إقتصادتقارير
أخر الأخبار

المغرب.. يرسخ ريادته في الطاقات المتجددة ويستعد لتصدير نصف احتياجات أوروبا

بين الطموح الاقتصادي والتوازن الجيوسياسي

في غضون خمس سنوات فقط، نجح المغرب في رفع قدرته من الطاقات المتجددة من نحو 3950 ميغاواط سنة 2020 إلى أكثر من 6000 ميغاواط سنة 2025، أي بزيادة تفوق 53%، لترتفع مساهمة الطاقات النظيفة من 20% إلى حوالي 37% من الإنتاج الكهربائي الوطني..

ويُعدّ القطاع الشمسي المحرك الأبرز لهذا النمو، حيث تضاعفت قدرته إلى 1700 ميغاواط عبر مشاريع كبرى مثل “نور ميدلت” ومحطات فوتوفولطايية جديدة في ورزازات والعيون وبوجدور، فيما عززت الطاقة الريحية موقعها بـ2200 ميغاواط من خلال محطات في طرفاية وتازة والصويرة، بينما استقرت الكهرومائية في حدود 1800 ميغاواط.

ورغم أن الاعتماد على المحروقات ما زال قائماً بنسبة 55%، إلا أن هذه القفزة قلّصت تدريجياً من هيمنة الفحم والغاز على المنظومة الكهربائية.

ويستند المغرب إلى موقعه الجغرافي المتميز الذي يجمع بين وفرة الشمس وقوة الرياح، إضافة إلى الربط الكهربائي مع إسبانيا والمشاريع المستقبلية مع البرتغال، مما يعزز طموحه في لعب دور منصة تصدير نحو أوروبا.

وقد أكد وزير الصناعة والتجارة رياض مزور أن المملكة تملك اليوم إمكانات تؤهلها لتغطية ما يصل إلى نصف الطلب الأوروبي على الكهرباء، أي ما بين 1600 و1700 تيراواط/ساعة سنوياً.

كما أن “عرض المغرب” للهيدروجين الأخضر استقطب أكثر من 40 مشروعاً استثمارياً، خاصة في الأقاليم الجنوبية التي تُتوقع أن تصبح مراكز رئيسية لإنتاج وتصدير هذه الطاقة الجديدة. وبحلول 2030، يراهن المغرب على بلوغ 52% من مزيج كهربائي متجدد، بفضل مشاريع كبرى قيد الإنجاز مثل “نور ميدلت 2” ومركب بوجدور 2، إلى جانب وحدات للهيدروجين الأخضر في كلميم والداخلة.

هذه الدينامية تعزز السيادة الطاقية للمملكة وتؤكد مكانتها كأحد النماذج البارزة في الانتقال الطاقي الإفريقي، وشريك استراتيجي لأوروبا في مسارها نحو الحياد الكربوني.

قفزة المغرب في مجال الطاقات المتجددة خلال خمس سنوات فقط تكشف عن رؤية استراتيجية تتجاوز الأرقام التقنية إلى رهانات أوسع ترتبط بالسيادة الطاقية والتموقع الجيوسياسي. فالمملكة، التي تستورد أكثر من 90% من حاجتها من المحروقات، تدرك أن أمنها الطاقي ليس مسألة اقتصادية فقط، بل مسألة وجودية مرتبطة بالاستقرار الداخلي ومكانتها الدولية.

ومن خلال توسيع قاعدة الطاقات الشمسية والريحية، مع الاحتفاظ بالكهرومائية كعنصر استقرار، تسعى الرباط إلى تقليص المخاطر الناتجة عن تقلبات السوق العالمية للنفط والغاز، خصوصاً في ظل الأزمات الجيوسياسية المتلاحقة من حرب أوكرانيا إلى النزاع في الشرق الأوسط، حيث تحولت الطاقة إلى أداة ضغط واستقطاب.

التحليل يوضح أيضاً أن المغرب لا ينظر إلى الانتقال الطاقي كعملية بيئية فحسب، بل كاستثمار في النفوذ الاستراتيجي.

فتصريحات وزير الصناعة حول قدرة المملكة على تغطية نصف الطلب الأوروبي تضع البلاد في موقع “مورد بديل” يكتسب وزناً خاصاً في معادلة أمن الطاقة الأوروبي، في وقت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى التحرر من التبعية الروسية والبحث عن شراكات مستقرة في الجنوب.

وهنا يصبح الربط الكهربائي مع إسبانيا والبرتغال، إلى جانب مشاريع الهيدروجين الأخضر، أكثر من مجرد بنية تحتية، بل ورقة تفاوض قوية في يد المغرب على طاولة العلاقات مع بروكسل والعواصم الكبرى.

غير أن هذا الطموح لا يخلو من تحديات، أبرزها الحاجة إلى تسريع إصلاحات هيكلية في السوق الداخلية، وضمان أن المكاسب الاقتصادية تصل إلى المواطن المغربي عبر تخفيض كلفة الكهرباء وتعزيز التشغيل في الصناعات الخضراء، لا أن تبقى مجرد مشاريع موجهة للتصدير.

كما أن المنافسة المتصاعدة من دول مثل مصر وجنوب إفريقيا في سوق الطاقة المتجددة تجعل السباق الإقليمي محتدماً، ما يستوجب من المغرب الحفاظ على وتيرة الاستثمار والابتكار.

بذلك، يمكن القول إن انتقال المغرب الطاقي لا يُقرأ فقط في بعده البيئي أو الاقتصادي، بل كجزء من هندسة جديدة لعلاقاته الخارجية، حيث تصبح الشمس والرياح عناصر تفاوضية لا تقل وزناً عن الأرض والسياسة.

https://anbaaexpress.ma/vgow8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى