الشرق الأوسطتقاريرسياسة
أخر الأخبار

غزة.. بين هدنة إنسانية مؤقتة وقرصنة إسرائيلية في عرض البحر: مساعدات محدودة وأزمة بلا أفق

ما تقدمه إسرائيل اليوم تحت مسمى "تعليق تكتيكي" ليس وقفًا للعدوان، بل محاولة ترويج سياسي لتجميل حصار استراتيجي طويل الأمد

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأحد، تعليقًا تكتيكيًا يوميًا لعملياته العسكرية في مناطق محددة بقطاع غزة، يشمل المواصي ودير البلح ومدينة غزة، من الساعة العاشرة صباحًا حتى الثامنة مساءً، “لأغراض إنسانية”، وسط ضغوط دولية متزايدة لإدخال المساعدات للسكان المحاصرين منذ أكثر من 21 شهرًا من الحرب.

وأكد الجيش تنسيق القرار مع الأمم المتحدة ومنظمات دولية، محددًا ممرات آمنة لقوافل الإغاثة، في وقت لم يصدر فيه أي رد رسمي من تلك الجهات.

بالتوازي، صعّدت إسرائيل من سياساتها البحرية، إذ أعلنت اعتراض سفينة “حنظلة” التابعة لتحالف أسطول الحرية أثناء إبحارها في المياه الدولية باتجاه غزة، واعتلتها قواتها وسط بث مباشر أُوقف فجأة.

السفينة كانت تحمل 21 شخصًا بينهم نائبتان فرنسيتان، ما دفع سياسيين أوروبيين، مثل جان لوك ميلانشون، إلى التنديد بما وصفه بـ”القرصنة والخطف”.

وعلى الجانب المصري، أعلنت قناة “القاهرة الإخبارية” بدء دخول شاحنات المساعدات عبر معبر رفح. فيما استمر جيش الاحتلال بإلقاء مساعدات محدودة جوًا، في خطوة وصفها مراقبون بأنها دعائية وسط أزمة إنسانية خانقة تهدد بنشر المجاعة في القطاع.

تعليق عسكري تكتيكي أم مراوغة استراتيجية؟

القرار الإسرائيلي بفرض “تعليق تكتيكي” يومي للعمليات العسكرية في مناطق محددة بقطاع غزة، من الناحية التقنية، يبدو كخطوة إنسانية تهدف إلى التخفيف من معاناة المدنيين، إلا أن القراءة الأوسع تكشف عن أبعاد سياسية وعسكرية أكثر تعقيدًا.

أولًا، السياق الزمني لا يمكن فصله عن ضغط دولي متصاعد، قادته منظمات أممية وأطراف أوروبية، وسط تقارير كارثية عن مجاعة وشيكة في غزة، حيث تشير معطيات الأمم المتحدة إلى أن نصف سكان القطاع على حافة المجاعة.

بالتالي، فإن هذا “التعليق” ليس نابعًا من تغير جوهري في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، بل هو استجابة اضطرارية مؤقتة لتحسين صورة تل أبيب عالميًا، خاصة بعد موجة الإدانة التي طالتها بسبب عرقلة المساعدات، وقصف القوافل، وارتكاب مجازر موثقة.

ثانيًا، من الناحية الميدانية، لا يشمل هذا التهدئة الشاملة ولا يعني توقفًا فعليًا للعدوان، بل هو محصور في مناطق “لا يتحرك فيها الجيش”، ما يعني أن العمليات العسكرية قد تستمر في أماكن أخرى دون عائق.

هذه المحدودية في التغطية تؤكد الطابع الرمزي أكثر منه الميداني للقرار، مما يعزز فكرة “المراوغة التكتيكية” لا “المراجعة الاستراتيجية”.

ثالثًا، في الوقت الذي تعلن فيه إسرائيل عن ممرات آمنة وتنسيق مع الأمم المتحدة، تقوم في الوقت ذاته بارتكاب عمل يوصف قانونيًا بـ”القرصنة” باعتراض سفينة “حنظلة” في المياه الدولية.

ما حدث يعيد للأذهان واقعة سفينة “مرمرة” التركية عام 2010، ويكشف تناقضًا صارخًا بين المزاعم الإنسانية والممارسات الفعلية. إسرائيل، التي تسوق تعليق العمليات كإشارة إلى حسن نية، تواصل تشديد الحصار البحري وتستخدم القوة العسكرية لإسكات أي مبادرة شعبية أو دبلوماسية لكسره.

رابعًا، البعد الرمزي لسفينة “حنظلة” – باسمها المقاوم، وحمولتها من نشطاء سلميين، وبعضهم أعضاء في برلمانات أوروبية – شكّل تحديًا أخلاقيًا لإسرائيل في الساحة الدولية.

السيطرة عليها بالقوة، واعتقال من فيها، هو رسالة واضحة مفادها أن حصار غزة ليس فقط واقعًا ميدانيًا، بل هو خط أحمر إسرائيلي لا تقبل تجاوزه، مهما كانت الخلفيات الإنسانية أو الحقوقية.

خامسًا، ما يجري يعكس أيضًا حالة من الارتباك الإسرائيلي بعد أكثر من 21 شهرًا من العدوان، لم تحقق تل أبيب أهدافها المعلنة، بل خسرت جانبًا مهمًا من الدعم الدولي، وبدأت تواجه ضغوطًا من حلفائها التقليديين في أوروبا وحتى من الإدارة الأميركية.

الخطاب الإعلامي العسكري اليوم يحاول موازنة صورة الدولة المحاصِرة – المعتدية – بصورة الدولة “المتعاونة إنسانيًا”، وهي ازدواجية باتت مفضوحة أمام الرأي العام العالمي.

سادسًا، الجانب الفلسطيني، في المقابل، يواجه كارثة غير مسبوقة من حيث تردي الوضع الإنساني، وتفشي الجوع، والانهيار الكامل للبنية التحتية. حتى لو نُفذ التعليق المعلن بشكل فعلي، فالفجوة بين ما هو مطلوب إنسانيًا وما يُقدّم فعليًا تبقى واسعة.

مجرد فتح ممرات لساعات محدودة لا يكفي لإنقاذ مليونَي إنسان من كارثة وجودية، بل يزيد من اعتماد المجتمع الدولي على “المساعدات الإسعافية” بدل الضغط لإيقاف الحرب وإنهاء الحصار.

وأخيرًا، فإن استمرار التحركات الشعبية الدولية لكسر الحصار، كما يمثلها “أسطول الحرية”، يعكس إصرارًا أخلاقيًا ومدنيًا عالميًا على تحدي المنطق العسكري الإسرائيلي. وهذه التحركات، رغم قمعها، تترك أثرًا تراكميًا في الوعي العالمي حول مسؤولية إسرائيل عن الكارثة الجارية.

ما تقدمه إسرائيل اليوم تحت مسمى “تعليق تكتيكي” ليس وقفًا للعدوان، بل محاولة ترويج سياسي لتجميل حصار استراتيجي طويل الأمد. وفي ظل التدهور الإنساني، تبقى الحلول الجزئية مؤقتة وغير كافية، فيما يُنذر تكرار القرصنة البحرية باستدامة الصراع وازدياد عزلة إسرائيل على الساحة الدولية.

الوضع في غزة تجاوز مرحلة الأزمات العابرة، ليصبح مرآة لصراع مفتوح بين سياسة العقاب الجماعي وإرادة إنسانية دولية تبحث عن كسر الحصار وفرض الكرامة كمبدأ في القانون الدولي.

https://anbaaexpress.ma/ww874

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى