آراءثقافة
أخر الأخبار

سؤال الإنسانية

عبد الله فَضُّول

طرح سؤال الإنسانية اليوم ليس مجرد تأمل فلسفي، بل هو نتيجة مباشرة للتحولات التي تعيد تشكيل دور الإنسان داخل المجتمع. في عالم تتحكم فيه السرعة والتكنولوجيا في كثير من القرارات، وتتراجع بعض القيم الإنسانية أمام معايير أكثر براغماتية.

هذا يدفعنا إلى التفكير فيما بقي من الإنسان ككائن يحمل مسؤولية أخلاقية واجتماعية، بعيدًا عن الطابع الوظيفي الذي أصبح يحدد الكثير من علاقاته وسلوكياته.

السؤال هنا ليس بحثًا عن إجابة جاهزة، بل هو دعوة لمراجعة عميقة لطبيعة التحولات التي نشهدها يوميًا.

لقد تأثر الإنسان المعاصر بهذه التحولات حتى بات مهددًا في هويته ووجوده. وأصبح عاجزًا عن الحفاظ على اتزانه القيمي وسط تغيرات تفرض عليه أولويات جديدة.

وانغمس في إيقاع الحياة المتسارع، حتى لم يعد بمقدوره أن يتأمل في موقعه الحقيقي داخل منظومة التحولات هذه. مما جعلنا أمام ضرورة مراجعة دور الإنسان في هذا العصر، لا باعتباره فاعلًا اقتصاديًا أو اجتماعيًا، بل ككيان يحمل مسؤولية الوعي والتفاعل مع العالم بطريقة تحفظ إنسانيته.

في ظل هذه التحولات الجارفة، لم يعد الإنسان قادرًا على بناء علاقة تستند إلى المشاعر والاعتبارات الإنسانية العميقة، بل أصبحت العلاقة نفعية، تُوزن بمنطق المصلحة ولا تخضع لروح التفاعل الصادق أو الحاجة الفطرية للتواصل.

حتى أن الإنسان بدأ يعيد تشكيل خياراته استنادًا إلى مؤثرات جديدة لا تتصل بجذوره القيمية والمعرفية السابقة، مما أدى إلى إعادة تشكيل فهمه للذات والآخر، ضمن سياقات تُفرض عليه دون أن يكون له خيار حقيقي في مقاومتها أو تعديل مسارها.

ومن أبرز مظاهر هذا التغير، التحول العميق في طبيعة العلاقات بين البشر، حيث باتت الكثير من التفاعلات الاجتماعية رقمية بحتة، تُختصر في رموز وتعليقات على وسائل التواصل.

هذا التحول قلّص مساحة اللقاءات الحقيقية، وأضعف روح التعاطف المباشر، مما ساهم في انتشار مشاعر العزلة والقلق رغم اتصال الإنسان المستمر عبر الإنترنت. وبهذا، لم تعد العلاقات قائمة على الحضور الإنساني الحي، بل باتت تخضع لإيقاع سريع يفتقد إلى العمق والدفء الإنساني.

لقد بات سؤال الإنسان ضرورة حتمية في مواجهة التحولات العميقة التي تعيد تشكيل واقعه. وأضحى مطلبًا أساسيًا لفهم موقعه في عالم تتغير فيه القيم والأولويات.

ولم يعد مفهوم الهوية ثابتًا، بل أصبح خاضعًا لإملاءات متغيرة تقوده نحو أنماط جديدة من الإدراك والتفاعل.

في خضم هذه التيارات المتلاحقة، كيف يمكننا، كبشر، أن نعيد تعريف وجودنا ونجسد قيمنا الأساسية، ضامنين ألا يأتي التقدم على حساب إنسانيتنا ذاتها؟

لقد آن الأوان لتأسيس عودة إنسانية حقيقية، تستعيد جوهر الإنسان في انسجام مع طبيعته ورؤيته لذاته، بعيدًا عن كل ما يهدد إنسانيته أو يختزلها في أدوار سطحية.

 * كاتب وقاص للقصة القصيرة جدا

https://anbaaexpress.ma/uvr69

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى