آراءسياسة
أخر الأخبار

طوفان الأقصى.. المنعطف

طوفان الأقصى مرحلة انتقالية في الصراع العربي الإسرائيلي و هو نقلة نوعية، من مرحلة الجمود و الإيمان بالمبادرات السلمية التي طرحت على طاولات المنتديات الدولية والإقليمية..

لم يكن طوفان الأقصى حدث عادي في تاريخ صراع الأمة العربية والإسلامية مع الصهيونية و الإمبريالية، فقد حدد معالم مستقبل البشرية و خلاصها من وهم الحداثة الغربية، التي تتبجح بالديمقراطية و حقوق الإنسان والحريات و الحق في الاختلاف و الحق في الحياة و الحق في العيش بكرامة..

شاركت الأمم المتخلفة في تحرير الغرب المتحضر و ساهم أبناء تلك الأمم في نهضة أوروبا و الغرب عموما، و ازدهارها اقتصاديا و في الرقي الاجتماعي للغرب، لكن الغرب لم تكن لديه الشجاعة الأخلاقية للاعتراف بذلك و لو معنويا، فبدلا من اتباع سياسة إدماج و اندماج أبناء تلك الأمم المتخلفة في النسيج الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و الثقافي للغرب، كان الإقصاء هو شعار الغرب في حق هؤلاء، الإقصاء الثقافي والاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و كان الجحود لغة السياسيين و المثقفين في الغرب عموما في حق من ساهموا في التحرير..

تحرير أوروبا من النازية و الفاشية و من ساهموا في إعادة إعمار و بناء صرح أوروبا من جديد، كانت افريقيا و العالم العربي، حديقة أوروبا الخلفية، حيث تزهر الورود و تصبح في خدمة الغرب، كما تتم سرقة و نهب مقدرات و خيرات تلك الأمم من العالم الثالث بدعوى الاستثمار و التنمية المستدامة و التثمين المادي و المعنوي لتلك المقدرات..

لكن الواقع شيء آخر، فقد استعمل الغرب السلاح السياسي للوصول إلى أهدافه اللانسانية بزرع الفتن و خلق التوترات السياسية والأمنية و الفوضى و حتى الحروب للاستفادة من هكذا وضع و لضمان مصالحه لفترة طويلة من الزمن، و هذا ما حصل فعلا، فقد عاشت شعوب العالم الثالث أوضاعا مزرية اجتماعية واقتصادية و رداءة سياسية من نخب مدجنة و خانعة و تابعة للغرب..

لكنها مستفيدة بشكل أو بآخر من الكعكة، كان المواطن في أوروبا وأمريكا يحظى بكل حقوقه المشروعة من الناحية القانونية، سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و يبني أحلامه في الرفاه و الرقي على حساب شعوب العالم الثالث المسحوقة و التي تعيش الموت و الجوع و الإقصاء و البؤس و الفقر و الجهل، و تعيش على وقع التوترات السياسية والأمنية و الفوضى الخلاقة و الفساد و الاستبداد.

طوفان الأقصى مرحلة انتقالية في الصراع العربي الإسرائيلي و هو نقلة نوعية، من مرحلة الجمود و الإيمان بالمبادرات السلمية التي طرحت على طاولات المنتديات الدولية والإقليمية، كجمعية الأمم المتحدة و الجامعة العربية و منظمة المؤتمر الإسلامي و تبنتها منظمة عدم الانحياز و المؤتمر الافريقي، والتي لم تزد إلا من تعنت الطرف المستبد و المحتل للأراضي الفلسطينية، الانتقال إلى مرحلة المواجهة مع المبادرة و إرباك العدو الصهيوني و زعزعة ثقة اليهود عامة في مشروعهم المزعوم الذي أصبح قاب قوسين او أدنى من الزوال..

كان ذلك هو الخيار الاستراتيجي للمقاومة في صراعها مع المحتل الصهيوني و مع حكومة نتانياهو النازية و ذات التوجه العدواني، مباغتة العدو و ضربه في نقطه الرخوة ضربة في مقتل بحيث تشل حركته و لا يستطيع التعامل مع الوضع الا بعد فوات الأوان.

كانت الصدمة قوية و مربكة للعدو الصهيوني، و تعالت صيحات الاستنجاد بالحلفاء و تمت فبركة قصص كاذبة حول ما حدث في ذلك اليوم، من قتل للأطفال الرضع و اغتصاب للنساء و الفتيات و غير ذلك من الأساليب الوحشية، لكن الحقيقة غالبا ما تطفو على السطح و تنكشف الحقائق.

كان أسلوب الكذب و تشويه صورة المقاومة في وسائل الإعلام المحلية و الدولية وعبر مواقع التواصل، أكثر وسيلة استعملها العدو الصهيوني لاستجداء المساعدة و الدعم المادي و العسكري والسياسي و الاستخباراتي لبداية عدوانه و هجماته المتواصلة و المستمرة لأكثر من سنة و نصف على قطاع غزة والضفة الغربية..

شن العدو الصهيوني حربا ضروسا غير أخلاقية على شعب أعزل لا يملك من القدرات العسكرية الا اليسير منها، لكنه يملك الإرادة و الثبات و الدفاع عن قضية عادلة و مقاومة باسلة استطاعت ان تقف ندا في الميدان و تقدم أروع التضحيات والبطولات و تثخن في العدو الصهيوني و تهزم نفسيته المريضة و جعله يهرول إلى إبرام اتفاقات هدنة إنسانية لاسترجاع اسراه، بعد خسائره الميدانية و فشله في أهدافه المرسومة للحرب، كاسترجاع الأسرى بالقوة العسكرية و القضاء على المقاومة و دفعها للاستسلام، تحولت الحرب على قطاع غزة إلى إبادة جماعية، بعد مرور سنة على بدايتها..

و كان الامعان في القتل و الهدم و ضرب البنية التحتية للقطاع و تقسيمه إلى أجزاء و محاصرة القطاع جوا و بحرا و برا للدخول في مرحلة التجويع و منع الدواء و الغذاء و قطع المياه والكهرباء و حتى وسائل التواصل و العزل التام عن العالم الخارجي..

كان الكيان الصهيوني بعد كل هدنة إنسانية و عودة بعض اسراه الذين لم تستطع ماكينته الحربية و الاستخباراتية من أن تعيدهم بالقوة العسكرية، يعود لشن الحرب على غزة تحت ذريعة عدم رضوخ و استجابة المقاومة لشروط الكيان الصهيوني المتعنتة، مستفيدا من تخاذل دولي و عربي مقيت.

https://anbaaexpress.ma/tnhhx

أحمد الونزاني

كاتب وباحث مغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى