لنتفق منذ البداية، حول الغاية من هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر المعرفية والسياقية والتاريخية، والتي نبتغي منها إثارة نقاش هادئ وبناء بعيدا عن ضوضاء المساجلات العقيمة التي لن تسهم قط في تذليل الصعاب أمام محاولة تملك فهم لمبدأ تقرير المصير في الحالة الصحراوية، والذي أدى تفنيده القطعي أو الحشد الشوفيني له إلى اختلاط الأوراق بالنسبة لجمهور الباحثين والصحراويين بشكل عام وأصحاب المصلحة الاخرين من منظمات غير حكومية واليات أممية ومراكز بحثية ومتدخلين اخرين.
لا ينجو الحديث في قضايا متفرعة عن نزاع الصحراء، الذي تدور رحاه حول منازعة تنظيم البوليساريو للمملكة المغربية على سيادتها على الأقاليم الجنوبية المسترجعة سنة 1975، من خلق تشنجات مستمرة بين أطراف النزاع في غياب شروحات مبسطة لأسباب هذا الصراع ومختلف تمظهراته، وتناول مختلف قضاياه المواضيعية بالتحليل المعمق ليستوعب الجمهور من المسؤول عن تعطل مصالح الصحراويين وبطء الاستجابة لتطلعاتهم بلم الشمل والاستقرار والأمن المستدام.
وارتباطا بالموضوع الرئيس، تحضر أسئلة مطروحة بقوة من طرف تنظيم البوليساريو وداعميها من قبيل، من سيقنع من في علاقة بوجاهة تبني فكرة تقرير المصير من منظور البوليساريو، وهل الحق في تقرير المصير قابل للتطبيق كما تسوق له الحركة؟ أم أنه مستحيل التحقق؟
وللوصول الى هذا المبتغى، يتوجب استحضار مفاهيم مهيمنة على موضوع المقالة من قبيل تقديم لمحة سريعة عن مفاهيم الشعب والأقليات وتقرير المصير.
وسنتناول قضية تقرير المصير بمعزل عن إثارة ملف ضحايا الانتهاكات الجسيمة الثقيل وحقوق المرأة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وقانونية أوضاع لجوء الصحراويين بتلك المخيمات، لكيلا يركب بعض المغرضين على الامر، وتبدأ حملات سابقة لأوانها لتسفيه جهود المتدخلين من الكتاب والصحفيين والمدونين والنشطاء بمناسبة التعبير عن آرائهم أو التدخل لبسط تفسيرات حول قضية مستعصية الفهم على الجمهور الواسع كمسألة تقرير المصير.
تقرير المصير، تأصيل لحق مقيد بالقانون الدولي والسياقات الجيوسياسية وتعاون مكونات المجتمع الدولي
أتى إعلان منح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة، الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14 دجنبر 1960، مؤكدا إخضاع الكثير من الشعوب للاحتلال الأجنبي والهيمنة والاستغلال، واعتبر ذلك إنكارا لحقوق الإنسان السياسية، ونحن في هذا المقام لا نسعى لإلغاء الحق في جوهره، لأنه مبدأ راسخ في القانون الدولي، غير أننا نتساءل كيف يمكن إنزاله مظليا على القضية الصحراوية، ما دام الامر يتعلق بمنح استقلال لقطر أو شعب مستعمر، والحال أن إقليم الصحراء كان مستعمرا إسبانيا والمطالبات بإدراج الملف بلجنة إنهاء الاستعمار والمسائل السياسية الخاصة، كانت مبادرة مغربية خالصة لاسترداد أراضيها دون إقحام سكان المنطقة في اهوال حرب، اثارها مدمرة على البشر والحجر في ذلك الوقت.
والأمر الثاني، خلو منطقة الصحراء من وجود مقومات شعب باعتباره عنصرا ثانيا من عناصر تكوين الدولة، ولا تجد صلات وثيقة بالأرض وليسوا سكانا أصليون، فضلا عن انعدام التماسك الاجتماعي والثقافي لفترات طويلة من تاريخ مكونات مجتمع الصحراء المليء بالتناحر والصراعات القبلية التي أقبرت أي إمكانية على التوافق على شكل من أشكال التنظيم والاستقرار يجعل منها شعبا لأرض تدعم شروط الاستقرار للانخراط في بناء دولة لتدبير هذا المجتمع التعددي والمتنافر.
يضاف إلى ذلك، انتشار العنصر الصحراوي في فضاءات وطنية مختلفة، تجعل منه مواطنا بالمملكة المغربية كامل المواطنة وبالجمهورية الإسلامية الموريتانية وبالجمهورية الجزائرية، فضلا عن حيازة جنسيات أوروبية عبر الإقامة الدائمة بتلك الدول المستقبلة أو عبر السقوط في حالات انعدام الجنسية جراء تهجيرهم الى صحراء تندوف كلاجئين ما زالوا يناضلون من أجل تحديد مركزهم القانوني بتلك المخيمات، إذا ما سمحت الدولة المضيفة بذلك.
غير أن حدة طرح الأسئلة بخصوص تقرير المصير، لازالت لم تفقد طراوتها، لتمسك جهات بتجديد إثارتها كلما خفت النقاش حولها، ويفهم من ذلك ضرورة البحث عمن له المصلحة القصوى في الضرب على وتر تقرير المصير الحساس، حيث يقودنا الأمر بعد فشل وصف الصحراويين بالشعب وبالقطر المستعمر من طرف المغرب، لغياب أدلة حجاجية ووقائع مثبتة، وسقوط إمكانية إثارة المطالبة بتقرير المصير على هذا الأساس، ارتأينا تجريب فرضية تطبيق المعايير على فئة الأقليات لنرى هل سنعثر على بصيص من الأمل ينعش مطالب البوليساريو بتطبيق تقرير المصير المفضي للانفصال، لكي نحيط بالمشكلة ونجيب على الحد الأدنى من الشكوك التي تحوم بإمكانية تطبيق المبدأ في حالة القضية الصحراوية؟
معضلة الأقليات، غياب السند القانوني لتطبيق المبدأ بنهج مقاربة تمييزية!
على الرغم من أن ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الانسان جاءت داعمة لحرية بني البشر منذ الولادة وضامنة للمساواة في الكرامة والحقوق، فإن المستعمر الإسباني حاول تشكيل أقلية من الصحراويين مدرجين في إحصاء إسباني كلنا يعلم عنصريته وإقصائيته وتمييزه بين أفراد المجتمع الواحد والمتعدد الأعراق والخلفيات الإثنية. فاعتبار الأقليات كمجموعات غير مهيمنة وأقل عدديا من غالبية سكان منطقة الصحراء، أمر مردود عليه، ناهيك عن تشاركية الخصائص الدينية واللغوية والمحافظة على التواصل الوثيق مع ثقافتها وتقاليدها.
وبالرجوع الى معرفة الغرض الأساسي من تبني إعلان أممي للأقليات، يتبين أن تعزيز وحماية هؤلاء الأشخاص المنتمين الى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية هي اللبنات الأساسية للإعلان. ويساهم تعزيز وحماية هاته الفئة في الاستقرار السياسي والاجتماعي للدولة التي يعيشون فيها ويحملون جنسيتها، بغض النظر عن اختلاف اللهجات ذات الأصل اللغوي المشترك، ويتضح جليا هنا أن الانصهار مع حفظ الحقوق والحريات للمجموعة الثقافية الحسانية في الثقافة المغربية الجامعة، لم يتم إغفاله في المقترح المغربي المقدم في 2007، والقاضي بمنح سكان الصحراء حكما ذاتيا يضمن تسيير شؤونهم بأنفسهم وكذا النموذج التنموي الجديد.
ومن المفيد التذكير، أن مخيمات الصحراويين تندوف، أنشأت أساسا على أساس قبلي، سواء في الفئات المجتمعية التي تم حشدها لملء المخيمات أو في اختيار أماكن الاستيطان وكذا أسماء المخيمات، لترسيخ فكرة الحقد على الاخر بتقديمه وتصويره في ذهنية الصحراويين القاطنين بالمخيمات كغاز ويجب تجديد مشاعر الكره اتجاهه حتى وإن حصلت مصالحة بين الأطراف، لمواراة خطط سرية لحليف تنظيم البوليساريو في المنطقة واتساع أطماعه في امتلاك بوابة أطلسية لقضاء مآربه.
ووفق هذه المقاربة العدائية ضد امال واحلام الصحراويين، يجوز لنا التساؤل حول ما المشترك بين الإنسان الصحراوي الضحية والإنسان الصحراوي الجلاد، إذا كان الهدف منذ إنشاء المخيمات هو تقرير مصير إقليم الصحراء؟ وهل يمكن أن يتصرف الصحراويون في خضم هذا الإرث الثقيل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بمخيمات تندوف، انتصارا لأصلهم الاثني والعرقي على حساب إيمانهم بحتمية حماية الحق في الحياة والسلامة الجسدية ومناهضة التعذيب والوقاية من الاختفاء القسري وغير ذلك من التجاوزات الخطيرة في سبيل خدمة مشروع التنظيم؟
وبالرجوع الى قضية الأقليات، هل بمكن القول بأن غالبية الصحراويين المتواجدة بالإقليم مقهورة على العيش مع جماعات أخرى غير متجانسة معها، وهل توجد تمايزات دينية أو لغوية أو ثقافية، تجعل أمر تصنيف أهل الصحراء أقلية؟ لا اعتقد أن ما تم سرده يكفي لتصنيف الصحراويين كأقلية في فضاء يتسيد فيه الصحراويون مشهده السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
المعضلة الثانية لترجيح استماتة تنظيم البوليساريو من أجل تبني تقرير المصير المفضي للانفصال، هو عدم الاستحواذ على اراء وقناعات غالبية الصحراويين القاطنين بمختلف أقاليم الجنوب، واصطدام قادته وامتعاضهم من انخراط تلك الأغلبية في تدبير شؤون المنطقة والمشاركة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية والانضواء في أحزاب الدولة المغربية ونقاباتها وهيئات مجتمعها المدني الفاعل، وتبعا لذلك واجهت جبهة البوليساريو وحدة رضائية مع باقي مناطق المملكة دون اللجوء الى تقرير مصير من أي نوع كان!
ومن هنا بدأ حنق قادة التنظيم يزداد واستبد القلق بهم من انزلاق الوضع الى ما تحمد عقباه، بفعل اتساع فضاء الرأي والتعبير السائد في منطقة شمال افريقيا، رغم ما قد يولد الأمر من قمع وترهيب، عوض الرجوع الى القواعد بالمخيمات لمصارحتها بماض أليم اثم في حق الصحراويين، والإعراب عن الرغبة في كشف حقيقة ما جرى، التبس الأمر عند مسؤولي الرابوني، وابتعدوا عن البدء في تنفيذ قرارات مجلس الأمن والتعاون مع مبعوث الأمين الشخصي لبدء مباحثات مباشرة لتذليل الصعاب أمام الوصول الى حل سياسي متوافق بشأنه لإنهاء معاناة الصحراويين.
وخلاصة القول، أن البوليساريو لا يمكنها بأي حال من الأحوال كسب معركة تطبيق تقرير المصير، لدواعي عدة، أهمها انها لا تسيطر سوى على أقلية تحتجزها من أجل تمرير هكذا مشاريع ميتة منذ ولادتها لاستدامة الصراع بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه الصحراويون على ضفتي الجدار، واستحالة التنفيذ تمتد كذلك الى كون الصحراويين ليسوا شعبا بمقومات أهمها انهم لا يعيشون في بقعة جغرافية واحدة، بالإضافة الى تشكل سكان المنطقة من قبائل تختلف فيما بينها في كل شيء، حتى اللهجة المحلية مختلفة بدرجات متفاوتة ومتأثرة بالسياق الثقافي المحلي لكل مناطق تواجد الصحراويين وبذلك لا يوجد رابط واحد تعتمد عليه البوليساريو لجعل أهل الصحراء شعبا واحدا، اصبح أقلية على ارضه، ويستحق تقرير مصيره.
وقد قادنا شغف البحث عن رابط يجمع الصحراويين لتحقق شرط تنفيذ تقرير المصير، باعتبار تعرض الصحراويين للظلم والاضطهاد في كل مناطق تواجدهم، غير أن تلك الفرضية لم تجد حجية لها، لأن من تعرضوا لانتهاكات جسيمة بالأقاليم الجنوبية، تم جبر ضررهم الفردي والجماعي في إطار مسار عدالة انتقالية شامل لكافة ضحايا سنوات الجمر بالمغرب، بما في ذلك الأسرى المغاربة القادمين من مراكز الاحتجاز غير النظامية بمخيمات تندوف، بينما تستمر الجزائر والبوليساريو بنكأ جراح الصحراويين بالمخيمات وإنكار ما جرى لهم من عذابات وإقصاء ضحاياهم من محاولات جزائرية للملمة ملف انتهاكاتها الجسيمة الأسود.
البوليزاريو ستتمكن من اقامة دولة فى جنوب المغرب بشرط واحد اذا توفر لها الشرط هو أن لا يبقى فوق الأرض مغربي واحد .
المغربي كيفما كانت اتجاهاته الفكرية والعقائدية والسياسية والإديلوجية يستحيل أن يتنازل عن حبة رمل من صحرائه .
المغربي إقتنع بما لا يدع مجالا للشك او التأويل أن الصحراء المغربية أرضه سيموت ويحيا من أجلها فلا داعي للمغالطات والاوهام والاحلام كل شئ إنتها بالنسبة للصحراء المغربية رفعت الأقلام وجفت السطور وحلت الحقيقة مكان الوهم .