً من القلق والترقّب الشعبي، ما جعل الجميع في الداخل والخارج ينتظرون الكلمة الملكية التي وُصفت بأنها ستكون “الفصل الحاسم بين مرحلة ومرحلة”.

لقد تحدث الملك محمد السادس بنبرة هادئة ولكنها صارمة في المضمون، وأعاد ترتيب المشهد السياسي بموازين جديدة تقوم على ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإعادة الاعتبار لجوهر الدولة كجهاز يخدم المواطن أولًا وأخيرًا.

وأكد أن الإصلاح الحقيقي لا يكون بسنّ القوانين فقط، بل بتجسيدها ميدانيًا في حياة المواطن اليومية، وأن من يتهاون في أداء واجبه سيتحمّل مسؤوليته كاملة.

وكما يقال في المثل الشعبي الذي تحوّل اليوم إلى مبدأ وطني: “لطاح في المقلة يتقلة”، بمعنى يتحمل المسؤولية، أي أن زمن الإفلات من العقاب انتهى، وزمن المحاسبة بدأ فعليًا.

الخطاب الملكي لم يكن تأنيبًا بقدر ما كان إنذارًا هادئًا ومسؤولًا، وتوجيهًا استراتيجيًا لكل من يتولى مسؤولية في أجهزة الدولة، من الحكومة إلى الجماعات المحلية، مرورًا بالمؤسسات العمومية والقطاعات الحيوية.

فقد شدّد جلالة الملك على أن التنمية ليست مجرد مشاريع أو أرقام، بل أثر ملموس على حياة المواطنين، وأنّ العمل الجاد هو وحده الكفيل باسترجاع الثقة بين الدولة والمجتمع.

ولهذا ختم خطابه بالآية الكريمة:”فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ”، في رسالةٍ بليغة تحمل في طيّاتها جوهر العدالة السماوية والسياسية في آنٍ واحد.

فمن يعمل بإخلاص للوطن سيُكافأ، ومن يفرّط في مسؤوليته سيُحاسَب، دون مجاملة أو استثناء.

وساطة ملكية بين الدولة والمجتمع

لقد مثّل الخطاب الملكي وساطةً سامية بين الدولة والمجتمع، إذ تعامل مع حراك الشباب المغربي لا كتهديد، بل كنداءٍ للضمير الوطني.

اعترف ودعم جلالة الملك بشرعية المطالب الاجتماعية لجيل Z، مؤكدًا بشكل ضمني أن التعبير السلمي عن الرأي جزء من الحق المشروع دستورًا في المملكة، وأن الاستقرار لا يعني الجمود، بل الإصغاء والتصحيح والتجديد.

وفي المقابل، تم التحذير من الانجرار وراء دعوات الفوضى والعنف التي تحاول أطراف معادية، سواء خارجية أو داخلية، استغلالها للإساءة لصورة المغرب واستقراره.

كانت الرسالة الملكية واضحة: الإصلاح الحقيقي ينبع من الداخل، من الثقة المتبادلة بين المواطن والمؤسسات، لا من الفوضى ولا من الشعبوية السياسية.

وقد حمل الخطاب توجيهًا مباشرًا للحكومة ورئيسها، عزيز أخنوش، بضرورة تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الاقتصادية أو الحزبية، فالمسؤولية ليست امتيازًا بل تكليفًا، والمحاسبة لا تسقط بالتقادم.

وفي الوقت الذي يحتفل فيه بعض السياسيين على أنغام أغنية شعبية هابطة من نوع “مهبول أنا غادي فلوطوروت أنا”، يعيش جزء كبير من الشعب المغربي واقعًا صعبًا يقتضي التواضع والإنصات لا الرقص.

هذه المفارقة التي أشار إليها الشارع بمرارة، أعاد الخطاب الملكي تصحيحها بإعادة الهيبة إلى مفهوم المسؤولية، وبالعودة إلى جوهر الحكامة القائمة على القرب من المواطن، لا على الاستعراض السياسي.

مغرب جديد في طور الصعود بكل المقاييس

الملك محمد السادس لم يتحدث فقط عن المحاسبة، بل عن رؤيةٍ استراتيجية لمغربٍ صاعدٍ بثقة نحو المستقبل.

أكد أن الدولة ماضية في مشاريع كبرى لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، خاصة في المناطق الجبلية والهشة، وفي الوقت نفسه يواصل المغرب تعزيز مكانته القارية والدولية عبر مبادرات سيادية قوية، من أبرزها المبادرة الأطلسية الإفريقية التي جعلت من المغرب قوةً إقليمية فاعلة ومركزًا للتكامل الإفريقي.

هذه الرؤية المتكاملة تُبرز أن المغرب لا يعيش أزمة، بل يعيش تحوّلًا تاريخيًا نحو سيادةٍ كاملة وموقعٍ استراتيجي جديد يربط إفريقيا بأوروبا والمحيط الأطلسي.

وكل ما أشرنا إليه سابقًا اليوم أصبح واقعًا ملموسًا: الفساد بات في مرمى العدالة، وملفات الريع التي كانت تُدار في الظل أصبحت على طاولة القضاء.

هناك اليوم متابعة حقيقية لعدد من المسؤولين في قطاعات مختلفة، من ضمنها مؤسسات إعلامية وأخرى مكلفة بالتدبير، تستنزف المال العام تحت غطاء الدعم العمومي، دون مردودية مجتمعية أو مهنية.

وهنا تتجلّى الإرادة الملكية في تطبيق مبدأ العدالة والمساءلة، عبر حملة “الأيادي النظيفة” التي لم ولن تستثنِ أحدًا.

لقد أكّد جلالة الملك أن العدالة لا يمكن أن تكون انتقائية، وأن هيبة الدولة تُقاس بقدرتها على محاسبة من أخلّ بالثقة الموكولة إليه.

ولهذا فإن ما نراه اليوم من تحريك ملفات أمام القضاء، خصوصًا في القطب العمومي، دليل على أن المغرب دخل عهدًا جديدًا من الجدية في مكافحة الفساد الإداري والإعلامي والاقتصادي.

إن الخطاب الملكي السامي لم يكن مجرد توجيه سياسي، بل كان خريطة طريق أخلاقية ودستورية لإعادة هيكلة العلاقة بين السلطة والمجتمع، بين المسؤول والمواطن.

وهو دعوة صريحة إلى نهاية مرحلة “التهاون الإداري والريع السياسي”، وبداية عهدٍ جديد عنوانه: العمل، المحاسبة، والنتائج.

فالمغرب اليوم يعيش زمن النهوض لا زمن الأعذار، والملك، بصفته ضامن وحدة الأمة وحامي استقرارها، اختار أن يخاطب ضمير كل مسؤول وكل مواطن بلغة واحدة لا تحتمل التأويل كما أشرنا قبل: “من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره”.

لقد قالها الملك بوضوح، وأثبتها الواقع: زمن الإفلات من المسؤولية انتهى، وزمن المغرب الفاعل بدأ.

والآتي من الأيام سيكون هو الفصل الحقيقي، لا بالشعارات ولا بالتصريحات، بل بالنتائج التي ستكشف من خدم الوطن بإخلاص، ومن استغلّه لمصلحته.

https://anbaaexpress.ma/xsm5y

عثمان بنطالب

ناشط حقوقي دولي خبير في الشأن المغاربي و الإفريقي، مدير عام أنباء إكسبريس

‫2 تعليقات

  1. بغيت نهدر وحشمت ماتكولياش العام زين بلادنا وكنعرفها مزيان مقلة هي لعيشين فيها حنا لامرا لاخدمة مكادا لامستقبل وعمري 44 سنة
    حسبي الله ونعم الوكيل

  2. عندما نهب المسؤولون ميزانية الوطن، لم يسرقوا المال فحسب، بل سرقوا أحلامنا وآمالنا ومستقبل أبنائنا. إن العدو يحاربنا من الخارج، لكن هؤلاء يخربون الوطن من الداخل من أجل مصالحهم وزيادة ثرواتهم. لا يؤمنون بالقانون ولا بالدستور، فغايتهم أن تبقى خزائنهم ممتلئة، ولو على حساب فقر الشعب وانهيار مؤسسات الدولة. إنهم بحق يخربون لهياكل الوطن، لا يختلفون عن أعدائه في شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى