تتجه الاستثمارات الإماراتية بقوة نحو الأقاليم الجنوبية للمملكة، في خطوة وُصفت بأنها منسقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتندرج ضمن دينامية سياسية واقتصادية تعترف بمغربية الصحراء وتترجم هذا الاعتراف إلى مشاريع ميدانية ذات طابع استراتيجي.
فقد كشفت تقارير عن ملامح تحالف استثماري جديد يلوح في الأفق بين أبوظبي وواشنطن لتمويل مشاريع كبرى في الصحراء المغربية.
ووفق المصدر ذاته، تستعد دولة الإمارات للدخول في شراكة مع مؤسسة التمويل الدولية للتنمية الأمريكية (DFC)، إلى جانب شركات أمريكية خاصة، من أجل الاستثمار في المنطقة، على أن يواكب هذا التوجه أيضًا بنك التصدير والاستيراد الأمريكي (EXIM)، الذراع المالية للحكومة الأمريكية، ما يعكس ثقلًا سياسيًا ومؤسساتيًا غير مسبوق لهذا المسار الاستثماري.
ويهدف هذا التوجه، بحسب المعطيات المتوفرة، إلى إطلاق مشاريع مشتركة قطاعية ذات بعد استراتيجي، مع تأمين الاستثمارات على المدى المتوسط والبعيد. وتراهن أبوظبي على نموذج الشراكات المندمجة بدل الاستثمارات المنفردة، بما يضمن حضورًا اقتصاديًا قويًا ومستدامًا، خاصة في مجالات الطاقات المتجددة والبنيات التحتية الكبرى، وفي مقدمتها مشروع ميناء الداخلة الأطلسي.
تمهيد أمريكي محسوب
تحول الإمارات إلى أول مستثمر أجنبي في المغرب خلال سنة 2024 لم يكن خطوة معزولة عن السياق الدولي. فاختيارها العمل إلى جانب واشنطن في الصحراء المغربية يعكس تقاطعًا واضحًا بين الاعتراف السياسي الأمريكي بمغربية الإقليم، الذي أُعلن خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب، وبين تنزيل هذا الموقف عبر أدوات التمويل والتنمية.
وفي هذا السياق، حصلت مؤسسة DFC مؤخرًا على موافقة رسمية من السلطات الأمريكية لدعم مشاريع استثمارية في الأقاليم الجنوبية، وهو ما تم تأكيده من قبل نائب وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لاندو، عقب لقائه بوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، بنيويورك في 25 شتنبر الماضي، على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما صرّح مسعد بولوس، المستشار الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون إفريقيا، خلال ندوة صحفية بواشنطن، بأن الولايات المتحدة تشجع وتدعم الاستثمارات الأمريكية في المغرب بكامل ترابه، بما في ذلك الصحراء، مؤكّدًا أن مؤسسات التمويل الأمريكية، وعلى رأسها DFC وEXIM، ستوفر الغطاء المالي اللازم لإنجاح هذه المشاريع.
من الاعتراف السياسي إلى التموقع الاقتصادي
ما يجري اليوم في الصحراء المغربية يتجاوز منطق الاستثمار التقليدي، ليعكس انتقال ملف الصحراء من دائرة التجاذب الدبلوماسي إلى فضاء التموقع الاقتصادي الدولي. فدخول الإمارات والولايات المتحدة بثقلهما المالي والمؤسساتي يمنح الأقاليم الجنوبية مكانة جديدة كمنصة إقليمية للاستثمار الإفريقي والأطلسي.
كما أن هذا التوجه يعزز مقاربة المغرب القائمة على ربط السيادة بالتنمية، وتحويل الصحراء إلى فضاء جذب اقتصادي بدل بقائها موضوعًا للنقاش السياسي المجرد. ويُلاحظ أن هذا الحراك لا يقتصر على محور أبوظبي–واشنطن، إذ سبق لشركات فرنسية وإسبانية عمومية أن أبدت اهتمامها بالاستثمار في المنطقة، ما يعكس اتساع دائرة القناعة الدولية بجدوى الاستقرار والتنمية في الصحراء المغربية.
ويأتي هذا المسار امتدادًا لإعلان الشراكة الاستراتيجية الموقّع بين الملك محمد السادس ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في 4 دجنبر 2023 بأبوظبي، والذي وضع أسس تعاون مبتكر ومتجدد بين البلدين، يقوم على الاستثمار المشترك والرؤية طويلة الأمد.
في المحصلة، تبدو الصحراء المغربية مقبلة على مرحلة جديدة، عنوانها الانتقال من ملف سياسي حساس إلى رافعة تنموية إقليمية، مدعومة بتحالفات دولية وازنة، تعيد رسم خريطة الاستثمار والنفوذ في شمال وغرب إفريقيا.




