
تمهيد :
بعث إليَّ الإبن المهندس / إبراهيم عبد السلام النعيم بمقالة مطولة ، تحت عنوان: { تأملات عن الشعب اليهودي } للكاتب / محمود عثمان رزق، مشكوراً إذ لفت إنتباهي لجملة أشياء لتدوين الرأي عند هذه المسألة المهمة، التي بها عدد من التساؤلات التي تم نقاشها في بعض المنتديات الثقافية والإجتماعية وصارت محل درس وبحث وتحليل، مثال: المكان الذي غرق فيه فرعون مصر ( رعمسيس برنبتاح ) والأرض المباركة وشعب الله المختار وتيه اليهود ومصطلح الشتات، وثمة ما يتعلق بما وردت إليه الإشارة إليه في القرآن الكريم من عديد الآيات التي وقف عليها كبار المفسرين كأبن جرير الطبري في كتابه: تأريخ الملوك والأمراء وكتاب: البداية والنهاية لإبن كثير الدمشقي المتوفي سنة 774 هـ وتفسير بن عباس والياقوت وغيرهم مما يستحق الدرس والتأمل والإستغراق والتعليق بالربط بالوسائل العلمية الحديثة ذات الصلة التي تقترن بمدلولات الآيات.
وعسي أن تفيد هذه الدراسة في موضعها من جملة الدراسات والبحوث المتعلقة بها، علماَ بأنَّ هذا الموضوع مثير جداَ في الوسط الإجتماعي والثقافي والعلمي خصوصاًَ فيما يتعلق بالسودان محل التحقيق والتدقيق وهل لليهود علاقة بأرض السودان أم لا مختصراَ بقدر الإمكان.
كلمة ( اليهود ) مصدرها اللغوي في العربية من الهداية والإهتداء، من: هدي، بنصب الهاء المهملة، وذلك لقوله تعــــالي في سورة الأعراف آية: 156: { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة، وفي الآخرة، إنَّا: هُدنآ إليك، قال: عذابي.. أصيب به من أشآء، ورحمتي: وسعت كل شي، فسأكتبها: للذين يتقون، ويؤتون الزكاة، والذين هم: بآيآتنا يؤمنون } يعني: إهتدينا إليك، ولم يعرف في التأريخ البشري نظاماً إجتماعياً عقدياً فائق التنظيم مثل المجتمع اليهودي وهو الذي مهَّد لهم سبل النجح بوسيلتي المال والإعلام ثم بالتوالي في كثير من وسائل التفوق الذهني علي هذا الكوكب.
تقدمة:
معلوم أنهم ينتسبون – أي اليهود – إلي يهوذا بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم خليل الرحمن أخو يوسف النبي وموسي عليه السلام من هذا النسل ويرجع هذا النسب إلي 1706 سنة قبل الميلاد، وعبور الإسرائيلين بحر القُلْزُم وغرق فرعون عام:1491 ق.م، قيل : غرق وعمرة مابين: 66 -91 سنة ، والراجح أنه غرق عن عمر ناهز الـ91 عاماً وقيل: حكم فرعون مصر 67 سنة، في الفترة من: 1279 ق. م – 1213 ق. م.
هذا ! ولم يأت كتاب سماوي بعده إلا لعيسي عليه السلام، أمَّا إستخلاف يوشع بن نون فهو مكمل لوصايا التوراة وقيل أنها مكتوبة علي ألواح من الحجر الصلد ولم يحفظ التوراة إلا نفر قليل، منهم يوشع بن نون وأنها تقدر بوقر سبعين بعير ، وجاء بآخرها أو بقاياها بعد وفاة موسي عليه السلام في عهد سيدنا طالوت وداوؤد عليهما السلام والمشار إليهما في القرآن: { وقال لهم نبيهم: إنَّ آية ملكه أن: يأتيكم التابوت، فيه: سكينة من ربكم، وبقية مما ترك آل موسي وآل هارون، تحمله الملائكة ! إنَّ في ذلك: لآية لكم، إنْ: كنتم تعلمون } البقرة، آية: 248.
وجاء في السيرة النبوية لإبن هشام وإبن كثير في باب المغازي وأوردة الإمام الواقدي رحمهم الله عند ذكر غزوة خيبر وإبعاد يهود المدينة من جزيرة العرب خبرٌ: أنْ حمل اليهود ما تبقي لهم من رقاع ملفوفة بها التوراة مكتوبة فسألهم رسول الله صلي الله عليه وسلم عنها، فأجابوه: هذه آيات من التوراة !.
ولم يأمرهم النبي عليه السلام ولا أمر غيره بأن يتركوها أو يمزقوها أو يحرقوها، مما يشير ضمنياَ وفعلياَ بديانتهم، وذهبوا بها إلي بلاد الشام حيث بقيتهم، يذكر هنا أنَّ بلاد الشام كانت تطلق علي بلاد سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وشئ من تخوم الأردن الشمالي، حيث بدأت فكرتهم التنظيمية تأخذ في الإحكام والتدقيق بصورة أكبر من ذي قبل وإلي يومنا هذا..
وليس ببعيد ما جري أيام الإستعمار الإنجليزي ومعاهدة سايكس – بيكو 1916م التي تم بموجبها تقسيم الشرق الأوسط إلي دويلات وما زال هذا التقسيم وتلك الإتفاقية تمضي حيث خُطِطَ لها ومهَّدت لعودة يهود الشتات لأرض المعاد ( المقدس ) وهي فلسطون وتم إحتلالها كاملاَ في العام 1948 م بعد أن خرج منها الإنجليز وهُجِّر إليها اليهود وهُجِّر منها الفلسطينيين إلي اليوم.
أقام بنو إسرائيل بأرض كنعان وهي المشار إليها بتخوم الأردن الشمالي وفلسطين وسوريا ، وعندما أصابهم القحط – أي الكنعانيون – وأخص بالذكر أبناء يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام موضوع البحث، وجاؤا مهاجرة لمصر في طلب الميرة كانت تدور معارك في كل من أرضي بلاد الشام من قبل الآشوريين الذين حكموا بابل من جهه ( المصطلح عليها بالسبي البابلي )، ومصر الملك قبل أن يصير إلي حكم فرعوني من قبل الهكسوس من جهة ثانية، كذلك البلاد الواقعة جنوبي أرض مصر جنوب مدينة أسوان الحالية من ناحية السودان الشمالي بمنطقة النوبة والتي يطلق عليها بلاد أو مملكة كوش.
ويعني بها السودان الشمالي إلي أواسط الجنوب الغربي والشمال الشرقي وحتي العمق الإثيوبي اليوم من جهة الشرق الإدني منها إلي أرض الكُفرة في حدود دولة ليبيا الحديثة وتأخذ شيئاَ من إقليم الصحراء الكُبري، وهي في فترة ما تطلق علي بلاد السودان إسم الحبشة وإثيوبيا التي سُميت بهذا الإسم من قبل اليونانيين وذلك لميل ألوانهم إلي السُمرة والسواد منها إلي البياض وسبب التسمية ببلاد السودان أي من سواديي البشرة كما يطلق علي غيرهم من بياضيي البشرة بلاد البيضان.
وذكر ذلك الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر الملقب بالجاحظ في كتابه: الحيوان، في فصل: بلاد السودان وبلاد البيضان، هذا ! والكوشيون من نسل حام بن نوح عليه السلام وقطنوا الأرض التي بين جنوب أسوان في مصر إلي أدني منطقة دنقلا العجوز وأيضاَ تسمي بدنقلا العَْرضَي من بلاد السودان الشمالي وقيل أنَّ حدود مملكتهم تجاوزت العمق الجنوب غرب سوداني حتي إقليم كردفال وعرفوا بالنوبيين وملامحهم تميل إلي البياض لا إلي السواد التي هي السمة الغالبة علي شعب السودان وإفريقيا.
وتحدد التوارة السودان القديم بانها البلاد الواقعة جنوب اسوان وهي حدوده الحاضرة ذاتها. فقد ورد بسفر حزقيال بالعهد القديم من الكتاب المقدس: “وأجعل أرض مصر خراباً مفقرة من مجدل إلى اسوان إلى تخم كوش” سفر حزقيال – الاصحاح 29. والنص بالانجليزية : I will make all of Egypt an empty waste, from the city of Migdol to the city of Aswan in the south, all the way to the Sudanese border.”
هذا ! ويشير القرآن إلي حقبتي حكم مصر حيث قال تعالي في سورة يوسف: { وقال الملك: إني أري سبع بقرات سمان، يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات } ومن بعد دخل في نظام الحكم السياسي لمصر ما عرف بالفراعين وهم المشار إليهم في عهد موسي عليه السلام: { وقال فرعون: يا هامان إبني لي صرحاً لعلي أطَّلع إلي إله موسي ، وإني لأظنه من الكاذبين }.
وهؤلاء الفراعنة إنما أصلهم الذي سُموا به من النوبيين ( كوش ) وهم اللذين بنوا الإهرامات التي بالبجراوية ومنطقة جبل البركل ونقلوا فكرة بناء الإهرامات إلي مصر الحاضرة فبنوا هرم خوفو ومنقرع وأبي الهول إلا أنَّ مصر أفلحت في تسويق بضاعتها خير من السودان علماً بأن مصر والسودان لم تكن تحدهما حدوداً جغرافيه سياسية كما هو اليوم بل كانتا إمتداداً لحضارات بلاد النيل وكوش والنوبة إلا أنَّ تطور التأريخ غيَّر بعض الملامح الطبوغرافية لهما معاً.
( يتبع )
تعليق واحد