هذه السيدة النبيلة، أديبة وأستاذة الأدب المقارن بالجامعة اللبنانية، رفدت المكتبة العربية بعيون الآداب والتاريخ والفكر الفارسي، وقدمت تراجم عن أعلام من الطراز الكبير، كالفقيه الفيلسوف والفلكي والأديب المعروف بالشيخ البهائي العاملي، وهو واحد من الأعلام الذين وقفت على استعمالهم لعبارة: فقه الفلسفة، وهو بالفعل فقيه الفلاسفة وفيلسوف الفقهاء.
اليوم تتحفنا د. دلال عبّاس بكتاب فريد في عبارته وطريقة تناوله للمرأة في الأندلس، بتفاصيل موحية تنطوي على محتوى أدبي وتاريخي وأيضا تضع أرضية سوسيو-ثقافية لما تمتاز به المرأة الأندلسية من مزايا.
فلقد اطلعت بنت الجنوب على مظاهر الحياة الأندلسية، وهالها الخراب الذي لحق بها من قبل علوج الفرنجة، وهي إذ اهتمت أوّل الأمر بهذا الموضوع، فلقد كان دافعها رومنسيّ، حيث اشتغلت على هذا العمل بداية السبعينيات وناقشته في إطار رسالة للدراسات العليا في نهاية السبعينات.
غير أنّ دافعا آخر جعلها تفكّر في إخراجه كتابا إلى الوجود بعد مرور أربعة عقود على إنجازه، هو الدافع الحضاري.
تقول د. دلال بأن دوافعها هذه المرة لم تعد رومانسية نسوية، بل أصبحت دوافع حضارية. إنّها تتساءل إن كانت ستستقيم دورة الأرض إذا ظلت الأمهات كلهن جواري؟
ففي نظرها أنّ عصر الجواري لم ينته. وهذه الإلماحة مهمّة جدّا، لأنّها تقدّم بعدا أكبر في تناول قضية المرأة، في بعدها الحضاري الذي يخرجها من تفاصيل الرومنسية النسوية. لقد بدا كتابها هذا قبل الطبع مصدرا للكثير من الدراسات، وللأسف تعرّض الكتاب لسرقات أدبية كبيرة ، مما كان من الأجدى طباعته، حيث سوق لصوص النصوص في مشهدنا العربي بات كالطاعون.
في نظر د. دلال، المرأة الأندلسية هي نتاج هذا التنوع والتداخل العرقي والثقافي بين العرب والأوربيين والبربر، بين المسلمين والمسيحيين واليهود، هذا التركيب الذي جعل المرأة الأندلسية متعلمة وصانعة، وحين كانت تسبى عند سقوط المدن، كانت تحمل معها إلى أوربا مظاهر الحضارة والفنون.
ترى د. دلال أن المرأة الأندلسية كانت متقدّمة على المرأة المشرقية بما فيها المرأة في ذروة العصر العباسي، نظرا لأنها حصيلة هذا التنوع، وحيث أنّ البداوة لم تفارق الثقافة العربية بالمشرق في ذلك العصر. فلقد استقلت المرأة الأندلسية من خلال إتقانها لصنائع كثيرة، كما ضوّت د. دلال على مظاهر الأدب الشعري لدى شاعرات أندلسيات كولاّدة وحفصة الركونية.
لقد غاصت د. دلال في مصادر التاريخ الأدبي والاجتماعي الأندلسي، وقرأت كل ما له صلة بالمشهد الثقافي الأندلسي، فقرأت لابن مسرة وابن طفيل وابن عربي وابن رشد ، وأبلت بلاء حسنا في تحقيقه.
وهي من أوائل من تناولوا هذا الموضوع، وها هي بعد أكثر من 40 عاما، تخرجه باسقا في عبارته عميقا في فكرته، وكأنّه في حلّة جديدة، حديث الاشتغال، كتاب تكمن أهميته في تفاصيله، وبهذا تكون د. دلال قد سافرت في اشتغالها الدؤوب على طريق الأدب المقارن، من الشرق الأوسط إلى الأندلس قبل أن تغامر داخل موروث الأدب الفارسي.