آراءمجتمع

ديبلوماسية حركة صحراويون من أجل السلام الموازية

بقلم: محمد فاضل بقادة

منذ تأسيسها، إتخذت حركة صحراويون من أجل السلام من طريق العمل الدبلوماسي نهجا اساسيا ترويجًا لمقترحاتها، و تسويقا سياسيا لطرحها المبني على لغة الحوار والسلم، ونبذ كافة اصناف الاقصاء والعنف والعنصرية والتمييز والكراهية.

حيث أكدت قيادة الحركة دائما على أنها منفتحة على كل المعنيين بقضية الصحراء، الدوليين والاقليميين والمحليين، و على أنها على استعداد للجلوس و التفاوض لإيجاد صيغة حل تنهي الوضع القائم و الذي عمر لعقود، دون تقدم ملموس، حيث عكفت الحركة من خلال قيادتها و على رأسها السيد السكرتير الأول للحركة الحاج أحمد بارك الله و باقي قيادات الحركة ورؤساء لجانها ومنخرطيها والمتعاطفين معها، على تنظيم ملتقيات و ندوات داخل الإقليم و خارجه، وصولات وجولات إقليمية و دولية.

أوضحت من خلالها، رؤية الحركة و المستقبل الذي تريد رسم معالمه، وفق خارطة واضحة صلبها مصلحة الصحراويين أولا، و ضمان حل يرضي كافة الأطراف المعنيين بالقضية على أساس لغة براغماتية وواقعية وسلمية ومقبولة ثانيا، و حاجزا سلميا أمام ما تعرفه منطقة غرب إفريقيا من فوضى و عدم استقرار، دون تمدده و الاضرار بالتالي بمصالح افريقيا والاتحاد الأوروبي ثالثا.

فبعد عرض خارطة الطريق نحو حل نهائي لقضية الصحراء في ملتقى داكار الدولي للسلم والحوار أواخر أكتوبر سنة 2023، توصلت الحركة بترقيم يقنن وضعها من طرف السلطات الإسبانية بالاعتراف لها كإطار سياسي دولي مدافع عن الحريات و حقوق الإنسان، فكيف ستستثمر الحركة مستقبلا هذا الاعتراف المقدم لها من سلطات دولة لها مسؤولية تاريخية على الاقليم المتنازع عليه؟

قبل التعرض للتساؤل المطروح اعلاه، و هو السؤال الذي ستجيب عنه الأيام ولغة الواقعية، بدل الاقلام و التصريحات، سنحاول تشخيص تحركات قيادة حركة صحراويون من أجل السلام، فهي سيرورة لعمل ديبلوماسي كان يروم تحقيق مصلحة لساكنة الاقليم الأصليين المُغيبين عمداً عن اسماع صوتهم، و ذلك عبر العمل الديبلوماسي لصالح البوليساريو، لكن اشرعة سفن الجبهة تجري بما تشتهيه نفس ربانها، رُبان فتح معبرا مع موريتانيا، ونسي فتح معبر آمن للصحراويين لعودتهم إلى ارضهم.

فلا زال يظن البعض أنه في طريقه صوب وميض حلم واهم، وسط غابة كثيفة الأشجار، من ايديولوجيات والعاب مصالح دولية، تفوق توقعاتنا وبعد نظرنا القاصر، قصور فهمنا العميق لمنطق سير فك الغاز القضايا الشائكة في عالم، لا وجود فيه لتقرير مصير، دون مرجعية و ايدولوجية و تبعية واثمان باهضة، الا أن الواقع مر و طعمه علقم، ولا تنفع معه تحلية ولا سكر.

فالواقعية حصدت في غضون سنوات ثلاث ما عجزت عنه محاولات في عقود تهتف بشعارات “يا أهل العيون يا أهالينا انا قادمون منتصرين..”، ها هي اليوم شجرة غُرست بذرتها، و قد اينعت، و قرب ثمرها أن يتدلى على أرض الواقع، لكننا لن نكون حالمين، فننهى عن خلق و نأتي به، عار علينا أن نفعل، فلا ينكر أي صحراوي على اننا في حالة تيه، فكل المحاولات الدولية و الداخلية لم تستجب لتطلعات الصحراويين أبناء الاقليم المعنيين بالنزاع، حتى تلاشت آمالهم في حيازة الانصاف و العدالة.

انصاف معنوي جاءت على شكل استدعاء لفيف سياسي دولي لحركة صحراويون من أجل السلام، للمشاركة في فعاليات أشغال مجلس الأممية الاشتراكية المنعقد بمدريد يومي 24 و 25 فبراير سنة 2024، و هي خطوة اولية متقدمة في اطار جهود السيد السكرتير الأول للانضمام الرسمي لهذا الصرح السياسي الدولي الوازن.

حيث تلقت الحركة تطمينات ووعود لقبول طلبها في الانخراط الرسمي لجسم المنظمة الأممية الاشتراكية، فانضمام الحركة بصفة ملاحظ في بادئ الأمر لهذه المنظمة يعني شرعية انخراط الهيئات النسائية و شبيبة الحركة تحت ألوية منظمة الاممية الاشتراكية، فهل سيتمكن الحاج و رفاقه من حجز مكانة في مجلس الأممية الاشتراكية ؟ وما الفوائد السياسية من الإنضمام على وضع الحركة وواقعها دوليا و داخليا ؟، سنترك الأيام تجيب عن السؤالين، فإن غدا لناظره قريب.

