آراءالشرق الأوسط
أخر الأخبار

الدبلوماسية الأردنية في مواجهة تعقيدات الشرق الأوسط: براغماتية سياسية مقابل غوغائية شعبية

فمن ينتقد المؤسسة الملكية الأردنية دون امتلاك أي إلمام بتعقيدات العلاقات الدولية، إنما يعكس “قصورًا معرفيًا في فهم هندسة النظام الدولي”، حيث تفرض الوقائع على الدول انتهاج سياسات متوازنة تتجاوز النظرة الاختزالية التي ترى السياسة من زاوية الصراع الثنائي بين الخير والشر

فيصل مرجاني

لطالما شكل الأردن بقيادة الملك عبد الله الثاني نقطة ارتكاز محورية في التوازنات الإقليمية، متجسدًا كفاعل دبلوماسي عقلاني وسط بحر متلاطم من التناقضات الجيوسياسية والتفاعلات الاستراتيجية المتشابكة.

إن مقاربة السياسة الأردنية لمحيطها الإقليمي والدولي لم تكن يومًا وليدة الانفعال العاطفي أو التأطير الأيديولوجي الضيق، بل استندت إلى رؤية واقعية تنتمي إلى مدرسة “الواقعية السياسية”، حيث يكون اتخاذ القرار مبنيًا على حسابات دقيقة للقوة، التوازنات الإقليمية، وإدارة الأزمات ببراغماتية تفرضها طبيعة النظام الدولي.

ومما لا شك فيه، أن زيارة الملك عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض ليست مجرد محطة بروتوكولية عابرة، بل تأتي في سياق تفاعل سياسي معقد، حيث تشكل تحركًا محسوبًا ضمن نظرية “التكيف الاستراتيجي” التي يتبناها الأردن للحفاظ على استقراره وسط بيئة إقليمية مشحونة بالنزاعات والتغيرات الهيكلية في موازين القوى.

هذه المقاربة، وإن بدت للبعض مهادنة، إلا أنها في الواقع تمثل “دبلوماسية القوة الناعمة”، التي ترتكز على تعزيز المصالح الوطنية دون الانزلاق إلى صدامات غير محسوبة العواقب. فمنطق الدولة لا يُدار بردود الأفعال العاطفية، بل بالتحليل الرصين للعلاقات الدولية التي تتحكم فيها منظومة القوة، المصالح الجيوستراتيجية، والأولويات الأمنية.

وبالنظر إلى موقع الأردن الجغرافي، القائم في نقطة تقاطع بين مراكز النفوذ الإقليمي، يفرض عليه تبني نهج متوازن يتماشى مع منطق “الأمن القومي العابر للحدود”، حيث لا يمكن لأي دولة أن تنعزل عن محيطها وتتعامل مع القضايا الكبرى بعقلية الدولة المغلقة. فالأردن يدرك أن استقراره لا يتحقق إلا من خلال سياسات إقليمية متماسكة تستند إلى مفهوم “التوازنات الاستراتيجية”، حيث يكون الانخراط في الديناميكيات الإقليمية ضرورة أمنية لا خيارًا سياسيًا.

وبخصوص من ينتقد النهج الأردني دون وعي بمعادلات القوة التي تحكم النظام الدولي، يسقط في فخ “الشعبوية السياسية”، التي تتغذى على التهييج العاطفي بدل التحليل العقلاني. فأعداء الاستقرار الإقليمي وأصحاب الخطابات الشعبوية يمارسون “البروباغندا الأيديولوجية”، التي تتجاهل القواعد الأساسية لفن الحكم، وتجعل من السياسة مجرد أداة للمزايدات دون أي إدراك للنتائج الواقعية.

إن مثل هذه المقاربات الساذجة تعكس جهلًا بالمفاهيم الجيوسياسية مثل “إدارة التوازنات”، “ديناميكية التحالفات”، و”استراتيجيات الردع الدبلوماسي”، والتي تمثل الركائز الأساسية لصياغة سياسات خارجية ناجحة في عالم تحكمه القوة أكثر من المبادئ المجردة.

وتبعا لذلك، نجد بأن الأردن من خلال تبنيه نهجًا براغماتيًا، يدرك أن تحقيق الأمن القومي لا يتم من خلال التصعيد غير المحسوب، بل عبر تبني “دبلوماسية وقائية” تضمن تجنب الأزمات قبل حدوثها، وتحافظ على استقرار الدولة في ظل نظام إقليمي يتسم بالفوضى والتنافس على النفوذ. وفي السياق ذاته، فإن الملك عبد الله الثاني، رغم كل التحديات، يظل أحد أبرز القادة العرب الذين استطاعوا الحفاظ على “استقلالية القرار السيادي” في مواجهة الضغوط الخارجية، مع المحافظة على موقع الأردن كطرف فاعل في “التفاوض الجيوسياسي”، دون التفريط في مصالحه الاستراتيجية.

فمن ينتقد المؤسسة الملكية الأردنية دون امتلاك أي إلمام بتعقيدات العلاقات الدولية، إنما يعكس “قصورًا معرفيًا في فهم هندسة النظام الدولي”، حيث تفرض الوقائع على الدول انتهاج سياسات متوازنة تتجاوز النظرة الاختزالية التي ترى السياسة من زاوية الصراع الثنائي بين الخير والشر.

إن الدولة، وفقًا لمفاهيم “الجيوبوليتيكا الحديثة”، ليست كيانًا منفصلًا عن بيئته الاستراتيجية، بل هي جزء من شبكة معقدة من المصالح، التفاعلات، والتحديات العابرة للحدود، وهو ما يجعل السياسة الأردنية نموذجًا لما يمكن تسميته بـ”الواقعية الدبلوماسية”، التي تجمع بين المرونة التكتيكية والثبات الاستراتيجي.

وعليه، فالتحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم اليوم، بما في ذلك إعادة هيكلة النظام الدولي وصعود قوى دولية وإقليمية جديدة، تفرض على الأردن انتهاج سياسة تقوم على “التكيف الديناميكي”، مع الحفاظ على محددات الأمن القومي، الذي يرتكز على منع أي تصدعات داخلية أو انجرار نحو استقطابات إقليمية لا تخدم مصالحه.

إن من يعتقد أن السياسة تُدار عبر التصريحات النارية أو الخطابات الحماسية، فإنه يتجاهل أن النجاح السياسي يتطلب “إدارة ذكية للأزمات”، و”مناورة استراتيجية” تحقق المكاسب بأقل التكاليف، دون الانزلاق إلى مغامرات غير محسوبة العواقب.

وعلى العموم، فالأردن رغم كل التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي يواجهها، لا يزال يحافظ على مكانته كدولة ذات سيادة واستقلالية في قراراتها، وهو ما لم يكن ليتحقق إلا بفضل “فن الحكم الرشيد”، الذي استطاع تحقيق معادلة صعبة بين الحفاظ على الاستقرار الداخلي والانخراط الفاعل في القضايا الإقليمية دون أن يصبح أداة لأي طرف خارجي.

وفي عالم السياسة، حيث تُدار الدول بمنطق “فن إدارة القوة” وليس بمنطق الشعارات، فإن الأردن يقدم نموذجًا لـ”الدولة المرنة”، القادرة على التأقلم مع التحولات دون التخلي عن جوهر سيادتها أو موقعها الاستراتيجي.

https://anbaaexpress.ma/tzs2r

تعليق واحد

  1. الرجال الاحرار موجودون في غزة وابعثو ابوعبيدة ليتفاوض عن كل الزعماء العرب فهم نعام اما سيدهم ترامب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى