أنا شاب وُلدت في بلد اسمه المغرب، فتحت عيني على سماع كلمات تتردد كل يوم: فساد، ظلم، تنمية، اختلاسات، إعلام، هجرة سرية، هجرة أدمغة، مسؤولية دون محاسبة، قضاء، فقر، مخدرات، تهميش، دستور، ديون، اقتراض، زلزال، بطالة، تعليم، جمعيات، نقابات، أحزاب، منظمات، احتجاجات..
في البداية لم أستوعب كل هذه الكلمات، وفي مساري الدراسي بدأت أفكك بعض شفراتها من خلال المعايشة اليومية. تابعت دراستي الأولية ووجدت ارتباكاً، مرة نعتمد أسلوب التعريب، وبعد مدة نعود لنظام التعليم المفرنس، كان نظام الإجازة أربعة أعوام فأصبح ثلاث سنوات، سمعنا أن الابتدائي كان خمس سنوات فأصبح ست سنوات، وتغيّر ما بعده، فكانت ملاحظاتي أن هناك خللاً وارتباكاً، وليست هناك صيرورة متكاملة، كل وزير يهدم ما كان قبله.
كنت أقرأ وأتابع ما يقع في دول الغرب عموماً، فرنسا وكندا والبرتغال وإسبانيا، فكانت الدراسة هناك مرتبطة بسوق الشغل، بل حتى الإحصائيات التي كانت تقوم بها الدولة كانت في مجملها تعمل على إيجاد شغل للفئات الناشئة التي سيصبح عمرها مرتبطاً بولوج عالم الشغل، لكنني كنت أفاجأ بأفواج من العاطلين أمام قبة البرلمان، يحتجون ويرفعون الشعارات، بل أسسوا جمعيات ليسهل التحاور معهم، لكن أكثرهم كان مصيرهم الزج بهم في متابعات قضائية.
وحتى بعض مشاريع الشغل التي أعلنت عنها الحكومة عرفت فشلاً، بل كانت وهماً، وحتى القروض الصغرى لإقامة مشاريع عرفت فشلاً ذريعا.
(مثلاً، صديقي هشام من حيّنا حاول إنشاء مشروع بسيط لإصلاح الهواتف بعد حصوله على قرض صغير، لكنه أغلق محله بعد عام واحد بسبب الضرائب وغياب الدعم، فعاد للبطالة من جديد).
وكنت أقول مع نفسي: إلى أين نحن ماضون؟ إحباط وراء إحباط… نفسياتنا نحن الشباب الناشئ كانت مضطربة، ليست هناك آفاق واضحة، هناك محسوبية في الشغل، شباب في شمال المغرب وشرقه هاجروا لدول الغربة فحققوا لأنفسهم شغلاً جعلهم يستقرون رغم الحسرة التي كانت تصيبهم، فكان قراري أن ألج معهداً حراً لإتمام دراستي في التمريض مدته ثلاث سنوات، أتممتها والتحقت بالديار الكندية، واشتغلت على الفور، وكونت أسرة، وأنجبت أولاداً، ولم يعد يربطني ببلدي سوى زيارات عائلية.




