كل مؤسسة إعلامية هي بالضرورة قادرة على إنتاج برامج لتعرضها على جمهورها وإلا حتماً سوف تلاقي مصيرها أم الإلغاء من خارطة الإعلام أو تقوم على استيراد البرامج، وهذا ما يُفسر بدايات البث التلفزيوني في العديد من دول العالم لا سيما في الشرق الأوسط، حيث كانت المؤسسات الإعلامية وهي التابعة للحكومات تستورد الكثير من البرامج إبتداء من برامج الرسوم المتحركة الموجهة إلى الأطفال وصولاً إلى برامج موجه للكبار.
إلا أن هذا العصر وهو عصر الإعلام بكل ما تعني الكلمة من معنى أصبح عندنا إنتاج العديد من البرامج ذات المحتوى المتميز والمتقدم مُقارنة في العهود السابقة.
طبعاً، هذا لا يعني أن كل الفئات الإجتماعية لا سيما الأطفال والشباب لهم برامج نوعية كافية تملأ العقل بما يدفع هذه الفئتين إلى الارتقاء، لا سيما مع وجود منافسات شرسة بين مختلف المؤسسات الإعلامية وبالخصوص المعاصرة متجاوزة لكل حدود القيم والمبادئ الأخلاقية التي تنسجم مع المجتمعات المؤمنة بمعتقداتها وثقافتها، وهنا يأتي دور الأسرة لوضع ضوابط لمعرفة ما يناسب مشاهدته.
بين الاستيراد والتقليد
قرن من الزمن أو يزيد وإستيراد البرامج التلفزيونية صفة تكاد تلازم العديد من المؤسسات ألإعلامية ولعلى يعود السبب في هذا الأمر إلى عدم وجود الكفاءات التي تمتلك القدرة على الإنتاج وتقديم محتوى.
لعل أكثر برامج الأطفال هي مستوردة كما هو في حقبة الثمانيات وما قبلها فنجد على برامج الأطفال كالقصص العالمية التي كانت تُعرض ومنها قصة أميرة البجع، مسلسل ليدي أوسكار، مسلسل سالي كل هذه الأعمال هي مستوردة وتم دبلجتها وعرضها على القنوات الرسمية. أم برامج الكبار فهنا نموذج بريطاني تم عرضه على قناة إلا بي سي اللبنانية “Take me out”
وتدور فكرة البرنامج على حضور عدد من الفتيات والتسابق على الفوز بقلب شاب والذي يقدم نفسه من خلال البرنامج بعيدة كل البعد عن معنى الحياة الزوجية وما لها من خصوصية.
هذا البرنامج الذي تلقى رواج في الأوساط الشبابية هو ذات طابع ترفيهي إلا أنه بكل تأكيد لا يُساهم في ارتقاء العقول.
هذه النوعية من البرامج المُقلدة والمستوردة من الغرب وما تم تسميتها في تلفزيون الواقع، هي من أكثر البرامج السلبية التي تؤسس إلى ترفيه يهدم ولا يُراكم الوعي كما ينبغي.
وللموضوعية شاهدت النسختين العربية والبريطانية لحلقة واحدة لكل منهما ولاحظة حجم التركيز على قيمة جسد الشاب وما يناله من نقد من قبل المتسابقات غير الراضيات عنه. وفي المقابل بقية الفتيات اللاتي قبلن به يتسابقن عبر أسئلة لا تحمل أي صفة أخلاقية وذلك من أجل أن تفوز إحداهن.
وبالعودة للسؤال، ما الذي يجعل المؤسسات الإعلامية لا تنتج برامج تتوافق مع المنظومة الثقافية والقيمية والمبدئية الأصيلة لنقدمها إلى العالم؟
الكفاءات الإعلامية الشبابية
منذ اللحظات الأول من ولادة عصر الأجهزة الذكية التي كان من أهم ما يميزها ربطها في شبكة الإنترنت وتقنية الشبكة اللاسلكية مما أحدث ثورة في عالم الاتصال والتواصل، مما أتاح فرصة ذهبية لكثير من الشباب من الجنسين في تقديم برامج ذات محتوى متقدم ومتميز على العديد من المؤسسات الإعلامية في مختلف حقول المعرفة حتى أصبحت قنوات عالمية تستضيف مُعديها، بل حتى تعرض عليهم اتفاقية عمل.
برنامج “سوار شعيب” ومقدمه الشاب الكويتي شعيب راشد وقد حقق نجاحات كبيرة، ثم انتقل إلى تقديم برنامج “برلمان شعب” بالتعاون مع قناة الجزيرة، برنامج “ضاد” برنامج “بود كاست حكاية” وكلاهما تابعنا إلى منصة متكاملة إسمها شاشا، بتقديم كل من نوف المضيان دانة العويصي كلاهما وشعيب الراشد نماذج شبابية كويتية قدمت وتُقدم لنا برامج ذات محتوى يحترم العقل البشري ويرتقي به.
وبكل تأكيد يوجد العديد من البرامج الشبابية على مختلف المنصات سواء كانت خاصة كما هو في منصة شاشا أو منصات التواصل الاجتماعي، ثمة تحديات تواجه هذا الجيل المعطاء الذي لم يحصل على الدعم الرسمي لا على مستوى الاحتواء ولا حتى الدعم المالي وليس فقط النماذج المذكورة التي تطال العديد من صُناع البرامج ذات المحتوى المتميز.
أشير عن بعض التحديات التي تواجه صُناع البرامج منها مواكبة التغييرات التقنية التي قد تفرض على معدي البرامج أنماط معينة ليس بالضرورة يرغبون فيها، القدرة على تجديد البرامج من خلال التنوع الجغرافي للضيوف حيث إن هذا الأمر يُشكل عبئ مالي، الحاجة للتدريب والتطوير في أداء الحوار باعتباره ركيزة أساسية في أغلب البرامج.
ليس الإعلام وبرامجه مرتكزة فقط على قضايا الساعة وما يرتبط بها من حوارات على مدار 24 ساعة، بل إنه أيضا وسيلة ترفيهية معاصرة إنما من الأهمية ألا نقبل في مفهوم المتعة السلبية باعتبارها قيمة إقتصادية دون الاكتراث إلى الآثار التي تدعم البرامج التي تقف بالضد من نمو الوعي والتقدم الأخلاقي.
إنها دعوة لي أولاً ثم الزملاء الصحفيين بأن يستفيدوا من التقدم التقني من أجل إنتاج برامج ذات محتوى متميز ونعيش اليوم وفرة مُتمددة ومتنوعة يمكن لنا أن نقدم الكثير عما عجز الإعلام التقليدي عن القيام به.
موقع التواصل الإجتماعي “يوتيوب ” والذي يُعد اليوم سوق إعلامي رائج وقوة اقتصادية واعدة، نموذج من العديد من المنصات التي تتيح المجال للجميع لنشر أعمال قادرة على صناعة تأثير إيجابي في العقل البشري.