تستعد هيئة الأركان العامة الروسية لإجراء تدريبات للاختبار العملي لإعداد واستخدام الأسلحة النووية غير الإستراتيجية. وبحسب وزارة الدفاع الروسية، تأتي هذه الإجراءات ردا على تصريحات وتهديدات استفزازية أطلقها بعض المسؤولين الغربيين ضد موسكو.
ويرى مراقبون روس أن هذه التدريبات التي لم تكن مقررة وستجرى مع التشكيلات الصاروخية في المنطقة العسكرية الجنوبية، هي إشارة قوية للدول الغربية التي تعتقد أن روسيا غير قادرة على استخدام هذه الأنواع من الأسلحة تحت أي ظرف في حالة ظهور ما يسمى بالتهديد الوجودي.
وكان المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أكد أن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومسؤولين بريطانيين وأعضاء بمجلس الشيوخ الأميركي، عن استعدادهم وحتى نيتهم إرسال قوات مسلحة إلى أوكرانيا، يعني في الواقع وضع جنود حلف شمال الأطلسي (الناتو) أمام الجيش الروسي.
ويعني هذا وفق بيسكوف، بدء جولة جديدة تماما من تصعيد التوتر تتطلب اهتماما وإجراءات خاصة من جانب روسيا.
ما الأسلحة النووية التكتيكية وما إمكانية استخدامها في الصراعات؟
رغم أن موسكو قامت في السنوات الأخيرة بخطوات عديدة للحفاظ على الأسلحة النووية التكتيكية في حالة استعداد للاستخدام القتالي، إلا أن مراقبين عسكريين روس يرون أن الإجراءات الجديدة تعني أنه أصبح من غير المستبعد استعمال السلاح النووي التكتيكي في الصراعات الإقليمية والدولية.
والأسلحة النووية التكتيكية -أو غير الإستراتيجية- هي أسلحة نووية لضرب أهداف كبيرة وتجمعات لقوات العدو في الخطوط الأمامية وفي الخلف مباشرة. وعلى سبيل المثال، يمكن لمعظم الصواريخ التي استخدمتها روسيا، ولا تزال في أوكرانيا، أن تحمل رؤوسا نووية منخفضة أو متوسطة القوة، أي الأسلحة النووية التكتيكية القادرة على التسبب في الدمار ضمن دائرة نصف قطرها 2 و5 كيلومترات.
ولا توجد بيانات مفصلة عن الأسلحة النووية التكتيكية لأنه لم تشملها مطلقا أي معاهدات دولية. لكن مراكز دراسات روسية وغربية مستقلة تتحدث عن أن الولايات المتحدة -على سبيل المثال- مسلحة بـ230 قنبلة ذات سقوط حر، 100 منها موجودة في قواعد في أوروبا.
أما بالنسبة لروسيا التي تمتلك مجموعة واسعة من هذه الأسلحة -وفق المراكز ذاتها- فتختلف التقديرات هنا بشكل كبير: من 860 إلى 1912 وحدة.
ما الفرق بين الأسلحة النووية التكتيكية والأسلحة النووية؟
يوضّح العقيد احتياط فيكتور ليتوفكين، أن الأسلحة النووية التكتيكية تختلف عن الأسلحة الإستراتيجية من حيث أنها تملك قدرة أقل ونطاق استخدام أضيق، فالأسلحة الإستراتيجية هي مثلا ما تم استخدامه في حالة مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان. أما التكتيكية فتُستخدم في الميدان ضد قوات العدو لحل مشاكل تكتيكية موضعية.
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن قوة الأسلحة التكتيكية محدودة، فإن العواقب لن تكون أقل مما كانت عليه في حالة المأساة اليابانية في حال أُسقطت على تجمعات سكنية كبيرة.
أما الأسلحة النووية الإستراتيجية -كقاعدة عامة- فهي الأسلحة النووية “الكلاسيكية” التي تسبب ضررا لا يمكن إصلاحه للعدو المفترض. على هذا الأساس تتجنب روسيا والناتو الصدام العسكري المباشر. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن كلا الجانبين يدركان أن الانتقام سيكون مضمونا وحتميا في حالة العدوان، وفق ليتوفكين.
العامل التدميري للسلاح النووي التكتيكي؟
حسب العقيد ليتوفكين، يُعتبر الإشعاع النيوتروني، وليس موجة الصدمة، هو العامل التدميري الذي تتمتع به الأسلحة النووية التكتيكية في الوقت الراهن. وقبل ذلك، كانت موجة الصدمة هي القوة التي تملكها هذه الأسلحة لتدمير الخصم.
لكن تجهيز المعدات العسكرية بأجهزة حماية مضادة للأسلحة النووية وتطوير تكتيكات القوات في ساحة المعركة أضعف بشكل كبير من قدرة موجة الصدمة على تحقيق أهدافها، وهو ما دفع إلى اللجوء إلى استخدام الإشعاع النيوتروني لتجاوز هذه المشكلة.
هل تشكل التدريبات الروسية على تجهيز واستخدام الأسلحة النووية التكتيكية مقدمة لاستخدامها في أوكرانيا؟
برأي رئيس “مركز التنبؤات العسكرية”، أناتولي تسيغانوك، لا ينبغي القلق من استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في النزاع مع أوكرانيا، إذ لا داعي لذلك من الناحية العسكرية.
ووفقا له، يمتلك الجيش الروسي ما يكفي من أنظمة الأسلحة القوية التي تضمن انتصاره. بموازاة ذلك، يشكل استخدام الأسلحة النووية التكتيكية عامل خطر كبيرا، بما في ذلك بالنسبة للطرف الذي يستخدمها.
ولذلك، سيتم اتخاذ مثل هذه الخطوة كملاذ أخير، أو في حالة انتهاك كييف أو المنظومة الغربية قواعد الاشتباك القائمة حاليا. ويلفت تيسغانوك إلى أنه لم يتم ملاحظة أي تغييرات حتى الآن في نشر الأسلحة النووية التكيتيكية الروسية.
متى يتم استخدام الأسلحة النووية التكتيكية؟
يشير رئيس “مركز التنبؤات العسكرية” إلى أن روسيا أعلنت أنها لن تستخدم مثل هذه الأسلحة إلا في حالة وجود تهديد مباشر لسيادة البلاد وسلامتها، فضلا عن “هجوم العدو” الذي قد يحدث باستخدام أسلحة نووية (أو غير نووية) إستراتيجية.
بموازاة ذلك، ترتبط مسألة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية بمخاطر لا يمكن إصلاحها في السياسة الخارجية، إذ إن ثمة خطر من أن تؤدي مثل هذه التصرفات إلى تنفير الحلفاء الحقيقيين القلائل الذين هم على استعداد حاليا لدعم موسكو، بحسب المتحدث نفسه.
وباعتقاد تسيغانوك، فإن الأسلحة النووية التكتيكية ليست سيفا سحريا قادرا على حل “العقد المستعصية” من المشاكل في وقت واحد. فضلا عن أن استخدامها بدون مبرر مقنع سيكون له عواقب اقتصادية وسياسية وعسكرية غير مسبوقة، قد تؤثر سلبا على القدرات الدفاعية للبلاد.