أفريقياسياسة
أخر الأخبار

الولايات المتحدة.. تجمع شرق وغرب ليبيا في مناورات عسكرية موحدة

واشنطن تراهن على توحيد الجيش الليبي لاحتواء النفوذ الروسي

في تطور غير مسبوق منذ أكثر من عقد، تستعد وحدات عسكرية من الشرق والغرب الليبيين للمشاركة معًا في مناورات “فلينتلوك” التي تشرف عليها القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، والمقررة ربيع العام المقبل، في خطوة تُعد مؤشراً عملياً على بداية مسار جديد نحو توحيد المؤسسة العسكرية المنقسمة منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.

المناورات، التي ستُجرى على الأراضي الليبية للمرة الأولى منذ أكثر من 14 عامًا، تمثل تحوّلًا استراتيجياً في العلاقة بين واشنطن وليبيا، حيث تعكس رغبة أميركية واضحة في دعم مسار الاستقرار الأمني وتقليص مساحة النفوذ الروسي المتنامي شرق البلاد.

ووفق مصادر مطلعة، فإن واشنطن ترى في التعاون بين القوتين العسكريتين المتنافستين شرقاً وغرباً خطوة محورية لإعادة بناء جيش وطني موحد يشكل صمام أمان في وجه التدخلات الأجنبية.

وجاء الإعلان عن الخطوة خلال الزيارة التي قام بها الفريق جون برينان، نائب قائد “أفريكوم”، إلى مدينة سرت، حيث التقى نائب قائد الجيش الوطني الليبي الفريق صدام حفتر.

وخلال اللقاء، شدد برينان على أن المناورات ستعزز قدرات الجيش الليبي في مواجهة الإرهاب والجماعات المسلحة، مؤكداً أن التعاون بين وحدات الشرق والغرب “بدأ يتجاوز الحواجز القديمة ويؤسس لمرحلة من العمل المشترك في مواجهة التحديات الأمنية”.

ويُنظر إلى هذه المناورات على أنها أكثر من مجرد تدريب عسكري، إذ تحمل رسائل سياسية وأمنية مزدوجة. فمن جهة، تمثل محاولة لإعادة اللحمة بين مؤسسات الدولة الليبية، ومن جهة أخرى تشكل جزءًا من استراتيجية أميركية شاملة لمواجهة تمدد روسيا في شمال إفريقيا.

وتشير تقارير غربية إلى أن موسكو كثّفت في السنوات الأخيرة من حضورها في الشرق الليبي عبر دعمها العسكري واللوجستي لقوات المشير خليفة حفتر، ما أثار قلق واشنطن وشركائها الأوروبيين من احتمال تحول ليبيا إلى قاعدة نفوذ روسي على المتوسط.

في المقابل، تواكب الأمم المتحدة هذه التطورات بحذر وتفاؤل. فقد أكدت نائبة رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري، خلال سلسلة اجتماعات أخيرة، دعم المنظمة الأممية لاستقلال المؤسسات الليبية، مشيدة بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي اعتبرتها خطوة مفصلية لتعزيز الثقة في الإدارة العامة.

كما شدد السفير القطري لدى ليبيا، خالد الدوسري، في لقائه بخوري، على التزام بلاده بدعم المسار السياسي والمصالحة الوطنية، ما يعكس توافقاً دولياً وإقليمياً نادراً حول ضرورة إنهاء الانقسام الليبي.

ويرى مراقبون أن التوجه الأميركي الجديد يهدف إلى تحويل ليبيا إلى نموذج للاستقرار في شمال إفريقيا بعد سنوات من الصراع. فنجاح تجربة “فلينتلوك” داخل الأراضي الليبية قد يفتح الباب أمام برامج تدريب وتعاون أوسع، وربما تأسيس شراكات أمنية طويلة الأمد تشمل إعادة هيكلة القطاع الدفاعي الليبي وتأهيل مؤسساته.

ولا يقتصر الرهان الأميركي على الجانب الأمني فحسب، إذ تربط واشنطن بين إصلاح المنظومة العسكرية وتحقيق الانتعاش الاقتصادي. وقد أشار الفريق برينان إلى أن “الاستقرار الأمني هو المدخل الطبيعي للنمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات”، في وقت تسعى فيه ليبيا لاستعادة مكانتها كأحد أهم مصادر الطاقة في المنطقة.

وفي ظل هذا الحراك المتصاعد، تبدو ليبيا أمام اختبار حقيقي: فإما أن تنجح القوى الداخلية في تحويل هذه المناورات إلى فرصة لتوحيد الجيش وإطلاق عملية بناء مؤسساتي حقيقي، أو تعود الانقسامات القديمة لتقويض كل الجهود.

غير أن المؤشرات الأولية، بحسب دبلوماسيين في طرابلس، تُظهر تفاؤلاً حذراً بإمكانية تحقيق اختراق فعلي في الملف العسكري، بدعم أميركي ودولي غير مسبوق منذ اتفاق الصخيرات.

وهكذا، تشكل مناورات “فلينتلوك” القادمة أكثر من مجرد تدريب عابر، بل لحظة اختبار لإرادة الليبيين في تجاوز عقدٍ من الانقسام، وفرصة أمام واشنطن لتثبيت حضورها في منطقة تتزاحم فيها القوى الدولية.

وبينما تتجه الأنظار إلى ربيع العام المقبل، تبقى سرت، المدينة التي عانت من رماد الحرب، مرشحة لأن تكون مجددًا ساحة ولادة جيش موحد.. أو بداية فصول جديدة من التنافس الجيوسياسي على أرض ليبيا.

https://anbaaexpress.ma/ubak7

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى