كانت لتصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن الصدى الكبير في الأوساط السياسية محليا ودوليا، فقد دق ناقوس الخطر في ما يخص مآل العملية السياسية بالولايات المتحدة الأمريكية و الخوف من إنزلاقها إلى ما لا تحمد عقباه.
فقد أصبحت الشعبوية تهدد التمرين الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، و تضعه على شفا حفرة من السقوط في حافة الفوضى و العنف و حتى الاقتتال الداخلي، و ربما تفكك أمريكا على غرار ما حدث مع الاتحاد السوفياتي في التسعينات إبان سقوط جدار برلين.
جوبايدن يتهم بشكل مباشر الحزب الجمهوري بممارسة الإرهاب السياسي و الشعبوية، و انه يتبنى الخطاب الذي يدعو إلى العنف و الكراهية و إلغاء الآخر و العرقية و العنصرية، و قد صار مؤيديه يشكلون تهديدا على السلم المجتمعي والأمن و السلام بالولايات المتحدة الأمريكية.
و تعتبر غزوة الكابيتول القشة التي عرت عن ذلك التباين في الرؤى و الاستراتيجيات و التوجهات في ما يخص السياسات العامة، والخاصة للولايات المتحدة الأمريكية بين الجمهوريين و الديمقراطيين.
الحروب الأهلية ،تحدد مسار الأمم نحو تحقيق النموذج الأمثل للتساكن بين مكونات المجتمع نفسه، و تعتبر المنعطف، الذي يؤدي إلى تلك النقلة النوعية في مسار الأمم، نحو إرساء دعائم نظام اجتماعي أساسه العدل، و قد لعبت الحرب الأهلية الأمريكية ذلك الدور بامتياز، بحيث أرست أسس نظام سياسي و اجتماعي راق إلى حد ما في الممارسة الديمقراطية، كان التدرج السمة الغالبة على هذا النموذج السياسي، تدرج زاد من إعطاء تلك التجربة اشعاعا عالميا، حتى أصبح الحلم الأمريكي، غاية في حد ذاته لدى كثير من شباب العالم و الحالمين بمستوى معيشي أفضل و مستوى من الحقوق والحريات أرقى و إتاحة الفرص أمام الشباب و الاستثمار في الإنسان بجعله محور كل تقدم.
إستفادت الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الحرب العالمية الثانية من القدرات العلمية و الفكرية التي حلت بأمريكا ،في أكبر عملية استقطاب، طالت القدرات العلمية و الفكرية و الأدبية و المؤهلين في كل الاختصاصات من أوروبا و آسيا و افريقيا، مما أدى إلى خلق إضافة نوعية، أعطت ثمارها و زكت النموذج الأمريكي على كل الأصعدة، سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و فنيا و رياضيا و علميا بتشجيع العلم و البحث العلمي.
طرحت، معظم القضايا المجتمعية و السياسية و الحقوقية، طوال زمن هذا التمرين الديمقراطي على مراحل، و قد استطاعت النخب السياسية من إيجاد حلول و سن تشريعات جديدة و وضع قوانين تكون في مستوى اللحظة التاريخية و تزيد التجربة الديمقراطية قوة و صلابة من حيث الممارسة، و لم تكتمل أركان هذه التجربة إلا مع صدور القانون المدني للحقوق والحريات العامة بصيغته الجديدة و ذلك تلبية لمطالب الأقليات العرقية و حركة السود الأمريكية.
قبيل الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي، جاءت الخرجة الإعلامية للرئيس جوبايدن ،لتدق ناقوس الخطر الذي أصبح يهدد هذا التمرين الديمقراطي، و قد هاجم بشكل صريح الحزب الجمهوري و اتهم مناصريه بممارسة الشعبوية و الترهيب السياسي و الخروج عن أعراف الممارسة الديمقراطية، كما اتهم الرئيس ترامب و أنصار الترامبية بالإرهاب مباشرة. كما اتهمهم بتبني خطاب الكراهية و الإقصاء و العرقية و العنصرية و التشدد في ما يتعلق بالحريات الفردية و الإجهاض و قضايا أخرى آنية.
و تعتبر غزوة الكابيتول القشة التي عرت عن ذلك التباين في الرؤى و الاستراتيجيات و التوجهات في ما يخص مآل العملية السياسية بالولايات المتحدة الأمريكية ،و ذلك في ما يخص السياسات العامة، ان على الصعيد الداخلي أو ما تعلق بالسياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، و خصوصا الشراكات الاقتصادية والتجارية و العسكرية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية مع دول العالم، بالخصوص الدول الأوروبية و العالم العربي و الافريقي و دول آسيا و دول أميركا اللاتينية.
و هذا التباين بدأ يكبر و يتنامى و يصبح جليا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، خصوصا في ما يتعلق بالسياسات الداخلية و الخارجية معا. فعلى الصعيد الداخلي، أصبحت الاسلاموفوبيا شماعة لقمع الحريات العامة والخاصة و حرية الرأي و حرية المعتقد، كما تنامى الحس الوطني العنصري اتجاه المختلف و صار شعار أمريكا أولا America first يلقى تجاوبا و له قاعدة شعبية و أنصار كثر.
على المستوى الخارجي تنامى الهاجس الأمني من الآخر و أصبح شعار: من ليس معنا فهو ضدنا . شماعة للتدخلات العسكرية في كل مكان بدعوى محاربة الإرهاب والتطرف الديني و نشر قيم ومبادئ الديمقراطية الغربية. و قد كانت المنطقة العربية هي المستهدف الرئيسي في ما يخص محاربة الإرهاب والتطرف الديني و كانت مسرحا للفوضى الخلاقة و التدخلات العسكرية و الاحتراب الداخلي في ما بين الفرقاء السياسيين ذوي النزعات الايديولوجية المختلفة.
غزوة الكابيتول تنبئ بذلك الشرخ الكبير و الذي بدأ في الاتساع للجبهة الداخلية المجتمعية للولايات المتحدة الأمريكية، عادت هواجس الحرب الأهلية الأمريكية لتطفو على السطح من جديد، صراع بين فكر الحزب الجمهوري الليبرالي اليميني المتطرف الذي يقدس التفوق العرقي و يتبنى اقتصاد السوق و الليبرالية المتوحشة بوجهها القبيح، و بين فكر الحزب الديمقراطي اليساري الشيوعي كما يبدو واضحا.
صراع بين الليبراليين الجدد و الشيوعيين الجدد في أمريكا. صراع على السلطة إلى حد وضع المجتمع الأمريكي على شفا حرب أهلية و نقض عرى التجربة الديمقراطية و التداول السلمي على السلطة بين الجمهوريين و الديمقراطيين. صراع يهدد الوحدة الوطنية و القومية للولايات المتحدة الأمريكية و يضع البلاد في مفترق الطرق.