يولاندا ألفاريز من الصحافيات اﻹسبانيات المتميزات اللائي بصمن إسمهن في ذاكرة اﻹعلام والصحافة بشبه الجزيرة الأيبيرية، ولدت ألفاريز في برجاسوت( فالنسيا )عام 1974 درست الصحافة والإعلام وبدأت العمل مع التليفزيون الإسباني وبعد سنوات قليلة في العمل مع التلفزيون في قطاع التواصل، التحقت عام 2007 بقناة TVE الإسبانية الدولية بمدريد وكانت بمثابة النافذة التي أطلت منها للولوج الى العالمية.
وكانت من الصحافيات اللواتي ركبن أمواج وأهوال مهنة المتاعب من خلال تغطيتها لعدد من الأحداث الدولية خاصة بالمنطقة العربية من خلال تغطيتها اﻹعلامية الحية لثورات الربيع العربي في كل من تونس واليمن وتغطيتها ﻷزمة اللاجئين في ليبيا خلال الحرب إضافة إلى عملها مراسلا في الشرف الأوسط لمدة أربع سنوات، حيث كانت مراسلة حربية بقطاع غزة مابين 2012 و 2014 لتغطية العدوان الإسرائيلي على القطاع وكانت يولاندا بمثابة الصوت الإعلامي الغربي الذي نقل الحقيقة عما يجري من عدوان إسرائيلي دموي على الشعب الفلسطيني المحاصر بقطاع غزة .
حصلت يولاندا على عدة جوائز وذلك تقديرا لعملها الصحافي كجائزة حرية التعبير وجائزة حقوق الإنسان وجائزة توريا عن أفضل مساهمة إعلامية.
منذ عام 2015، تعمل مراسلة في برنامج En Portada، حيث تواصل ممارسة الصحافة الإنسانية ببعدها الدولي خدمة للإنسان بدون أي صبغة مذهبية أو دينية أو أيديولوجية، فاز تقريرها بعنوان عبيد داعش، عن الإبادة الجماعية للأيزيديين، بأفضل تقرير صحافي بجائزة مهرجان هامبورغ عام 2017. وتقرير السجين 151/716، عن التعذيب في سجن أبو غريب، بجائزة غولدن الذهبي في حفل جوائز كان عام 2019.
في صيف عام 2019 عاشت الصحافية يولاندا ألفاريز مع المصور الصحافي خواكين ريلانيو، مايقرب من شهر مع المئات من المهاجرين واللاجئين الحالمين الى الوصول الى الضفة الشمالية وفي سرد أصعب مهمة لسفينة الإنقاذ Open Arms.
والتي ترجمتها الصحافية يولاندا من خلال كتابها الأخير Náufragos sin tierra, وذلك في سرد لهذه التجربة الدرامية التي عاشتها يولاندا بأهوالها وأخطارها وبأفراحها وأتراحها.
في هذا الحوار الحصري تقدم لنا الصحافية يولاندا ألفاريز لمحات عن تجربتها في سفينة الإنقاذ من خلال كتابها المنبوذون بلا أرض وعن واقع الصحافة العربية ما بعد الربيع العربي كما ستحدثنا عن واقع المهاجرين واللاجئين في أوروبا في ظل تنامي خطاب اليمين المتطرف.
عندما قرأت ملخصا من كتابك الجديد منبوذون بلا أرض لمست فيها بصمة صحفية ذات بعد إنساني وحضاري من خلال قضية اللاجئين والمهاجرين، ما هو الدافع الاساسي والحقيقي الذي دفعك إلى كتابة هذه التجربة من خلال كتابكم الأخير؟
في صيف عام 2019 على متن سفينة الإنقاذ Open Arms عشت إحدى أهم التجارب الصحفية في حياتي والتي تعلمت منها الكثير، في ذلك الوقت، كان العالم بأسره قادرًا على معرفة ما كان يحدث في البحر الأبيض المتوسط وذلك بفضل حقيقية أن فريق التلفزيون الإسباني (TVE) كان على متن تلك السفينة الإنسانية، يروي يومًا بعد يوم ما كان يحدث وينقل قصص الأشخاص الذين تم إنقاذهم. لكن دراما الهجرة هذه مستمرة فكل يوم لدينا أخبار عن قوارب مليئة بالناس والذين يحاولون الوصول إلى أوروبا والتي تبدو بعيدة بشكل متزايد، وكم عدد الأشخاص الذين غرقوا في وسط البحر دون أن نعلم بذلك، لقد أصبح البحر الأبيض المتوسط قبراً كبيراً، به مئات، وربما الآلاف من المنبوذين المجهولين. لهذا أردت أن أجمع قصص أولئك الذين نجوا من تلك المأساة، مع سرد معاناتهم، وآلامهم، حتى يعرف المجتمع الإنساني المواقف التي مروا منها ولماذا فروا من بلدانهم الأصلية، ولماذا يخاطرون بحياتهم في البحر للوصول إلى أوروبا، بحيث لا يستطيع أحد أن يقول إننا لا نعرف ما يحدث، ولا يمكن لدول الشمال أن تكون محصنة ضد كل هذه المعاناة.
في مقدمة كتابك بدأت بمثل عربي يقول أن الحياة لا تجلب لك كل ما تستطيع تحمله.
هل استعمالك لهذه الحكمة العربية هو نتاج لتجربتك الصحفية بالمنطقة العربية خلال عملك كمراسلة في عدد من بلدان الربيع العربي؟
كانت أول تغطية صحفية لي في العالم العربي بالعراق، وذلك خلال انتخابات 2010 وفي العام التالي كنت أروي واسرد انتفاضة الربيع العربي في كل من تونس على الحدود مع ليبيا واليمن، وفي العاصمة التونسية تعلمت كلمة “الحرية” بالعربية حقيقة كنت أعلم هذا المثل العربي لسنوات من قبل، لكن أحب الاقتباسات والأقوال والأمثال الأدبية لأنها انعكاس للحكمة الشعبية، لكن عندما تعرفت على قطاع غزة، في فلسطين، خلال السنوات الأربع التي أمضيتها كمراسلة في الشرق الأوسط، ورأيت كل ما يتعين على الفلسطينيين الذين يعيشون هناك وتحملهم المعاناة يومًا بعد يوم، فإن هذا المثل اختصر كل هذه المعاناة، وبعد سنوات عندما كنت على متن سفينة Open Arms سمعت القصص المؤلمة للأشخاص الذين أنقذوا من هذه السفينة الإنسانية، وتذكرت المثل العربي مرة أخرى. ويمكن أن تجلب لنا الحياة ألمًا لا يمكن أن نتصوره، لكنني أردت أيضًا أن أسلط الضوء على قدرة البشر للتغلب على التجارب الصعبة والقتال من أجل المضي قدمًا إلى الأمام.
خلال عملك مراسلة للتلفزيون الإسباني في غزة بفلسطين خلال العدوان الإسرائيلي ما بين 2012 و2014 هل كانت هذه التجربة بالنسبة لكم دافعا أيضا إلى كتابة منبوذون بلا أرض؟
صراحة لطالما رغبت في تأليف كتاب عن غزة، لأن الحرب التي غطيتها في 2014 كانت أصعب شيء عشته في حياتي المهنية حتى أنني عدت إلى غزة وسجلت ملاحظات لكتابة بعض القصص. لكنني لم أجد الوقت أو المناسبة أبدًا. ومع ذلك، عندما كنت على متن السفينة Open Arms، اتصلت بي زميلتي الصحافية وصديقتي الراحلة، أليسيا غوميز مونتانو، لتخبرني أن هناك ناشرًا مهتمًا بفكرة الكتاب ونشره، لكن لم تتمكن أليسيا من رؤيته لأن حياتها انتهيت في يناير من هذا العام. لهذا السبب أهديها لها، لأن ذكراها وسحرها هو الذي جعل هذا الكتاب ممكنا، لقد كان لدي ناشر على استعداد لنشره، ويمكنني أن آخذ إجازة لبضعة أشهر من العمل، وفوق كل شيء كان لدي بعض القصص التي تستحق أن تُروى وتُقرأ كان الأمر بالنسبة لي تحديًا كبيرًا، لأنني لم أكتب كتابًا من قبل، لا أستطيع أن أقول لا.
وأعتقد أنه أراد الدفاع أكثر من الهجوم، على الرغم من أنني لا أعرف ما إذا كانت كلماته صحيحة.
ما هو تقييمك لواقع الصحافة العربية في بلدان الربيع العربي؟ والتي عرفت أغلبها نكسة ديمقراطية
حقيقة لم أتمكن من العودة إلى البلدان التي عاشت ما يسمى بالربيع العربي، فقط إلى مصر التي عانت بعد انقلاب السيسي من نكسة ونكبة واضحة في الحقوق والحريات يُسجن الصحافيون والمصورون بسبب قيامهم بواجبهم المهني وبشكل عام، لا يتمتع الزملاء المهنيون الذين أعرفهم والذين يعملون في العالم العربي بالحرية الكاملة واللازمة في ممارسة مهنتهم.
بداية ثورات من عام 2010، بالتحديد كانت المطالبة مزيدًا من الحرية والديمقراطية، ومعظم المجتمعات العربية لم تحقق تقدمًا في أي من الجانبين.
كيف تنظرين إلى مستقبل العولمة في ظل جائحة كوفيد 19 ؟
إن الجائحة الحالية تبين لنا بالملموس ثمن وجود اقتصاد معولم، عندما تصبح الصين والدول الآسيوية الأخرى “ورش للعمل” أو موردي الإمدادات والمواد الخام للصناعات في بقية العالم، فهذا يعني أنه إذا توقفت هذه الدول، فإن اقتصادنا لا يعمل أيضًا. أعتقد أنه يجب علينا مراجعة نماذج الإنتاج وأن كل دولة قادرة على تزويد نفسها بالسلع الأساسية من ناحية أخرى، أظهر لنا الفيروس أيضًا أنه لا توجد حدود، وأننا بحاجة إلى حلول عالمية لمشاكل العالم الكبرى، أينما حدثت، ويجب أن نكون أكثر دعمًا وأن نتعاون في البحث عن حلول ناجعة تخدم الإنسانية جمعاء، ويجب أن يكون هذا هو الدرس الأساسي الذي يجب الاستفادة منه من هذه الجائحة، لكنني لست متأكدة تماما من أننا سنخرج من هذا بالدرس بالاستفادة ما.
كيف تنظرين إلى التطور السريع للوسائط الإعلامية حيث تنتفي كل الحدود في مواقع التواصل الاجتماعي؟
يجب أن تتطور وسائل الإعلام وتتكيف مع الواقع المتغير، وأن تعرف كيفية الاستجابة لاحتياجات المجتمع من المعلومات في جميع الأوقات. ولكن حتى لو حاولنا دائمًا الحصول على هذه المعلومات في أسرع وقت ممكن، يجب ألا ننسى أن الصحافة يجب أن تقدم دائمًا أدلة تسمح لنا بتحليل وفهم ما يحدث بشكل أفضل من خلال عدة معطيات، اضافة الى أننا نحتاج إلى صحافة تستجيب فورًا، ولكن أيضًا صحافة عاكسة تجعلنا نفكر ونفهم الواقع بشكل أفضل وأوضح وأشمل.
ماهو تقييمك للعلاقات المغربية الإسبانية على المستوى الإعلامي والثقافي ؟باعتبار التداخل التاريخي والحضاري بين البلدين وبسبب هذا الواقع الجغرافي الموجود بمضيق جبل طارق
المغرب وإسبانيا دولتان جارتان، قريبتان جدًا من بعضهما البعض ولا يفصل بينهما سوى امتداد ضيق من البحر ومع العديد من الأشياء المشتركة. فهما أول بلدان يمران عبر القارة، كلاهما يشتركان في تدفق هجرة الأشخاص الذين، في الغالب، لا يريدون البقاء في المغرب أو إسبانيا، ولكن يجب عليهم الذهاب إلى هناك لتحقيق أفضل حياة يسعون إليها. بالنسبة للمجتمع المغربي، ربما تكون اللغة الإسبانية هي أكثر ما يعرفونه عن أوروبا. وبالنسبة للإسبان، فإن المغاربة هم أشهر وأكثر العرب الذين يعرفونهم بحكم الواقع الجغرافي والتاريخ المشترك، وأعتقد أنه كدول متوسطية لها ماض مشترك، لدينا العديد من العناصر الثقافية التي توحدنا أكثر مما تفرقنا.
هل يمكن أن نرى في المستقبل القريب نسخة عربية من كتابك منبوذون بلا أرض ؟
أود أن يكون الأمر كذلك، لأن معظم الأشخاص الذين تم إنقاذهم من قبل Open Arms يتحدثون العربية وسأحب ذلك لو كانوا يستطيعون قراءتها بالعربية لكنني بصراحة أرى الأمر معقدًا قليلا، لأنني لا أعرف ما إذا كان هناك طلب كاف من العالم العربي لجعل النسخة العربية مربحة بالنسبة للناشر، لقد كنت أدرس اللغة العربية منذ بضع سنوات، إنها لغة جميلة وأحبها ولكني لا أمتلك المعرفة لأدرس بها الأدب فأنا أدافع عن نفسي بها فقط من خلال محادثات بسيطة.
ما هو المشهد الإنساني الذي لا يزال مبصوما في ذاكرتك حتى الآن؟
لدي العديد من المشاهد التي أعتقد أنني لن أنساها أبدًا، في كتابي أروي عدة فصول مؤلمة ومؤثرة كنا نعيشها على متن السفينة Open Arms، وفي ذلك الانتظار الأبدي للسماح لهم بالنزول، والذي لم يكن يجب أن يستمر طويلًا، لأنهم كانوا أشخاصًا عانوا كثيرا الويلات في ليبيا وكانوا بحاجة إلى النزول من السفينة في أسرع وقت ممكن و إلى ملاذ آمن. حقيقة كانت أيام انتظار قاسية ومؤلمة، لازلت أتذكر إحدى ليالي العاصفة والممطرة عندما هزت الأمواج السفينة وكانت هناك لحظة فارقة بين الحياة والموت وخشيت فيها على حياتنا وكذلك لحظات يأس، مع نوبات من القلق، والبكاء دون عزاء … لكنني أفضل أن أبقى مع دموع الفرح للناس الذين تم إنقاذهم عندما علموا أنهم سينزلون في تلك الليلة، أتذكر اللحظة التي دخلت فيها السفينة أخيرًا إلى ميناء جزيرة لامبيدوزا، وهي صورة حاول وزير الداخلية الإيطالي آنذاك ماثيو سالفيني تجنبها بأي ثمن، لكن أخيرًا، أجبره القضاء الإيطالي على الامتثال للقانون الدولي والبحري، واضطر في نهاية المطاف إلى قبول رسو السفينة في لامبيدوزا، وهي جزيرة كنا نراقبها من القارب على ارتفاع 700 متر لمدة أسبوع لكنه لم يكن في متناول المهاجرين واللاجئين الذين تم إنقاذهم.
كلمة أخيرة
على الرغم من أن بعض الحكومات تحاول تجريم المنظمات الإنسانية غير الحكومية المكرسة للإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط، فإن العدالة تتفق شيئا فشيئا وبشكل تدريجي مع المنظمات الإنسانية عندما يكون هناك أشخاص في وضع خطر يمكن أن تغرق بهم قواربهم في عرض البحر، وجوهر العدالة تتفق في إنقاذهم ونقلهم إلى أقرب ميناء آمن.
ليبيا ليست ملاذا آمنا، إنها دولة فاشلة وهي في حالة حرب. ولا تقوم السفن الإنسانية إلا بأعمال الإنقاذ التي يجب على الدول الأوروبية القيام بها. والحل العاجل كما جاء على لسان هورتينسيا أحد أبطال الكتاب “لقد قتل البحر بالفعل الكثير منا”.