ثقافةمجتمع
أخر الأخبار

حليمة الفراتي.. أنامل ترسم الوطن بلغة اللون وأسرار الزليج

في عوالم التشكيل المغربي، تبرز حليمة الفراتي كنبضٍ نابضٍ بالحنين إلى الجذور، وروحٍ مغربيةٍ لا تخطئها العين، إذ ترسم بريشتها قصائد بصرية تستحضر عبق الزليج، دفء القفطان، وأهازيج الأعراس الشعبية. ليست مجرد فنانة تشكيلية، بل هي حكّاءة بصرية، تنسج من تفاصيل الحياة اليومية مشاهد آسرة، تجعل من كل لوحة مرآةً للهوية المغربية، وترنيمة حبٍّ للوطن.

ولدت حليمة الفراتي في الرباط، المدينة التي تنام على كتف التاريخ وتستيقظ على نبض الحداثة. من أزقتها، استمدت أولى ملامح ذائقتها الجمالية، ومن أسوارها، تعلمت كيف تُطوِّع اللون وتحرر الشكل. لم تلتحق بمعاهد أكاديمية، لكنها آمنت بأن الشغف هو أعظم مدرسة، وأن الفن الحقيقي لا يولد على المقاعد، بل في القلب، في الحكايات، في العيون التي لم تكف عن مراقبة العالم.

أصالة مشبّعة بالحداثة

لوحات الفراتي ليست تكرارًا لرموز مألوفة، بل إعادة إحياءٍ ذكيّة لذاكرة جماعية، تتجدد في كل ضربة فرشاة. هي تُحاور الزليج المغربي وكأنه كائن حيّ، وتُلبس القفطان ألوانًا تتجاوز الطيف، وتسكب في أوانيها الفخارية نكهات الحنين والدفء. ألوانها الجريئة ليست فقط أدوات تعبير، بل مفاتيح تفتح أبواب الفرح والألم والاحتفاء بالحياة.

الثقافة المغربية في ملامح تشكيلية

تغزل الفراتي في لوحاتها قصصًا من مغربٍ يتنفس تراثًا ويعيش حاضرًا متجدّدًا. المرأة المغربية، بجبّتها وطربوشها، تحضر كملكة متوجة في أعمالها، والفواكه التقليدية – من التمر إلى البرتقال – تتحول إلى رموز للكرم والهوية والارتباط بالأرض. أما الزليج، فيتحول إلى نغمة صامتة تنبض في كل زاوية، شاهدة على عبقرية الحرفة المغربية.

مطلات صامتة… حين يصير الصمت لغة الفن

في خطوة تُعد محطة مفصلية في مسيرتها الفنية، تستعد حليمة الفراتي لتنظيم معرض فني تحت عنوان “مطلات صامتة”، وذلك برواق محمد الفاسي بالعاصمة الرباط، انطلاقًا من 9 ماي المقبل. هذا المعرض المنتظر يشكل مناسبة ذهبية لعشاق الفن التشكيلي لاكتشاف عوالم الفراتي الساحرة، حيث تتحول النوافذ، الزليج، والمزهريات، إلى مطلات صامتة تحاور العين وتخاطب الذاكرة.

سيتضمّن المعرض مجموعة مختارة من أعمالها الحديثة، التي تعكس نضجها الفني وتعمّقها في استلهام التراث المغربي بأسلوب عصري مدهش. لوحاتها في “مطلات صامتة” لا تنطق بالكلام، بل تهمس بالحكايات، وتتأمل العالم من زوايا صغيرة لكنها مشبعة بالرمزية والانتماء. المعرض سيكون بمثابة احتفال بالرؤية الفنية الخاصة لهذه الفنانة، وبأسلوبها الذي يحاكي صمت الأمكنة وثراء التفاصيل.

جسر بين الأجيال والضفتين

الفن في نظر الفراتي ليس فقط انعكاسًا للماضي، بل رسالة إلى المستقبل. هي تسعى، من خلال أعمالها، إلى ردم الفجوة بين الأجيال، وتقديم التراث في ثوبٍ معاصر يفهمه الشباب وتقدّره الأعين العالمية. وعلى الرغم من أن لوحاتها لم تُعرض بعد في صالات الفن الدولية، إلا أنها تحمل من العمق والجمال ما يجعلها جديرة بأن تكون نوافذ مشرعة على المغرب في معارض العالم.

بين التقدير والنقد

ينظر إليها بعض النقّاد كمن تسبح في بحر التراث دون أن تخرج منه إلى عوالم جديدة، لكن الحقيقة أن الفراتي تختار بإرادتها أن تظل وفية للأصل، وأن تجعل من كل لوحة جدارًا يكتب عليه الوطن تاريخه. إنها ترفض أن تنسلخ عن الروح المغربية، وتؤمن بأن الحداثة لا تعني القطيعة، بل إعادة صياغة الموروث بلغة الحاضر.

ريشة تُقاوم النسيان

حليمة الفراتي ليست فقط فنانة تشكيلية، بل هي ذاكرة مغربية تمشي على قدمين، وريشة تقاوم النسيان باللون والحبّ والرمز. في عالمٍ بات يركض نحو الحداثة دون أن يلتفت، جاءت أعمالها لتقول: “هنا المغرب… لا يزال جميلًا كما كان، وسيبقى.”

ومعرض “مطلات صامتة” ليس مجرد موعد فني، بل دعوة لقراءة المغرب من نافذة القلب.

https://anbaaexpress.ma/tajqg

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى