آراءسياسة
أخر الأخبار

قطر.. دولة التبعية والنفاق الإعلامي

النظام القطري اليوم قائم على ثلاث ركائز: الحماية العسكرية الأمريكية، النفوذ الإعلامي عبر الجزيرة، واستعراض القوة المالية في الرياضة والاستثمارات

بقلم: د. أميرة عبد العزيز

منذ عقود، تحاول قطر أن تقدّم نفسها كقوة إقليمية مؤثرة، مستندة إلى ثروتها الغازية وأدوات النفوذ الإعلامي وعلى رأسها قناة الجزيرة.

غير أن الواقع يكشف حقيقة مغايرة تماماً: دولة مكبلة بالتبعية العسكرية والسياسية، مجرد محمية أمريكية تتحرك وفق أوامر واشنطن، بلا سيادة حقيقية ولا استقلال في القرار.

قاعدة “العديد الجوية” (Al Udeid Air Base)، التي تستضيف أكثر من عشرة آلاف جندي أمريكي إضافة إلى مركز القيادة الجوية الأمريكية للشرق الأوسط (CENTCOM Forward HQ)، ليست مجرد منشأة عسكرية، بل رمز للتبعية المطلقة.

فهي تجعل بقاء النظام السياسي والأمني القطري مرهوناً بالمظلة الأمريكية، وتجعل الدوحة أقرب إلى موقع “التابع الاستراتيجي” للولايات المتحدة أكثر من كونها حليفاً مستقلاً يمتلك هامش قرار واسع (Brookings, 2021).

الولايات المتحدة عادةً لا تحتاج إلى أخذ موافقة قطر على تحركاتها العسكرية من القاعدة، بل تُعلمها بعد التنفيذ، إذ تمنحها الاتفاقيات الأمنية هذا الحق (Council on Foreign Relations, 2023).

وهناك سوابق تاريخية تؤكد أن قاعدة العديد استُخدمت مراراً في ضربات بالعراق وسوريا وأفغانستان دون أي إعلان مسبق للدوحة.

في 9 سبتمبر 2025، جاء الاختبار الأكبر: قصف إسرائيلي استهدف اجتماعاً لقيادات من حركة حماس في قلب العاصمة القطرية، وأسفر عن مقتل خمسة قادة إلى جانب ضابط أمني قطري.

الرد الرسمي لم يتجاوز بيانات الاستنكار وعبارات عامة مثل “عدوان جبان” و”إرهاب دولي”، بلا أي فعل يوازي حجم الانتهاك.

وهنا يثار تساؤل مهم: هل من الممكن أن تكون قطر متواطئة مع واشنطن وإسرائيل في هذا الهجوم، ضمن صفقة سرية للتخلص من قادة حماس على أراضيها؟ صمت الدوحة التام يفتح الباب أمام التكهنات، ويكشف عن فجوة كبيرة بين الشعارات المعلنة والحقائق الميدانية.

أما قناة الجزيرة، فتبقى الوجه الأكثر وضوحاً للنفاق الإعلامي. منذ انطلاقتها قدمت نفسها كصوت الشعوب وملاذ الحرية، غطت الثورات العربية وحرضت على إسقاط الأنظمة في الخارج، لكنها تجاهلت الداخل القطري بالكامل.

لم تنقل احتجاجاً واحداً في الدوحة، ولم تفتح ملف القواعد الأمريكية، ولم تسمح بأي نقاش حول غياب الديمقراطية.

الجزيرة أداة ناعمة لسياسة خشنة، تزرع الفوضى في الخارج بينما تصمت عن القمع في الداخل.

ولفهم الدور القطري جيدا يجب التوقف لحظة عند “الربيع العربي”.

فقد استثمرت الدوحة بكثافة في صعود جماعة الإخوان المسلمين، عبر الدعم المالي والسياسي والإعلامي.

دراسات Carnegie (2014) وBrookings Doha (2017) أوضحت أن التغطيات الإعلامية القطرية لم تكن محايدة، بل انحازت بشكل واضح للإخوان، وقدمتهم باعتبارهم البديل “الشرعي” للأنظمة القائمة.

هذه السياسة لم تكن سوى مشروع تآمري هدفه إعادة رسم الخريطة العربية بما يخدم مصالح قطر، حتى وإن كان ذلك على حساب استقرار دول كبرى مثل مصر وسوريا وليبيا.

النظام القطري اليوم قائم على ثلاث ركائز: الحماية العسكرية الأمريكية، النفوذ الإعلامي عبر الجزيرة، واستعراض القوة المالية في الرياضة والاستثمارات.

غير أن هذه الركائز هشة، فإذا تراجعت المظلة الأمريكية عجزت الدوحة عن حماية نفسها، وإذا انكشف خطاب الجزيرة أمام الرأي العام العربي فقدت سلاحها الناعم، وإذا واجه الاقتصاد ضغوطاً أو أزمات ستجد السلطة نفسها أمام مجتمع قد ينفجر في احتجاجات غير مسبوقة.

الخلاصة أن قطر تعيش ازدواجية قاتلة: تتحدث بلغة السيادة بينما قرارها مرتهن، وتدّعي حماية القضية الفلسطينية بينما تُضرب في عاصمتها دون رد، وتدعو الشعوب للثورة بينما تكمم أفواه مواطنيها.

إنها ليست قوة إقليمية كما تحاول أن تُظهر، بل قزم سياسي يعيش على حماية الأجنبي ويستتر وراء نفاق إعلامي صارخ، مع احتمال أن تلعب أدواراً أكثر غموضاً خلف الكواليس لتصفية حسابات مع قادة المقاومة الفلسطينية.

ومع هذه التطورات، ومع تصاعد التبعية والنفاق، يبقى السؤال الجيوسياسي الأهم: ما مصير المنطقة في ظل هذه التوازنات الهشة، وعلاقات القوة المعقدة، والصراعات التي يبدو أن كل طرف يتحرك فيها وفق مصالحه الخاصة؟

https://anbaaexpress.ma/pz2i5

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى