تتحرك مدريد بخطى واثقة لقيادة تحول أوروبي جديد يهدف إلى إنهاء العمل بنظام التوقيت الصيفي الذي اعتبرته الحكومة الإسبانية ممارسة “عفا عليها الزمن” لا تتلاءم مع وتيرة الحياة الحديثة.
رئيس الوزراء بيدرو سانشيز أعاد إشعال النقاش الذي ظل مؤجلاً منذ سنوات داخل الاتحاد الأوروبي، معلناً عزمه طرح ملف إلغاء تغيير الساعة على المجلس الأوروبي، معتبراً أن الإبقاء على هذا النظام الموسمي “لم يعد له مبرر واقعي ولا مردود اقتصادي واضح”.
وترى الحكومة الإسبانية أن المبررات التي كانت تُستخدم لتبرير تقديم الساعة في الربيع وتأخيرها في الخريف، والمتمثلة أساساً في ترشيد استهلاك الطاقة، أصبحت متجاوزة في زمن التكنولوجيا الحديثة وأنماط العمل الرقمية.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن هذا التغيير الدوري للوقت يسبب اضطرابات في النوم ويؤثر على الصحة العامة ويخل بالإيقاعات البيولوجية للإنسان، مما يجعله عبئاً أكثر منه فائدة.
وزير الرئاسة الإسباني فيليكس بولانيوس أوضح أن المقترح سيُعرض ضمن رؤية مرنة داخل المجلس الأوروبي، بحيث يُترك للدول الأعضاء حرية اختيار البقاء على التوقيت الصيفي أو الشتوي بشكل دائم، مؤكداً أن الهدف هو “بناء توافق أوروبي متزن بدل فرض قرار أحادي”.
وتستند مدريد في موقفها إلى ثلاثة مرتكزات رئيسية: رغبة الأغلبية الشعبية في الإلغاء، غياب أي فائدة ملموسة في تقليص استهلاك الطاقة، وتزايد الاعتراف العلمي بالأضرار الصحية المرتبطة بتغيير الساعة.
الإحصاءات الأوروبية تؤكد هذا التوجه الشعبي، إذ أظهر استفتاء موسع للاتحاد الأوروبي عام 2018 أن نحو 84% من المشاركين أيدوا إنهاء التغيير الموسمي، فيما كشفت استطلاعات محلية أن ثلثي الإسبان يفضلون اعتماد توقيت موحد على مدار العام، في إشارة واضحة إلى أن الوعي الجمعي تجاوز منطق السياسات القديمة.
ويعتبر التوقيت الصيفي، الذي تبنته أوروبا عام 1980 بعد أزمة النفط بهدف تقليل استهلاك الطاقة عبر الاستفادة من ضوء النهار، أحد أبرز السياسات التي تعكس التناقض بين منطق الاقتصاد والطبيعة البشرية، حيث أظهرت الأبحاث أن اضطراب الإيقاع الزمني يؤدي إلى زيادة التوتر وانخفاض التركيز وربما ارتفاع معدلات الحوادث خلال أيام التحول الزمني.
وفي حين تنشغل العواصم الأوروبية بالتحضير لتأخير عقارب ساعاتها نهاية هذا الأسبوع، تبرز إسبانيا بموقفها الريادي وهي تدعو إلى وقف هذه “العادة الزمنية القديمة” نهائياً، في خطوة يرى مراقبون أنها تحمل أبعاداً تتجاوز الجانب التقني إلى رؤية سياسية واجتماعية جديدة أكثر انسجاماً مع متطلبات الإنسان المعاصر.
أما في المغرب، فيُتابع الرأي العام والنخب النقاش الأوروبي باهتمام، خصوصاً أن المملكة تبنت التوقيت الصيفي الدائم منذ سنوات وسط جدل واسع وانتقادات متكررة حول تأثيره على الراحة البيولوجية للمواطنين.
ويرى محللون أن أي تحول أوروبي رسمي نحو إلغاء هذا النظام قد يشكل فرصة أمام المغرب لإعادة تقييم سياسته الزمنية، بما ينسجم مع التحولات الاجتماعية والإنتاجية الجديدة ويعيد الانسجام بين الساعة الرسمية والساعة البيولوجية للمجتمع.
وبينما تتهيأ أوروبا لمراجعة علاقتها بالزمن، تبرز إسبانيا في موقع القيادة وهي تعلن بوضوح أن “الزمن الحديث يحتاج إلى عقل جديد”، وأن الساعة لم تعد مجرد مؤشر وقت، بل انعكاس لوعي سياسي وصحي يتجاوز منطق العادة إلى منطق الإنسان.





تعليق واحد