عود على ما سبق، فنحن في مركز الدراسات السياسية و الاستراتيجية، نحاول تشخيص أنشطة الحركة و استشراق المستقبل و تقديم آراء غير معصومة، و دراسات استراتيجية مبنية على أساس نتجرد فيه من الانتماء لجسم الحركة، عبر تحليل و نقاش علمي، لن نغلق بابه أبدا أمام أي رأي مناقض أو رأي مصوب أو حتى معارض، رافض للفكر الذي تنهجه الحركة، لذلك سنعالج قرار الإعتماد الذي حازته الحركة من السلطات الاسبانية من زوايا ثلاث، استراتيجية براغماتية، سياسية، و تاريخية.

من زاوية استراتيجية براغماتية، المملكة الإسبانية دولة أوروبية و ما يعني مصالح الإتحاد الأوروبي يعنيها و العكس صحيح، و ما يربطها بالمملكة المغربية أعمق بكثير من الفهم البسيط لمنطق جوار و مصالح ضيقة فقط، كما أن القوى الغربية ادركت ان البعد الجيواستراتيجي الذي يربط اسبانيا بنزاع الصحراء اكسبها صفة المفوض له الاكثر قدرة على فك طلاسم فتح باب الحوار المباشر بين الخصوم، بل و لخبرته الطويلة و معرفته بالعقليات المحيطة بدائرة النزاع، و ذلك بعد فشل الجهود الاممية في تقريب وجهات نظر اطراف النزاع.

من زاوية سياسية، فالاعتماد الاسباني الممنوح للحركة ليس صدفة أو عاطفة عابرة، أو مصلحة محدودة، فهو قرار سيادي مدروس بعناية مركزة، فأي قرار دولي ينهي نزاع الصحراء، اسبانيا معنية به و الإتحاد الأوروبي من خلفه، و بالتالي المجتمع الغربي و مصالحه مجتمعة، فلا حديث عن حل دون الأخذ بعين الاعتبار لمصالح الغرب من بوابة اسبانيا.

ومن زاوية تاريخية، كلنا نعرف كم مكثت اسبانيا في اقليم الصحراء، حتى اعتبرته جزءا منها في محطات ما من تاريخ إدارة الإسبان للصحراء، من خلال خطوات سياسية اقدمت عليها اسبانيا لبناء كيان سياسي صحراوي مستجد، مؤطر تابع لمدريد، لكن ظروف ستينيات وسبعينات القرن الماضي حالت دون كثير، و فتحت الباب أمام مسار جديد طويل لقضية عمرت كثيرا.

فما هو مصير القضية ؟ و ما هي سيناريوهات الحل بعد التقارب جلي المعالم بين المغرب الطرف الرئيسي في النزاع و اسبانيا، وضعا بعين الاعتبار أن وحدة المغرب و سيادته على الصحراء هي نظارته لأي علاقة تربطه مع أي كان حول قضية الصحراء؟

لقد اتضحت الرؤية لكل المعنيين من قريب أو من بعيد بقضية نزاع الصحراء، فلم يعد الوقت و لا الظرفية يسمحان بمزيد من التأخير و الانتظار في ظل سرعة اشتعال فتيل الحرب في بؤر فوران في افريقيا و الشرق الأوسط و شرق أوروبا و وسط أسيا، و هو الأمر الذي عطل عجلة الاقتصاد العالمي، فكل الظروف مهيئة أمام المملكة المغربية للذهاب بعيدا في مسار طي الملف، خاصة مع تنامي قيمة المغرب في بورصة السياسة الدولية، و نجاح المغرب في الخروج من عدة أزمات، من اهمها ما عرف بالربيع العربي، و التحولات الكبرى في مجالات السياسة و حقوق الانسان، و الاوراش الاقتصادية و التنموية التي تعيشها المملكة المغربية.

فرغم كل المحاولات الأممية المعنية بنزاع الصحراء عبر اثنى عشر مبعوثا و ثلاث امناء عامون، فالوضع لم يتغير إلى الأفضل، بل ساءت الأمور احيانا بسبب غياب فهم عميق لطبيعة و خلفيات النزاع تارةً، و غياب القوة الملزمة تارة أخرى، في ذات السياق ولدت حركة صحراويون من أجل السلام لتتبنى خيار السلم، فهي تنظر الى المملكة المغربية على انها المعني المباشر و الابرز للبت في هاته النازلة، و ليس عدواً او محتلاً كما يروج لها آخرون، بل شريكا استراتيجيا و اطارا شرعيا لممارسة ساكنة الاقليم الاصليين حقوقهم التاريخية على أرضهم في سلم و أمان، و اسماع صوتهم المسلوب تحت طائلة “الممثل الشرعي الوحيد..”، فهل المغرب واثق من قدرة حركة صحراويون من أجل السلام على تمثيل الصحراويين و توحيد كلمتهم في إطار مقاربة براغماتية لحل نهائي يضمن طي النزاع؟.

* رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في حركة صحراويون من اجل السلام

https://anbaaexpress.ma/x1bf7

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى