مع إجتماع القادة العرب في قمة الجزائر عام 2022م لم يزيد إجتماعهم إلا فرقة، ويمكن تذكيرهم بدرس الوحدة الأوروبية، وكيف تمشي الأمور بسيطة فتصبح أشجارا عظيمة تأوي إليها الطيور؟
وكذلك الأفكار ولذا وجب الاستفادة من دروس التاريخ ولماذا فشلت محاولات ليبيا المتكررة والوحدة الناصرية والبعثية السورية العراقية؟ لأنهم وضعوا أفكارا كبيرة غير قابلة للتنفيذ!
وفي الإنجيل ينهى عيسى حواريه عن اولئك الذين يجلسون على كرسي موسى ويأمرون بتحريك الجبال، وهم لايحركون عصا بأصبعهم فوصفهم بالقادة العميان؟! وكذلك في الإنجيل يأتي مثل العميان فيقول: أعمى يقود أعمى الاثنان يقعان في الحفرة؟ وما زال العرب في الحفرة الناصرية منذ عام 1967م لايستطيعون الخروج منها بسبب العمى.
ومنه وجب الاستفادة من دروس التاريخ وموعظتها، ففي في عام 1922 نشرت مقالة بعنوان (أوروبا واحدة Paneuropa) لشاب مغمور يبلغ 28 سنة هو (ريشارد جراف كاودن هوف كاليرجي ـ 1894 ـ 1972م Graf Coudenhove Kalergi ) فكان الأوروبي الأول الذي خرقت رؤيته سجف الغيب ليحلم بالمستحيل، وبعد مرور 80 عاماً تحققت نبوءته ليولد اليورو في الأول من يناير عام 2002م.
ريشارد جراف كاودن هوف كاليرجي
إنطلق كاليرجي بعد الحرب العظمى من مفهوم راسخ ووعي متألق، أن أوروبا هي بين خيارين فإما ذاقت مرارة الحرب الضروس، أو اتحدت فنجت من المذبحة العارمة، إما الوحدة أو الحرب العالمية.
وصدق الرجل وكذبت أوروبا، فقد راهن السياسيون على الحرب وخرجت أوروبا من الأنقاض بخسارة أكثر من خمسين مليون ضحية بدون مبرر.
إن الإنسان لظلوم كفَّار
هذا الرجل ولد في طوكيو من رحم إمرأة يابانية من عائلة الساموراي، وينتسب والده لعائلة عريقة في كريتا، ونشأ في النمسا، وإستقر في فرنسا، وأخذ الجنسية التشيكية، وهرب في النهاية من هتلر إلى سويسرا، ومن ثم إلى أمريكا ليصبح أستاذاً للتاريخ هناك.
ويصفه (توماس مان) الكاتب المشهور أنه كان غريب الأطوار، جمع بين صفة الكاتب اللامع، والمتنبيء العجيب، والفيلسوف العميق، والصناعي البارع، والسياسي المحنك، وفوق هذا كان بهي الطلعة جميل الصورة.
وفي عام 1946 م وقف تشرشل يتكلم في خطبة حماسية، ويدعو إلى إنشاء (الولايات المتحدة الأوروبية)، وعرف لاحقاً أن هذه الكلمة التي ألقاها كانت هندسة مشتركة، بالتعاون مع رجل من أميركا، يعمل أستاذاً مادة التاريخ، وواقف على مشروع دستور أوربي، ويجهز لمؤتمر يخرج منه أول مجلس أوروبي.
هذا الرجل كان (جراف كاودن هوف كاليرجي)، الذي عاش ورأى ولادة أفكاره في ولادة المشروع الأوربي عام 1951 م باتفاقية (وحدة المونتان Montanunion) في الحديد والصلب بين ستة دول أوروبية، كانت بمثابة البذرة في ولادة السوق الأوروبية المشتركة، وتشكل أوروبا صغيرة في رحم التاريخ.
ولكن (كاليرجي) مات عام 1972 م ولم تكتحل عيناه برؤية التطور المذهل، الذي أعقب الخطوة الأولى، التي كانت مصدر تخوف الكثيرين، أن تكون خطوة فاشلة في الاتجاه الخطأ.
وتجربة الوحدة العربية سبقت تجربة الوحدة الأوروبية فضاعت في صحراء الشعارات، وسراب الإيديولوجيات، ومغامرات الغدر العسكري.
ولذا وجب وضع هذه التجربة تحت المجهر التاريخي بالدراسة المتأملة الصبورة كيف بدأ خلقها وكيف تطورت حتى ولد اليورو؟ وإلى أين تمضي هذه الوحدة بعد أن ضمت 27 بلدا يضم نصف مليار من الأنام.
ومن العجيب أن دولاً إسلامية مثل المغرب وتركيا تتمنى الدخول في هذا الاتحاد فيرفضون؟ وتشترط أوروبا على تركيا أن تعدل قوانين الإعدام فيها، فلا تشنق أوجلان الزعيم الكردي، بحيث يولد التاريخ مقلوبا؟ فبعد أن كانت الفتوحات الإسلامية تغزو أرض الفرنجة، فإن الفرنجة يغزونا بدون سلاح وجنود ونقول لهم خذونا فيأبون.
إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم.