صادق مجلس إدارة الاتحاد البرلماني الدولي بالإجماع، يوم الخميس 23 أكتوبر 2025، خلال دورته الـ151، على قرار قبول الشكوى التي تقدّمت بها منظمة شعاع لحقوق الإنسان ممثلةً عن السيناتور السابق عبد القادر جديع، إلى لجنة حقوق الإنسان للبرلمانيين، بشأن الانتهاكات الدستورية والبرلمانية والملاحقات القضائية والحكم الصادر بحقه في الجزائر.
ويُعدّ هذا القرار أول ملف يتعلق بانتهاك حقوق نائب جزائري يُسجَّل في سجل الجزائر لدى الاتحاد البرلماني الدولي، مما أدى إلى إدراج الجزائر ضمن “القائمة الصفراء” التي تشمل الحالات التي تتابعها وتراقبها لجنة حقوق الإنسان للبرلمانيين، في إطار جهودها لحماية البرلمانيين المعرّضين للاضطهاد في مختلف أنحاء العالم.
وأعربت لجنة حقوق الإنسان للبرلمانيين التابعة للاتحاد البرلماني الدولي عن قلقها العميق إزاء الحكم غير المتناسب الصادر بحق السيناتور عبد القادر جديع، معتبرةً أن تصريحاته لم تكن مهينة ولا تحمل أي طابع عدائي، بل جاءت في إطار نقدٍ مشروع للسياسات الوطنية الخاصة بتوزيع الثروات.
وأكدت اللجنة أن تصريحات السيد جديع تندرج ضمن ممارسته لحقه الأساسي في حرية التعبير، وأنه ما كان ينبغي أن يُدان بسببها. ودعت السلطات الجزائرية إلى إسقاط الملاحقات القضائية بحقه، وتعزيز حماية حرية التعبير لجميع أعضاء مجلس الأمة الجزائري.
وقبيل صدور القرار، عقدت لجنة حقوق الإنسان للبرلمانيين يوم الأحد 19 أكتوبر 2025 جلسة استماع ضمن أشغال الدورة الـ151 المنعقدة في جنيف، شارك فيها السيناتور عبد القادر جديع ومدير منظمة شعاع لحقوق الإنسان السيد رشيد عوين، حيث قدّما عرضًا وافيًا حول الانتهاكات الدستورية والبرلمانية التي تعرّض لها السيناتور جديع، والملابسات السياسية والقضائية المحيطة بقضيته.
وفي المقابل، عقدت اللجنة جلسة استماع للوفد الرسمي الجزائري يوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025، حيث قدّم ممثلو السلطات الجزائرية مرافعة لتبرير الملاحقات القضائية التي استهدفت السيناتور عبد القادر جديع.
خلفية القضية
تتعلق القضية بالسيناتور عبد القادر جديع، عضو مجلس الأمة الجزائري المنتخب سنة 2019 عن ولاية ورقلة، والمقيم حاليًا في إسبانيا بعد اضطراره إلى الهجرة القسرية هربًا من الملاحقات القضائية والسياسية التي يتعرض لها منذ عام 2023، في انتهاكٍ صارخٍ لحقوقه الدستورية والبرلمانية المكفولة بموجب القانون الوطني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
تعود خلفية القضية إلى تصريحات أدلى بها السيد جديع خلال جلسة رسمية لمجلس الأمة بتاريخ 22 ديسمبر 2019، بحضور وزير الطاقة والمدير العام لشركة سوناطراك، حيث انتقد سوء التسيير وغياب العدالة في التنمية بمناطق الجنوب الجزائري، ودعا إلى إشراك السكان المحليين في القرارات المتعلقة باستغلال الغاز الصخري، وحماية البيئة، وضمان استفادة المنطقة من عائدات الضرائب البترولية، وتمكين شباب الجنوب من فرص العمل داخل الشركات النفطية.
ورغم أن هذه التصريحات جاءت في إطار مهامه البرلمانية وحقه الدستوري في الرقابة والتعبير السياسي، فقد فُتحت ضده متابعة قضائية بعد مرور أكثر من أربع سنوات على الواقعة، في خطوة تؤكد الطابع السياسي لهذه المتابعة.
انتهاك الحصانة البرلمانية
في 13 نوفمبر 2023، أصدرت المحكمة الدستورية الجزائرية قرارًا يقضي برفع الحصانة البرلمانية عن السيد جديع، دون احترام الإجراءات القانونية المنصوص عليها في النظام الداخلي لمجلس الأمة، خصوصًا المادة 125 التي تُلزم المجلس بعقد جلسة استماع للعضو المعني والتصويت العلني على القرار. وتُعدّ هذه الخطوة إجراءً تعسفيًا وغير دستوري، وتمثل مساسًا خطيرًا بمبدأ استقلال السلطة التشريعية.
وبعد يومين فقط من القرار، أصدر وكيل الجمهورية لدى محكمة تقرت أمرًا بمنع السيد جديع من مغادرة التراب الوطني، لتصدر المحكمة نفسها في 5 فبراير 2024 حكمًا يقضي بسجنه ثلاث (3) سنوات نافذة وتغريمه 500.000 دينار جزائري، استنادًا إلى المواد 96 و144 و146 و196 مكرر من قانون العقوبات، بتهمٍ تتعلق بـ«إهانة هيئة نظامية»، و«نشر تسجيلات تضر بالمصلحة الوطنية»، و«نشر أخبار من شأنها الإخلال بالنظام العام».
وترى منظمة شعاع لحقوق الإنسان أن هذا الحكم يشكّل انتهاكًا واضحًا لحرية التعبير والحصانة البرلمانية، ويؤكد تسييس القضاء واستعماله كأداة لإسكات الأصوات المنتقدة داخل المؤسسات الدستورية.
تصعيد خطير: طلب تسليم دولي
وفي تطور جديد وخطير، تلقى السيناتور عبد القادر جديع استدعاءً رسميًا من المحكمة الوطنية الإسبانية (Audiencia Nacional) بتاريخ 14 أكتوبر 2025، في إطار طلب تسليم رسمي تقدّمت به السلطات الجزائرية ضده. ومن المقرر أن تُعقد جلسة النظر في الطلب يوم 3 نوفمبر 2025 بمحكمة السلام في إل كامبيّو (Alicante – إسبانيا).
وتعتبر منظمة شعاع لحقوق الإنسان هذا الإجراء تصعيدًا خطيرًا وامتدادًا لحملة القمع والاضطهاد السياسي التي تستهدف الأصوات المستقلة والمنتقدة داخل الجزائر وخارجها.
كما تجدد منظمة شعاع لحقوق الإنسان دعوتها إلى إسقاط جميع الملاحقات القضائية ضد السيناتور عبد القادر جديع، وضمان سلامته القانونية والشخصية، ووقف تسييس القضاء في الجزائر، مع الامتثال التام للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
كما تؤكد المنظمة استمرارها في متابعة القضية على الصعيدين الدولي والقانوني، بالتنسيق مع الاتحاد البرلماني الدولي، والآليات الأممية، والمنظمات الحقوقية الدولية، لضمان حماية حرية التعبير واستقلال السلطة التشريعية في الجزائر.





تعليق واحد