بقلم: بوسلهام عميمر
يقال لكل نصيب من اسمه، وأقول لكل كتابة نصيب من كاتبها. وخاصة الكتابات الفكرية المؤسسة لمشاريع كبيرة مثل ملف الأمازيغية، فالكتابة الإبداعية على كل حال، أحيانا كالصوفية لها شطحاتها.
الأستاذ الحسن زهور غني عن التعريف، باحث وناقد وروائي وقاص وفاعل جمعوي. إنه واحد من أكبر المساهمين في تحريك عجلة الكتابة الأدبية والبحث الأمازيغي بكل صنوفه.
بعد قراءة كتابه “الأدب الأمازيغي الحديث بالمغرب: النشأة 1967–2000″، قراءة فاحصة، أقول لو لم يكتب إلاه لكفاه. بكفاءة عالية، وبمنهجية علمية صارمة، و باحترام كبير لخصوم الهوية المغربية الأمازيغية يحاورهم، الحجة بالحجة، بدون تعصب وبدون تنقيص من شأن أحدهم أو السخرية من آرائهم على حيفها وظلمها، ومعاكستها لتاريخ المغرب العريق.
لن أفصل كثيرا في الجانب المعرفي في الكتاب، بقدر التركيز على منهجية تأليفه. إنه ممتد في الزمن يعود بنا للوراء قرونا؛ زمن المرابطين والموحدين والسعديين على الخصوص و البورغواطيين الذين استمرت امبراطوريتهم الأمازيغية ثلاث مائة وخمسون سنة.
يتساءل الكاتب مستنكرا، “فهل الأمازيغ لم يكتبوا بلغتهم؟ ..أين الكتب التي كتبها البورغواطيون في المغرب؟ ونحن نعرف أن دولتهم دامت ثلاثة قرون ونصف، ولهم كتابهم المقدس كما ورد في الكتب التاريخية،.. ثم أين هي الكتب التي كتبها دعاة الموحدين في بداية أمرهم، ومنها كتاب ابن تومرت نفسه المكتوب بالأمازيغية؟ ومثلها الكتب الدينية الأباضية وغيرها من الكتب”.
أم تعرضت للحرق والدفن على عادة كل الغزاة، مثل ما فعله المغول في العراق، إذ أحرقوا بيت الحكمة وقذفوا بالكتب في نهري دجلة والفرات ونكلوا بأهل العلم والفطر والفلسفة ومثل ما فعله العرب أنفسهم مع الفرس وتراثهم الثقافي ظنا منهم أنهم لن يعتنقوا الإسلام، وكما فعل الخوارج في شمال إفريقيا.
الكتاب زاخر بالمعارف والأحداث لها صلة من قريب أو من بعيد بالمسألة الأمازيغية، يشتبك فيها ما هو سياسي، بما هو ديني، بما هو مجتمعي، بما هو وطني و بما هو إقليمي ودولي. ولتواضعه تواضع العلماء الأجلاء، عادة ما يمهر الفصول التي قتلها بحثا وتحليلا، بقوله مثل ما نجده بخصوص حرف الكتابة الأمازيغية الذي أسال مدادا كثيرا.
بعد تفصيله في الحروف المتداولة بشأن كتابة الأمازيغية قبل أن ترسو سفينته على حرف تيفيناغ.
مثل ما نجده بخصوص حرف الكتابة الأمازيغية الذي أسال مدادا كثيرا، قبل أن ترسو سفينته على حرف تيفناغ “الحرف التاريخي والهوياتي الملائم لكتابة الامازيغية” 2 ومع الاستفاضة و التفصيل بشأنه، زهاء عشرين صفحة (273-293)، يقول “وما زلنا في أمس الحاجة إلى الدراسات والبحوث التي ستَتَّبع التطور التاريخي لهذا الخط الامازيغي”.
يؤكد في خاتمة الكتاب، بكل تواضع، بعد كل ما أورده فيه، سواء ما يتعلق بالهوية الأمازيغية عامة وما لاقته من صعوبات ومعارضة شرسة وحرب وصلت بالبعض الدعوة إلى محوها، إلى أن فرضت وجودها الفعلي بدستور 2011، أو ما يتعلق بثقافتها عامة وبأدبها بكل فروعه خاصة يقول عن كتابه، إنه “بمثابة عمل متواضع يروم جمع بعض الشتات من الأدب الامازيغي الحديث بالمغرب بغية إلقاء الضوء على هذه الفترة الهامة من تاريخ أدبنا المغربي المكتوب بالأمازيغية من جهة، ومن جهة أخرى هو عمل تحفيزي للباحثين والدارسين لدراسة أدب هذه الفترة الهامة من تاريخنا الادبي المغربي.
ميزة منهجية أخرى يتسم بها الكتاب جديرة بالوقوف عندها، مسألة التوثيق الدقيق لكل ما أورده ذ. زهور في كتابه هذا، مما يمكن اعتباره نموذجا علميا يُحتذى.
بالمثال يتضح المقال لمّا أورد رأي أحد المعارضين للحركة الأمازيغية في مهدها، ولا ندري إن كان باق على رأيه المتصلب أو عدله، ويتعلق الأمر بما كتبته مجلة “الثقافة الجديدة” التي يترأسها الشاعر اليساري محمد بنيس، السنة الرابعة، العدد 13 السنة 1979، ص178، ورد فيه “خاصة وأننا نعلم أن جماعات شوفينية، تعمل من أجل تنفيذ مشروع استعماري ما يزال أصحاب التفرقة يدعون إليه. نحن مع الثقافة الشعبية ذات التوجه العربي” ويعني بهم مناضلي الحركة الأمازيغية”.
و للالتزامه بالأمانة العلمية والموضوعية، فإنه كما عرض بأدب جم لكل آراء المعارضين بما فيهم الذين تجاوزوا كل حدود اللياقة بمكون أساسي من مكونات الهوية المغربية، فإنه لم يغفل من بادر إلى تليين موقفه و خالف غيره من الإقصائيين، فقال عن الباحث عبد الرحيم المودن،”كان موضوعيا في بيبليوغرافيته في بحثه حيث ذكر المجموعة القصصية الأمازيغية “إيماراين” لحسن إد بلقاسم 14 المنشورة 1988″
أمر آخر لا بد من الوقوف عنده وتدبره، يتعلق بأحد أسس البحث العلمي الجاد. المستندات المعتمدة في التأليف. إحصائية بسيطة نلفي أن الكاتب اعتمد في منجزه هذا على قرابة مائتي مستند، ما بين مصدر (19)، ومرجع (84)، و ديوان (7)، ومجلات ودوريات ثقافية مغربية (24)، وجريدة (10)، وكتب أجنبية (14)، و revus (02)، ومواقع إلكترونية (22). ولنا أن نتصور كم استغرق منه هذا من الوقت وكم تطلب من الجهد.
هذا فضلا عن قضية منهجية أساسية أخرى تتعلق بتحديد فترة البحث الزمنية كما هي مثبتة على ظهر الغلاف ما بين 1967–2000. وعلى امتداد صفحات الكتاب لا يفتأ يذكر بحيثيات هذه المرحلة المحددة زمانا وما ارتبطت به من أحداث كبرى كهزيمة المشروع القومي العربي، وتبخر حلم الاشتراكية العسكرية، و هزيمة 67، ووصول أبناء البوادي إلى التعليم العالي، ساهم في بلورة وعي هوياتي أمازيغي.
فأسسوا “الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي1967، وكان ميثاق أكادير1991، الذي يعتبر الميلاد الرسمي للحركة الثقافية الأمازيغية، وكان خطاب أجدير الذي ساهم في رد الاعتبار للهوية الأمازيغية، و كان تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكان تأسيس إطار خاص بالكتاب والمبدعين بالأمازيغية في أكادير باسم “تيرا، رابطة للكتاب بالأمازيغية” سنة 2009
وحتى لما يريد أن يعقب على رأي يخالف قناعته، يكون برقي نادر. لنتابع كيف عقب في سياق عرضه لمصطلح “تسكلا” اقتبسه مولود معمري من الثقافة الفرنسية، و تعقيبه على رأي محمد شفيق الذي اقتصر على المفهوم اللغوي لكلمة الأدب كما عند العرب، يقول “وكان من الممكن التفكير من داخل الثقافة والأدب الأمازيغيين لخلق المصطلح الأدبي المقابل لمصطلح “أدب” إسوة بما قام به الفقهاء الأمازيغ قديما الذين أطلقوا مصطلح “امازيغي” على كتاباتهم بالأمازيغية”.
حري بالشباب على الخصوص، أن يطلعوا على فحوى هذا المنجز و استيعاب منهجية كتابته. ف “من لم يعرف تاريخه يعشه من جديد”. إنه تتبع دقيق للشأن الأمازيغي عامة، وثقافتها الغنية ولحرفها العريق ولأدبها بشكل خاص، قبل الوصول لما هي عليه اليوم من اعتراف دستوري، مكونا من مكونات الهوية المغربية، واعتراف بلغتها لغة رسمية مع العربية سواء بسواء. فقد تم ذلك بتدرج عبر محطات. وبين مرحلة وأخرى سنوات من النضال والمعاناة بحسب المتغيرات السياسية الوطنية والإقليمية والدولية.
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابا
الكاتب بهدوء الباحث المدقق، يتتبع مسار تطور الأمازيغية، بلغته السلسة المنسابة الآسرة، وبتسلسل أفكاره، يجعلك وكأنك تتابع حلقات مسلسل درامي قبل أن تجد لها مكانا تحت ضوء شمس وطنها معززة مكرمة، إلى عهد قريب كان كل هذا من باب الأحلام بعيدة المنال، ضدا على كل الدعوات المعارضة للأسف من قبل شخصيات مرموقة ثقافيا وسياسيا ومؤسسات رسمية. إنه التراكم النضالي الجاد.
فمناهضتها كانت على أشدها من أكثر من جهة. من هنا كان النضال على عدة واجهات وبوسائل مختلفة، و على عدة جبهات. جبهات قوية لم تذخر وسعا للوقوف أمام انبعاثها، بما كان بين يدي معارضيها من وسائل التأثير سلطة وإعلام ودعم مؤسسات قوية، يسهل عليها الترويج لما يحبك في الكواليس تحول دون استرداد حقها المهضوم. وكان أشدها اتهامُ الحركة الأمازيغية بالخيانة والعمالة للاستعمار والسعي نحو التفرقة والتشرذم.
“الغاية تبرر الوسيلة” استعملوا كل الوسائل لإجهاضها في مهدها. من هنا لم يكن الرواد الأوائل في سعة من أمرهم. بالحكمة والروية، والأساس الإيمان بالقضية، كان حافزهم للمضي قدما، لتحقيق المطالب ونيل المكاسب، ولا يزال النضال مستمرا على أكثر من مسار.
وإن كان فرغم ما راكمته الحركة الأمازيغية من إنجازات واقعية لا يزال من يناوئها يائسا يقول ذ. زهور في سياق حديثه عن الأدب الأمازيغي “ومع ذلك ما يزال مفهوم “الأدب المغربي” لم يخرج بعد من شرنقة هذه الإيديولوجيا .. لا ترى في الأدب المغربي الحديث إلا وجهه المكتوب بالعربية، وكأن الأدب الأمازيغي المغربي المكتوب منذ السبعينات من القرن الماضي إلى اليوم لا ينتمي إلى الأدب المغربي”.
تضحيات جسام بلغت حد السجن والاعتقال، مثل ما تعرض له ذ. علي صدقي أزايكو شهر يونيو 1982 فكان أول معتقل سياسي أمازيغي بعد نشره لمقال “من أجل مفهوم حقيقي لهويتنا الوطنية” نشره في مجلة أمازيغ العربية وتم منعها بعد إصدار العدد الأول منها نتيجة هذا المقال.
فهل هناك أكثر من أن لا يستطيع عدد من الشعراء، أن يمهروا قصائدهم بأسمائهم الحقيقية نظرا للظروف السياسية، كانت ترى في الأمازيغية لغة مغضوبا عليها.
ولم يكشفوا عن أسمائهم إلا لاحقا كما ورد في شهادة الأستاذ أيت احسين. ص10 الشيء بالشيء يذكر، يشير ذ. زهور مقارنة بهذه المواقف المعادية إلى الموقف الجزائري من القضية الأمازيغية قائلا استنادا إلى كتاب “المسألة الأمازيغية في المغرب والجزائر” للباحث الحسين بويعقوبي “أما التجربة الجزائرية ستنحو فيها جبهة التحرير الوطني منحى متطرفا في تعاملها مع الأمازيغية حيث سعت إلى اجتثاتها بكل الوسائل الممكنة”.
مجموعة من الأسماء المعروفة في الساحة الوطنية في الأدب والسياسة والفكر و الحقوق، للأسف، (عبد الله كنون، عبد السلام ياسين، عبد الكريم غلاب، سعيد يقطين، عبد الله طنكول، عابد الجابري، أحمد المديني، علال الفاسي، مصطفى الشابي وغيرهم). كان المفروض أن يربأوا بأنفسهم كي لا يسقطوا هذا السقوط المدوي، بتجاهلهم لتراث أدبي زاخر يمتد لقرون في تربته.
أو على الأقل الوقوف إزاءه موقفا محايدا، وإن كان الحياد دائما في صالح الظالم. فعلى الأقل كان الأولى بهم كف ألسنتهم وأقلامهم عن محاربته بشكل مباشر، حتى إنهم لم يتركوا للتاريخ ما يعلل به موقفهم المعادي لها. أورد مواقفهم موثقة من مضانها، وبدون غمز أو لمز في شخصهم. و يبقى الموقف غير المستساغ، موقف الجمعيات الحقوقية نفسها إلى التسعينات، كانت مناهضة للحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية.
لم يكن هينا في التاريخ السابق الحديث عن “الأمازيغية” هوية وثقافة وأدبا، بأريحية وبوضوح كما الشأن اليوم، من قبيل “الهوية الأمازيغية” على أعلى مستوى إذ نجدها مبثوثة في الفصل الخامس من دستور المملكة المغربية 2011 باللفظ “الأمازيغية تعد أيضًا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدًا مشتركًا لجميع المغاربة بدون استثناء”13، ونتحدث عن “الأدب الأمازيغي” بكل فروعه، ونتحدث عن تأسيس إطار خاص بالكتاب والمبدعين بالأمازيغية في أكادير باسم “تيرا”.
إنه مسلسل طويل للأمازيغية لا بد من تتبع مساره لغة وثقافة وأدبا وإبداعا. مسلسل كانت فيه تحديات وتشعبات قبل أن يرسو مركبها على هذا الوضع الاعتباري. فالأستاذ زهور وفر علينا بكتابه المتفرد هذا، جهدا ووقتا كبيرين لمعرفة مسارات انبعاث الأمازيغية من بين فرث ودم معارضيها.
فكما كان نضال الحركة الأمازيغية على المستوى السياسي حتى انتزعت حقوقها كاملة بالاعتراف بها هوية على قدم المساواة ببقية المكونات المغربية الأصيلة، كان النضال على المستوى المعرفي والثقافي والأدبي بكل صنوفه.
فالموقف المعادي كان من الأدب بكل فنونه أيضا. فقد يستساغ الإقصاء من قبل هؤلاء الباحثين والنقاد المتعصبين للعروبة لهذا السبب أو ذاك مما ذكر، لكن أن يكون الإقصاء من اتحاد كتاب المغرب، فذلك ما لا يمكن فهمه سوى في إطار هيمنة الإيديولوجيا العربية على مفاصله.
ألم يكن المفروض أن يهتم بالثقافة والأدب المغربيين بكل مكوناته، باعتباره اتحادا لكل الكتاب المغاربة؟ في هذا السياق نحيل فقط على وجه آخر من وجوه الإقصاء معركة تغيير شعار “من أجل ثقافة عربية تقدمية” ليشمل الثقافة المغربية في تنوعها، فرفض التيار المهيمن إلى أن تم تهديدهم بالانسحاب من المؤتمر فتم وعدهم بتغييره (شهادة ذ. أحمد عصيد)14 ليتم رفض الطلب بالأغلبية.
وقبل الحديث عن الأدب الحديث يؤكد الباحث أنه “يقتضي الحديث عن القديم”. إذ كان أول ما انشغلت به الحركة الأمازيغية بخصوص الأدب الأمازيغي مسألة التدوين. فكان الانتقال من الشفاهة إلى التدوين، من أهم تحديات الحركة الأمازيغية ولا يزال، إيمانا منها بضرورته للحديث عن الأدب في كل الثقافات. يخلص من خلال أبحاثه أن “أن أثر هذا التدوين -أي تدوين الأدب الأمازيغي الشفوي- كان ضعيفا جدا” … لعدة أسباب نقتصر على ذكر بعضها:
-المقاومة الشديدة التي أبداها الأمازيغ ومنهم الفقهاء للاحتلال الفرنسي للمغرب
-الاحتلال الفرنسي لم يشجع الكتابة بالأمازيغية تأليفا وإبداعا فتدريس الأمازيغية في ثانوية أزرو .. كان الهدف تكوين الأطر الإدارية لتيسير التعامل مع الأهالي.
و يبقى السؤال المنطقي عن سر الإبقاء على التراث الأمازيغي عبر القرون في شرنقة الشفوية، فهل يعقل أن تكون طبيعته شفوية أم تمت بقصدية لأسباب سياسية، حتى تبقى كفته مرجوحة على الدوام؟
وإدراكا من الكاتب لأهمية مسألة التدوين و محوريتها، فقد أولاها حيزا كبيرا، يرصد تطورها. ومع كل ما قام به يشير إلى أن الحديث عن التدوين المرتبط بعملية الكتابة بالامازيغية “هو حديث متشعب سيقودنا إلى شعب ما زالت مجهولة تنتظر من يزيح عنها الغموض التي يكتنفها”.
يتحدث الكاتب عن ثلاثة مسارات سلكتها الكتابة الأمازيغية ساهمت في إرجاع الأدب الأمازيغي إلى الكتابة:
الأول: التدوين الثاني: الأدب والإبداع الثالث: الدراسات اللغوية حول الأمازيغية
الكتابة الأمازيغية تحدث عنها المختار السوسي معظمها لا يزال مخطوطا بالخزانات الفردية أو في خزانات المدارس العتيقة ومنها ما هو خارج المغرب. معظمها بخط فقهاء وأدباء سوس يشير إلى الفترة السعدية وما عرفته من نشاط “بعد تثبيت سلطتها في المغرب فترة نشطت فيها حركة الكتابة الامازيغية قام بها الفقهاء ليمتد نشاطها إلى القرون الموالية”.
فحسب ذ. زهور فقد عرف الادب الامازيغي في الثمانينات والتسعينات، تطورا و نهضة أدبية شملت مختلف مناحي الأدب الامازيغي.
اقترن هذا التطور بعوامل ذاتية مرافقة لتطور النضال ودينامية العمل الجمعوي والجماعي الذي دخلت فيه الحركة الثقافية الامازيغية من جهة، وبعوامل موضوعية من جهة أخرى، وهذه بدورها مرتبطة بعوامل داخلية وطنية تتجلى في الانفتاح السياسي الذي دخل فيه المغرب متأثرا بانفتاح الوضع الدولي، وبعوامل خارجية متمثلة بالتغيير الذي عرفه المعسكر الشيوعي.
ساهمت وسائل الإعلام كالجرائد والمجلات الامازيغية “مجلة أمود” وجريدة “تاسافوت” وجريدة “تامونت” نماذج، كان لها دورا كبيرا في نهضتها أنشأتها بعض الجمعيات أو بعض المناضلين في تشجيع الادب الامازيغي كتابة وتدوينا وابداعا ونشرا.. ازدهر النثر الامازيغي بظهور أجناس أدبية جديدة مثل الرواية والقصة القصيرة جدا وقصص الأطفال وانتعاش فن المقالة وأدب الرحلة والأدب النسوي.
وإن كان كما قال ذ. زهور “بصورة محتشمة على شكل نصوص قليلة إذ لم يكتب لهذه التجربة النسوية أن تستمر”، وأدب السجن يقول عنه، “يصعب أن نتحدث عن أدب السجن في الادب الامازيغي الحديث لكن يمكن الحديث على الأقل عن وجود بعض الملامح الأولى لهذا الادب والتي كان من الممكن أن تشجع بعض الأدباء والكتاب لكتابة تجاربهم التي عاشوها في السجن.
خصوصا الذين مروا منهم بهذه التجربة وسجنوا بسبب مواقفهم السياسية مثل حسن إد بلقاسم وعلي أزايكو وعمر درويش” وإن كان في حوار له مؤخرا على أمواج الإذاعة الوطنية يؤكد فيه أن الكتابة السجنية ليست بالضرورة ترتبط بمن عاشها. ونشطت الترجمة من الآداب العالمية إلى الامازيغية ومنها إلى هذه الاداب، والتأليف في النحو واللغة والصرف (كتاب: أربعة وأربعون درسا في اللغة الأمازيغية لمحمد شفيق 1991، وظهور المعاجم اللغوية الكبرى التي حاولت جمع التنويعات اللغوية الامازيعية في معجم واحد (المعجم العربي الامازيغي لمحمد شفيق، إضافة إلى انتعاش الدراسات والأبحاث اللغوية اللسنية.
ويبقى الشعر في هذه الفترة هو الجنس الأدبي المهيمن سواء الشفوي منه أو المكتوب، و كان يتنازع بناء القصيدة الأمازيغية تياران، محافظ ومتحرر من البناء التقليدي، إذ كانت بداية ظهور قصائد لشعراء كسروا الطريقة الكلاسيكية للشعر الأمازيغي التقليدي شعر منفلت من بعض القيود التقليدية بما فيها الصور الشعرية مثل ديوان “تاسليت ن ؤنزار” لحسن إد بلقاسم وديوان “تيميتار” للشاعر علي صدقي أزايكو هي تجارب شعرية نهلت من الحداثة الشعرية.
يقول عنه ذ. عصيد “كانت النصوص الأولى التي كتبها علي صدقي أزايكو في بداية السبعيات تحمل إرهاصا أوليا بوعي فني وحساسية شعرية جديدة تنطلق من فكرة تحديث الثقافة واللغة الأمازيغيتين وتطويرهما حسب السياق المعاصر آنذاك وتحديات المرحلة”.
وعادة ما يواكب أية نهضة إبداعية أدبية نهضة نقدية. إنهما متلازمان. وكان طبيعي أن يبدأ النقد الأمازيغي في بدايته بغير لغته كما يقول ذ. زهور، إذ اعتمد على جمع النصوص وتدوينها. فجاءت عبارة عن ملاحظات نقدية بسيطة، ارتبطت بمقارنة معاني بعض الابيات الشعرية عند الروايس ببعض أبيات الشعراء العرب القدامى أو المعاصرين، مثل ما نجده لدى عمر أمرير في 1979 في كتابه “أمالو من الفنون الشعبية المغربية” زاوج فيه بين الجمع والتوثيق والمعجم والدراسة والوصف وتناول فيه مقالات حول أنواع أحواش وأنواع أشعاره كما تطرق إلى الرايس الحاج بلعيد وأرخ فيه لتجربة فرقة “أوسمان”، وأيضا ما قام به محمد شفيق، فما كان يهمه هو إبراز أهمية الشعر الامازيغي وانخراطه في الدفاع عن الوطن في وقت كانت أجنحة في “الحركة الوطنية” تحتكر هذه الوطنية وهذه المقاومة.
خاتمة:
منجز ذ. زهور ختمه بمجموعة من الخلاصات كالآتي:
تحديث الأدب الأمازيغي بالمغرب، بدأ مع الحركة الامازيغية لكن ما زلنا نجهل الكثير عن أدب فترة ما قبل ميلاد الحركة سواء منه الشفوي أو المكتوب، مما يزال في الكراسات والوثائق و كنانيش الفقهاء والكتاب والمدونين من المستمزغين .. فكلما توغلنا في القرون الماضية وتندر إلى حد الانقطاع، وإذا عكسنا المسار فإنه كلما اتجهنا صوب القرن 20 تكثر هذه الكتابات و التآليف”.
“وسيكون هذا الانبعاث الأدبي (في النصف الثاني من القرن العشرين) إيذانا بتحول تاريخي لهذا الأدب “عبوره إلى الحداثة الأدبية”، بعد أن كان محصورا في المجال الديني والشعري و الحكائي”.
بروز أجناس أدبية جديدة مثل الرواية والقصة القصيرة وغيرها.
فمهمة هذا الكتاب هو لفت الانتباه إلى هذه الفترة الأساسية من تاريخنا الأدبي المغربي الحديث المكتوب بالامازيغية وليكون حافزا للبحث في أدب ونقد هذه الفترة التأسيسية الأولى والاساسية من أدبنا المغربي الامازيغي.
* كاتب وباحث