ماذا نستفيد من كتابة المؤلفات والذكريات بكل صنوفها وماذا يستفيد منها الناس بل ماذا يستفيد منها صاحبها قبل هذا وذاك ؟ أنا لا أدري وربما أدري الله أعلم.
الكتابة والقراءة هاجسان عندي منذ قديم الزمان لا يكاد يمر عليَّ يوم إلَّا وكتبت أو قرأت فيه وإن لم يحدث حسبته خسراناً مبيناً ولن يعود أبد الدهر بلا ريب.
أتابع الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية والسياسية وكلمَّا يغذي الفكر والروح والنفس دون تحديد أو تمييز لكل المنتوج الفكري البشري مع حبي الأول والأخير للثقافة والأدب العربي لأكثر من خمس وثلاثين سنة حصيلتها أكثر من ثلاثين كتاباً في مختلف المجالات الإنسانية الفكرية ومئات من المشاركات الفعلية والمكتوبة والمداخلات المسجَّلة بالفيديو على اليوتيوب والأنشطة المتعددة والمتنوعة حصيلتها كتاباً سميته (أنشطة ثقافية).
أوثق فيها للجيل هذا والأجيال القادمة بعد بذل الجهد والمال والوقت والطاقة والمكابدة والتحدي للأمراض وإثبات للذات بأنَّ العلم والفكر لا يحدهما حدود في عالم الإنسانية المتجدد المعاني والقيم الأفعال والسريع الخطى نحو إنسانيته المرجوة في عالم يجن جنوناً بالترهات والأكاذيب والإعلام المضلل والحروب في كل بقاع الأرض ونشرات الأخبار الكذوبة التي تضحك على العقول المؤدبة بأدب الفكر المهذب في الدجى والميديا الرقمية الأسرع في عالم التطور الرقمي..
وفي خضم هذا العبث القدري نظل نحافظ على القيم والكتب والندوات وذخائر المعرفة ونفائس الأدب وجهابذة الرجال والنساء من أولي الألباب الذين كنت أزاحمهم – ولن أنفك – في المجالس على الركب وهأنذا وقد بلغت الخمسين من العمر ومضى جل من أخذت منهم العلم والمعرفة والثقافة والأدب إلى الرفيق الأعلى رضوان الله عليهم وأرضاهم، وكنت دون أن أشعر حلقة وصل بينهم وبين الأجيال الجديدة التي لا تعرف عنهم شيئاً.
هل سمعتم بالحسين بن الضحَّاك وهو من أشعر الناس ولكنه فاقد للأدب، وهل سمعتم بيزيد بن الطثرية والطِرَّماح ورؤبة والعجَّاج والزِبرقان بن بدر وياقوت الحموي والمفضَّل الضبي والحليس وعبد بني الحساس الذي اقتيد فقتل، قتله تشببه بابنة عمه، والسُلَيْك بن السُلُكَة، والسُلَكَةُ أُمَّه كما تعلمون ؟ لا عليكم أنا سمعت عنهم وحفظت منهم وكتبت فيهم ولكم أن تراجعوا كتبي وممحاتي وقلمي.
كان أول عهدي بالكتابة في الصحافة وأنا ابن اثني عشر سنة في صحيفة ظلال، ثم سني سبعة عشر سنة بصحيفة النصر أو القوات المسلحة، كتبت حينها عن العقاد وطه حسين في سيرتهما عن المعري ولم ينشر لي الناشر لصغر سني وبُعدي عن كتابات الطيب صالح وملكة الدار محمد عبد الله وهلم جرا، ولا أعلم في عصري هذا من كتب عن العقاد أو الرافعي أو لطفي السيد أو ثروت أباظة أو إحسان عبد القدوس وهدَّك من الميديا وما وراءها من خبل بهذه المناسبة، أشكر كل الذين يدعمونني معنوياً ويطلقون على لقب عقَّاد السودان، هذا اللقب أطلقه عليَّ حضرة الأستاذ الدكتور نبيل نجم الدين، الخبير الإعلامي المصري وأنا به سعيد لأبعد غايات السعادة بلا أدنى شك.
ومنهم من أطلق عليَّ وهو الأستاذ الصحافي المخضرم مجذوب مصطفى علي، لقب محمد أحمد المحجوب، المهندس والقاضي والأديب والسياسي المعروف، الذي أنا به ممتن وأكاد من الفخر أطير بلا شك، وخلعهم علي بعض الألقاب التشريفية فأنا لهم شاكر ومقدر بلا منتهى لكن يطيب لي حقيقة أن أكون فقط “بدر الدين العتَّاق” السوداني في بلاد المهجر وبلاد السودان عموماً.
فأنا أعْتَدُّ وأعْتَزُّ وأفخر بهويتي السودانية حد النخاع وحد الثمالة مع أكيد شرفي بتلك الألقاب لكن سودانيتي المحضة وشخصي الأبي يأبيان عليَّ ذلك فأنا ابن النيل والصحراء والجبال واليفاع والسهول في بلادي الحبيبة السودان المكلوم.
في هذا العام الذي تَبَقَّتْ فيه ليلة واحدة لينصرف أبد الدهر بلا رجعة بكل خيره وبكل شره وليس هناك أشر من الحروب وقتل النفوس بلا ذنب أو جريرة، أصدرت ثلاثة عشر كتاباً والحمد لله على كل حال، لم يسبقني على ذلك أحد حتى الآن فيما أعلم والله أعلم، وتم تكريمي أربع مرَّات من قبل بعض الجهات الرسمية المصرية باعتباري أحد الرموز الوطنية الأدبية الاجتماعية الفكرية السودانية ومنحت درجة الدكتوراه الفخرية في الصحافة الإعلام عن بحثي في كتابي “نظام الحكم في السودان” الصادر هذا العام عن دار بدوي للطباعة والنشر بألمانيا مكتب القاهرة.
وشاركت في أكثر من مائة وخمسين فعالية ونشاط أدبي ثقافي سوداني ومصري مما أفدت منهما للغاية أولها العلاقات الاجتماعية المخلصة لكل كيانات وأفراد الجالية السودانية بكل المستويات والمسميات وكذلك العلاقات بيني وبين الإخوة المصريين الأفاضل فأنا فخور بهما جداً دون تسميات فهم كثر والحمد لله.
كذلك قابلت أشخاصاً لا ينتمون لدائرة الفكر ولا الثقافة ولا العلوم الإنسانية المحضة بالمرَّة وأسميتهم ” متسللي موائد الندوات “منهم من يحضر الندوة بجسده لا بفكره إذ هو مشغول بالهاتف الجوَّال أو مع جاره يتحدث في أمور تافهة لا علاقة لها بالمحاضرة أو الندوة ثم لا هو يفهم ما يُقال ولا يقول ما يُفهم، وكذلك الفتيات الحسناوات اللائي ينشغلن أول حضورهن القاعة بتصفيف شعرهن واللعب على مفاتيح الهاتف التطش ثم لا هن معنا ولا نحن منهن حتى نهاية الندوة صدق أو لا تصدق ويذهبن كما أتين بلا فائدة ، وكثير من المفارقات بالطبع والعكس بالعكس.
العبقرية أن تنال المجد بكل حد وبكل جد وأن تجاهد بلوغ شأوها وشأنها مدى العمر بلا ضجر أو فكاك لأنَّ العلم سلاح يفيدك في الحياة خُلُقَاً وأخلاقاً وسلوكاً ومعاملة وحياة كريمة، وقديماً قال أبو الطيب المتنبي:
خير مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب
وقد أفلح وصدق إلَّا من أبى.
أعتذر للذين ضايقهم وجودي بينهم وضاقوا بي ذرعاً ولم يعلقوا ولكني أحسست بهم ، فلهم العتبى حتى يرضوا ولعلهم عذروني إذا رأوني وأنا طالب في مقتبل العمر لم أتجاوز السنة الأولى من المرحلة الثانوية العليا أحمل أوراقي وقلمي أكتب وألخص محاضرات عبد الله الطيب بقاعة الشارقة جامعة الخرطوم والبروفيسور محمد أبو القاسم حاج حمد متحدثاً عن عالمية الإسلام وكونية القرآن في ذات الموضع، وأتابع حركات علي مهدي والفاضل سعيد على خشبة المسرح القومي بأم درمان ولو رأوني وأنا أزاحم الأستاذ الدكتور أحمد علي الإمام وهو يتكلم في مجلس السيرة النبوية بجامعة القرآن الكريم بأم درمان ولو رأوني وأنا أستمع للبروفيسور عون الشريف قاسم وهو يشرح موسوعته القبائل والأنساب في السودان هو والأستاذ الدكتور محمد الواثق يقدِّم المحاضرة ولو رأوني وأنا أقلد الأستاذ فرَّاج الطيب السرَّاج وهو ينشد:
من ظنَّ أنَّ بالسودان منصرفاً عن العروبة زور ذلك الخبر
ولو رأوني وأنا أستمع وأحفظ وأجالس الأستاذ الدكتور حسن عبد الله الترابي، يتحدث عن المفاصلة وغيرهم الكثير ، ولو ولو ولو فإنَّ لو وليت عناء وتفتح عمل الشيطان كما زعموا، لعذروني مزاحمتهم على ما تبقَّى من الفكر والعلم والأدب في ندواتهم ومجالسهم وأدبياتهم بلا شك إذ أحاول جاهداً الحفاظ على تلكم اللُّحمة لأقدمها لمن هم بعدي مستساغاً طيباً وهل العلم إلَّا بالتلقي والتلقين ومزاحمة العلماء على الركب ؟
كذلك، أشكر كل الذين يحفلون بي في منابرهم السياسية والأدبية والعلمية والفكرية معقباً أو معلقاً أو مناقشاً أو مستمعاً ضيفاً تشريفياً بينهم، فأولئك قوم أنا منهم وهم مني ولا يفوتني أن أشكر كل الكُتَّاب الشباب الذين أنا مدين لهم بالثقة والمعرفة حين يبعثون لي برسائلهم وكتبهم لأراجعها وأعلق عليها، كم أذكر تلك الأيام الخوالي وأنا أحمل بين ضفتي متاعي وصحائفي للتصحيح عند أستاذي الأكبر بروفيسور عبد الله الطيب وأستاذي الكبير جداً البروفيسور عبد القادر شيخ إدريس أبو هاله، وهما يراجعان لي ويصححان إلَّا أن المجذوب وصلته كتبي وشخصي لكنه عبَّر عنها شفاهياً حين أجازني أبا هاله في الآداب كتابياً.
وكذلك حضرة الإمام السيد الصادق المهدي حين أعجبته قصيدتي عنه ” مع القدماء ” وأشاد بها جداً ، فلهم مني الشكر أجزله وأفضله وأعلاه، قال تعالى: “وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين” سورة آل عمران وقال تعالى من سورة النحل: “وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين”.
وقلت: أنا أكتب إذاً أنا موجود، فهذه الكلمة والتداعيات بمناسبة العام الجديد أعاده الله على الجميع بالخير واليمن والبركات إنَّه سميع مجيب.