آراءثقافةمجتمع
أخر الأخبار

حصري من غزة.. حوار مع الكاتبة والصحافية الفلسطينية نسرين موسى عن نصف إمرأة ولكن

تولدت فكرة روايتي (نصف إمراة ولكن) من خلال قصة حقيقية في المخيم الذي كنت أعيش فيه

كاتبة وصحافية فلسطينية من غزة، تنصب إهتماماتها و كتاباتها على قضايا المرأة بشكل عام، تتناولها من جميع الاتجاهات وما تتعرض له من مصاعب بطريقة قصصية وروائية، بلغة سلسة مفهومة، دون الإبحار في معاني صعبة على القارئ..

حتى في تقاريرها الصحفية تنقل الصعوبات التي تمر بها المرأة سواء كان ذلك في الحرب أو الحصار..

لها عدة قصص قصيرة منشورة في وكالات الإعلام، وخواطر متنوعة منها اجتماعي ومنها عاطفي، ولها قصة تمت ترجمتها في ولاية بنسلفانيا الامريكية ضمن كتاب احتوى لقصص لعدة كتاب، وكانت قصتها بعنوان على أمل في ساعة أنوثة أخرى..

لها رواية “نصف إمرأة ولكن” والتي تتناول فيها عن واقع المرأة التي تعيش في المخيم، ورصدت هذا من خلال بطلة القصة (سميرة) وهي قصة حقيقية لفتاة تعرضت للعنف بكافة أشكاله، في قطاع غزة بمخيم خان يونس.

ضيفتنا لهذا الحوار من قطاع غزة وحصريا على أنباء إكسبريس هي الكاتبة والصحفية الفلسطينية “نسرين موسى” والتي ستتحدث لنا عن أبرز خطوط رواية إمرأة ولكن، والطابوهات المسكوتة، حول إضطهاد المرأة في المجتمع وتعنيفها ومايقع عليها اضطهاد مركب سواء داخل الأسرة أو خارجها..

كما ستتحدث لنا عن واقع المرأة الفلسطينية بالمخيمات في ظل حرب الإبادة الجارية في غزة.. وغيرها من المحاور.

وإليكم نص الحوار 

في حرب غزة برز واقع مجتمعي ذكرنا بنكبة 1948 وهو واقع المرأة الفلسطينية في المخيمات، كيف وظفت هذا المعطى في روايتك نصف امرأة ولكن؟

صحيح ظهر هذا في روايتي من خلال التكدس السكاني في بقعة واحدة، في خيم بالية، لكن الواقع المخيماتي في روايتي صحيح لم يظهر بنفس الخيم، لكن التشابه في بيوت فقيرة من الأسبست، وإنعدام الخصوصية، فكان كل الناس كأنهم في بيت واحد، تنعدم الأسرار عندهم.

سميرة مثلت حياة النكبة بانعدام خصوصيتها، فكانت كلما تعرضت للعنف، كان كل الجيران على علم بذلك، وانتشرت قصتها عند الجميع، وأصبحت محط شفقتهم.

كذلك الفقر الذي عانت منه سميرة، تعاني منه النساء الان في الحرب، حيث لا ملابس ولا مأكل ولا مشرب، وكله يتوفر بنسبة قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع.

إضافة إلى انعدام مصادر الرزق وهذا ظهر في محدودية الدخل المادي لشقيق سميرة الذي جعله سببا لتعنيفها.

ما هي المنطلقات الأبستيمولوجة التي انطلقت منها لإخراج هذا العمل الروائي إلى الوجود؟

تولدت فكرة روايتي (نصف إمراة ولكن) من خلال قصة حقيقية في المخيم الذي كنت أعيش فيه، حيث تعيش بطلة روايتي وكان إسمها سميرة، وتعمل مُدرسة، وكانت تعاني من قسوة أخيها حتى بوجود والدتها، لكنه كان يضربها ويمنعها من الخروج، وكان ينعتها بلفظ قاسي (( عانس))، ويأخذ راتبها كله هو وزوجته.

وكان لا يهمه إن سمع صراخها الجيران، حيث كانت تهرب إلى بيوتهم، ولا تتمتع سميرة بأي خصوصية في حياتها، حتى لا تمتلك حسابا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت تكتب باسم مستعار حتى لا يراقبها أخيها.

وفي روايتي رصدت الحياة في المخيمات، من بيوت متلاصقة وهذا ما كانت تعاني منه سميرة، لأن كل المخيم يسمع صراخها.

كما ناقشت أكل الميراث وحقوق النساء خوفا من العنف الجسدي.

وتناولت في روايتي كذلك إصابة النساء بمرض السرطان، وكيف يتم معاملتهم من قبل بعض الأزواج الذين لا يرحمون زوجاتهم.

فأصيبت بطلة روايتي بسرطان الثدي، وبعدما تزوجت هربت من عنف أخيها المتنوع إلى عنف زوجها، والذي أصبح يناديها بنصف إمراة لا تلبي رغباته لأنها قامت باستئصال ثديها وأنها منعدمة الأنوثة.

وتدور الاحدث وتفكر بالانتقام من شقيقها وتنجح في اخر الرواية بذلك وتخلق سميرة بشخصية جديدة وفقا لنصائح صديقتها.

هل لك أن تكشف عن أبرز شخوص نصف امرأة ولكن؟

سميرة، بطلة الرواية، والتي تتعرض للعنف بكافة أشكاله.

شقيق سميرة وزوجته.. وهما يمثلان أشد أنواع الظلم المُسلط على سميرة.

جارة سميرة، والتي تمثل المرشدة لها ونقلة نوعية من سميرة المضهدة إلى سميرة قوية تقف بوجه الظلم والاضطهاد إلى امرأة قوية.

أبو عماد: زوج سميرة الذي أطلق لقب نصف إمراة عليها بسبب استئصال ثديها.

صاحبة الروضة: وهي خاتمة حياة سميرة التي تنطلق منها إلى نقطة التحول إلى القوة والعودة إلى الحياة.

من أي زاوية تناولت موضوع العنف وإضطهاد المرأة في روايتك؟

تعددت أشكال العنف في روايتي، فهناك العنف الجسدي، حيث كانت بطلة روايتي سميرة تتعرض للضرب من شقيقها في كل مناسبة.

وكذلك العنف اللفظي، فكان شقيق سميرة البطلة ينعتها بلفظ ((عانس))، وبألفاظ تسوء إليها وتضعف شخصيتها مثل أنها تجلب النحس والشر في طلتها الكئيبة، رغم انه السبب في كاَبتها.

وكذلك العنف الجنسي، فكانت بطلتي تتعرض للتحرش سواء بالنظر أو باللمس من شقيقها، وكذلك إنتقلت للعنف الجنسي من زوجها حيث كان يضربها ويتهمها بعدم تلبية احتياجاته لأنها استئصلت ثديها، فناداها بنصف إمراة لا أنوثة فيها.

استخدم المجتمع الذكوري الدين والعادات لمحاربة المرأة والانقاص منها بجعلها أحد متممات الرجل، وليس كائنا بشريا ذا كرامة وحقوق.. هل المجتمع العربي بشكل عام لازال يتبن هذه الأفكار، رغم أنها لا تمت للدين بصلة؟

للأسف رغم التقدم الذي يغزو المجتمعات تكنلوجيا وثقافيا والانفتاح على ثقافات غربية إلا ان المرأة في المجتمع العربي، لا تزال حبيسة أفكار قديمة تم قولبتها تحت مصطلح العادات والتقاليد، وإتهام الدين بانه يتبناها رغم أنها ظالمة تضطهد المرأة.

ويتم حرمان المرأة من حقوقها على أساسها كحرمانها من التعليم وحقوق أخرى.

ووقعت المرأة ضحية للظلم لأن العنصر الذكوري يفسر النصوص الدينية وفقا لأهوائه ويخنق المرأة بها، رغم أن الدين أنصف المرأة ووضع لها حقوقها واضحة.

وظلت المرأة تابعة للرجل ليس لها إستقلالية وكيان منفصل عنه.

واستمر الرجل بظلمها حيث جعلها محور الشرف وقلص من حريتها وحركتها بناءا عل حوصرة الشرف بجسدها، وصنع منها شيئا يجب أن تتخفى من عيون الناس.

هل المرأة العربية في الوقت الحالي لا تزال مكبلة بالأغلال ذاتها؟ من عادات وعرف؟

يؤسفني أن أقول صحيح إن المرأة لازالت حبيسة لهذه الأفكار التي تظلمها، مهما نادت بغير ذلك، لكن مناداتها لا تنعكس على حياتها.

وكثيرا ما تنادي بمصطلحات تظهر أنها حرة لكنها للأسف تكذب على نفسها وبأبسط أمر تجيبك عائلتي تمنع هذا الأمر دون تفكير هل هي نفسها تمانعه أم لا.

ورغم الوهم الذي تعيشه أنها تحررت وفقا لنظريات المجتمع النسوي المتحرر، لكن تحررها كذبة كبيرة تعيشها، وأبسط مثال في فكرة السفر للتعلم أو العمل بعيدا عن عائلتها، تصطدم بالمنع عند نسبة كثيرة دون مقاومة منهن.

وفقط تعيش المرأة تحررها في قراءة ذلك عبر وسائل التواصل أو في حلقات ثقافية نسوية عن التحرر.

وأود أن أعرج على أن المرأة أخذت حقها في التعليم والعمل رغم نسبة كثيرة لم تأخذه، لكن أصبحت فريسة للاستغلال بشكل اخر كاستغلال جسدها لتحقيق الربح.

برأيك لماذا في عالمنا العربي لازالت ثقافة العنف الأسري والجسدي بحق المرأة؟ كيف وظفت روايتك هذا الموضوع؟

للأسف لا تزال نسبة كثيرة من النساء لا يمكن التهاون مع هذه النسبة، يجهلن حقوقهن، ويجهلن كيفية التمتع باستقلالية تمنع عنهن الظلم الاسري سواء جسدي أو اكل حقوق.

كثيرات لا يهتمن بالتعليم لمعرفة مالهن وما عليهن من واجبات، فتهمل المرأة تعليمها وتقع حينها ضحية لأغلال أسرتها التي تقوم بتعنيفها، وتخلق منها شخصية حبيسة لكل معتقداتهم وأساليب يفرضونها عليها، ويعمموها عليها وكأن ذلك من حقهم.

المرأة للأسف هي من تساهم باضطهادها وظلمها بسبب جهلها وبسبب رضوخها لفكرة أنها كائن ضعيف يجب ان يكون تابعا لأسرته في كل شيء دون مقاومة.

في روايتي جسدت بطلة الرواية سميرة هذا كله من خلال رضوخها لتحكمات أخيها وزوجته، وعدم المقاومة، لكني خلقت منها بالنهاية شخصية واعية عرفت حقوقها وإنتقمت من أخيها وزوجها كذلك وأصبحت مستقلة لها كيانها.

وهنا على المرأة الاهتمام بتعليمها أولا لأنه هو الحامي لها إذا وقعت أسيرة للظلم.

وحديثي هنا لا يقتصر على قطاع غزة بل على كل المجتمعات العربية، فهناك شخصية السيدة أمينة المستكينة التي ناقشها فيلم سي سيد المصري.

في روايتك سلطت الضوء على حقوق المرأة في الميراث وظلم الأخ لها وإضطهاد اخته وتعنيفها بالضرب لانتزاع حقوقها المالية والهيمنة على مالها وراتبها؟ كيف ذلك؟

ناقشت في روايتي أكل ميراث الأخوات والزوجات، وهذا ما فعله شقيق بطلة روايتي، وكانت سميرة البطلة لا تجهل بحقوقها وقانونيتها، لكنها كانت تخاف من العنف الجسدي من شقيقها كلما فكرت بطلب حقوقها.

العنف الجسدي من أخيها هو الذي منعها وليس كما في حالات كثيرة كقلة الوعي و الجهل بالحقوق رغم وجود النصوص القانونية التي تحرم  حرمان المرأة من الميراث.

وشجع خوف سميرة شقيقها من الإستمرار بأكل حقوقها بالميراث من خلال إستمراره بتعنيفها.

هنا لابد من وقفة، أنه يجب تفقيه المرأة بحقها والتوجه لمن يحميها من الظلم، سواء مؤسسات اجتماعية او قانونية او امنية، ولا تظل منكفئة على نفسها مستكينة تشجع على سرقة حقوقها.

في نصف امرأة ولكن تحدثت عن طابو مسكوت عنه وهو تحرش الأخ بأخته، وهي مواقف مخزية تخفيها المرأة في ثنايا قلبها نظرا لحساسيتها في المجتمع العربي، كيف وظفت هذه القضية في روايتك؟

بشكل عام إن موضوع التحرش يعتبره مجتمعنا خاصة في قطاع غزة موضوع يندرج تحت الخط الأحمر، وهذا عند كافة المجتمعات العربية وبين قاب قوسين ((سفاح الأقارب)).

بطلة روايتي كانت تعاني من هذه المشكلة من أخيها المتسلط عليها بكافة أشكال العنف، ولم يكتف بالجسدي بل زاد عليها بالتحرش الجنسي من خلال النظر إليها وأحيانا تصحو من نومها وتجده يعتدي عليها، لولا صراخها وابتعاده عنها خوفا من فضيحته أمام زوجته.

وكانت تتردد البطلة في التوجه للعيادات النفسية لعلاج ما يترتب عن مشكلتها من تشتت نفسي وانعكاس على أدائها العملي كمدرسة.

ويقتل الصمت بطلة رواية نصف إمرأة ولكن، وتضطر إلى الدفاع عن نفسها بصعوبة من إغلاق الباب على نفسها وإرتداء الملابس التي تخفي معالم جسدها حتى في طقس شديد الحرارة.

وهنا لا بد من إشارة إلى أنه يجب أن يكون هناك توعية للفتيات بعدم الخوف من التوجه حتى ولو لمرشدة نفسية أو اجتماعية لتخليصها من هذا العنف، إذا كانت الفتاة تخاف من التوجه للأمن في مشكلتها.

كلمة أخيرة

أوجه كلمتي لكل إمراة، أنتِ كيان مستقل له حقوقه وواجباته، عليكِ بالتعلم وتثقيف نفسك قانونيا وبكل المجالات، ثقافتك هي التي تبني لكِ شخصية تواجهين بها كل الظلم والاضطهاد إن فكر أحدا بإيقاعه عليكِ.

ولا تهتمي لأي مصطلح ينقص منكٍ، الزواج ليس هو الحياة كلها، إن تزوجتي عيشي هذه الحياة، وإن لم تتزوجي لا تنطفئي وعيشي الحياة بكافة تشعباتها العلمية والعملية واخلقي شخصيتك المميزة، ولا تهتمي لمصطلح (عانس)، فهناك كثيرات من المتزوجات يعانين من العنوسة وهن تحت مظلة الزواج.

كوني قوية دون التخلي عن أنوثتك، وهذا يحتاج إلى مزيد من التثقيف.

https://anbaaexpress.ma/u3241

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى