آراءمجتمع

إحذروا التجسس على الواتس آب.. !!

إختراق الحسابات الشخصية من أولويات عصابات الابتزاز على الواتس

منذ أن اقتحم تطبيق الواتساب حيواتنا وفتح أبواب منازلنا على مصارعها من كل حدب وصوب، صار للكل كالشهيق والزفير، لا يحلو العيش إلا به ولا نجد طعم للحياة إلا معه.صار بالنسبة للكل، الصغير والكبير، المدير والخفير، نعم، للكل مثل الهواء تماماً، أكسجين الإنعاش اليوميّ لكل من هبّ ودبّ في ترهات هذه الحياة.

لقد اقتحم هذا التطبيق اللعين حواتنا بسرعة البرق، فهو لا يفارقنا أبدا، يتغلغل في دواخلنا في كل لمحة ونفس، ومن دونه قد نضيع وكأنه الهواء بالنسبة لنا، مميزاته كثيرة فهو يتيح لنا التواصل مع الأصدقاء والأهل ويسهّل شؤون العمل كما يمنحنا فرصة مشاركة تفاصيل حياتنا مع من نريد، ولكن سلبياته أكثر بكثير إذا تحوّل الى هوس وتعلّق أعمى لا يميّز بين المنطق والجنون.

فمن سلبيات التطبيق أنّه يقوم بانتهاك خصوصياتنا، عبر التجسس من الغريب أو القريب، فقد صارت معادلات كيفية اختراق حواسب الآخرين وحسابتهم بالفيس، الواتس، ومواقع التواصل الإجتماعي المختلفة سهلة لكل من هبّ ودبّ، عليك بأن تفتح إحدى الفيديوهات التي يروج لها المروجين فتجد نفسك في غار للتجسس على الآخرين، يمكن لكل فرد منّا أن يتجسس حتى على والديه، عندما يسجل الصيغة المتاحة للتجسس على الآخرين، “وعينك ما تشوف إلا النور”.

لا أكتب هذا المقال إلا بغرض أن أحذر من خطورة الواتس، وتجاهل العديد من الناس بما تفعله شركة واتسآب والفيس بوك بحسابات الآخرين، نجد بالعديد من الدول الأوروبية قضايا سارية ضد الشركات المذكورة أعلاه، وهي في الحقيقة شركة واحدة، إستحوذت أو لنقل إبتلعت الأخريات.

أيضًا جرت العادة في الآونة الأخيرة أن نجد مكالمات أو رسائل بأشخاص غرباء، فيمكن لأي عابر سبيل أن يتصل عليك بسبب (بيع ما يباع)، أو بغرض فراغ وقته واهتمامه بأن يتسلى في تلك اللحظة، ناهيك عن العصابات التي تمكنت من عمل شركات في دول كثيرة منها تركيا وما وراء البحار لاصطياد الفرائس السهلة.

ليس ما ذكرناه آنفا إلا شيء بسيط من آفات الواتس، فقد يجد الفرد منّا ظواهر لم نعدها من قبل: كل فرد ينفرد في الجلسات الجماعية بجواله وتشخص عيناه نحوه، كأنه الطفل الوديع المدلل، فنجد في ذات المجموعة من يكتب، يتفيس، يتواسأب، يتتويب أو يتأنسغرم بمعزل عن الآخرين، وهناك من ينتظر إشارة من الحبيب الغالي لكي ينطلق كالصاروخ إلى موعد آخر ويترك الجميع وفي الموعد الموعود يجلسان هما على ضفاف البحيرات الندية وتشرئب عينا كلاهما نحو الجواويل.

وقد ننسى جميعنا بين هذا وذلك أننا في مجتمع أو اجتماع، أتينا إليه لنتفاكه، نتبادل الآراء، نتحادث عن شؤونا الخاصة، نتناقش عن مشاكلنا الغائرة بسبب هذا العالم الوهي، نعم، لنتنفس، وهل كان شأن الصداقة في كل العصور الغابرة غير ذلك؟!! اجلس واملأ عينك يا سيدي: فهناك من تراه يترنح طربا ثملًا دون أن يشرب المعتقة، تارة يهزأ، يمرح، يبكي، أو تارة أخرى يغضب وهو في جلسته تلك، ذلك كلّه بينه وبين قرينه الجواليّ. يا للأسف صارت في مجتمعاتنا الجلسات بلا نكهة، جلسات صمت يشوبها الصدى، تتحادث إلى من يجالسك بيد أنّه في الحقيقة غائب تماما، بعالم آخر أو أغلب الظن مجرّة أخرى؛ لا يراك، لا يسمعك فضلًا أن يعيكَ ويعي يجلس إليه، حتى وإن غاب عنه الشهور الطوال، حقيقة: “صم بكم عمي فهم لا يعقلون”، كما ذكرت الآية حقيقة، وهنا نرى الكفر لا بالإله لكن بالعلاقات الاجتماعية، ونرى نكرانها، فماذا سيأتي بعدها بربكم؟

من أسوء الأشياء التي يحكي عنها الناس، طرح العداوة بساحات الفيس بوك والواتسآب، نشر البغضاء والغضب عن الأصدقاء، التشهير، القذف والسب تجاههم عبر المجموعات، أو حتى الأفراد.

وإذا انتقلت الرسالة لفرد لا قدر الله، فاحتسب الأمر عند رب العالمين، لأن بمقدور هذه الرسائل الحانقة، الغاضبة المسمومة أن تصل إلى كل أنحاء العالم في لمحة بالبصر.

والأسوء في كل هذه الأمور أننا صرنا نتجنب الصوت المباشر أو اللقاءات الجديرة بارتقاء العلاقات وصلة الرحم، ففي الأعياد والأفراح والأتراح مثلا صرنا نتجنب القول المباشر أو اللقاء ونكتفي بأن نرسل رسالة على السريع، لا طعم لها ولا رائحة، ويا ليت الرسائل شخصية، لا فهي منقولة من آلاف الأشخاص ومبعوثة في ثانية، وانتهى الأمر، إحذروا الواتسآب فهو قاتل لكل ما هو جميل، في العلاقات الحميمة والصلات الرحيمة.

إقتباس: من منّا لا يعرف أن القراءة كنز ثمين وسر نهضة الأمم ودعامة أي نجاح في نهج التقدم في المنظومة الإنسانيّة، إن آفاق هذه العالم بلا حدود، تتجسم في هالات من نور، كلما نهل القارئ من معينها، تبدت له أسرار الدنيا في أحلى أثوابها.

القراءة ناموس من نواميس الحياة بل سفينة تحمل كل من امتطاها إلى بر الأمان فلماذا لا نصاحب ركبها وركب الأمم التي وصلت درجة لا توصف من الرقي بفضل اتساع آفاق شعوبها عبر العلم والمعرفة التي سخروها لهم حتى تكون في متناول الجميع.

لقد كنت بالأمس أتجول في قلب مدينة كونستانس الألمانية فإذا بي أجد في الساحة العامة مكتبات ضخمة في شكل سيارات، وفي منتصف الساحة انتصب مسرح لإلقاء محاضرات وتقديم الكتب، ومن ثمة أرفف وخزانات للكتب متنقلة تجدها في كل ركن من أركان هذه الساحة والأجمل، وحتى لا يقتعد الناس أرض الساحة – أحضر القائمون على الأمر مساند، كراسي طويلة ومراجيح تهافتت عليها الخلوق وانغرسوا بداخلها في وحدة ووحشة إلا من كتاب.

هذا الكنز: القراءة، عالم حقيقي تتفتح بنوره الألباب، وتتسع بلبناته المدارك وتنداح بموسوعيته سحب الليل البهيم وتنجلي إلى ما لا نهاية، فيجد الفرد منّا نفسه أمام وسيلة ثرّة من الإلهام العلميّ ومن المعرفة النورانيّة اللتان تمكنانه بدون أدنى شك أن يغيّر سراط حياته وحيوات من حوله إلى الأفضل.

فنحن في غدنا المشرق نحتاج لهذه الوسيلة لنبتعد عن الإسهاب في اللغو داخل مجموعات الواتساب الوهمية التي شغلت العالم العربي بأثره عن مسؤولياته وبالأخص شغلته عن إعمال العقل والمشاركة في تنمية مجتمعاتنا في ظل المنظومة العالمية التي تنشد رقي الخلق والخلائق.

إنه يا سادتي ورغم أهمية القراءة والكم الكبير من الإصدارات العالمية التي هي في متناول الجميع عبر شبكات التواصل الاجتماعي وفي دهاليز الإنترنت إلا أنّ هناك تراجعا ملحوظا في مستوى القراءة في جميع الدول العربية، وهو ما أكده خبراء اليونسكو، والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن أن نعالج هذه الظاهرة السلبيّة؟ وبادئ ذي بدء ما هي أسبابها؟ أهو وجود كل أفراد الأسرة طوال اليوم داخل مجموعات الواتساب وفي الفيس بوك؟ هب أن بعضهم يقرأ في هذه المجموعات، فماذا يقرأ؟ وكيف يمكن لنا أن نحث صغارنا وكبارنا على حد سواء ونشجعهم على القراءة.

لم أر بين الألمان هذا الاهتمام المتفاقم بمجموعات الواتساب! وإن كانت لهم مجموعة فتجد أن التعامل معها تحده الجدية والحرص واختصار المضامين. لا بأس أن كان الإنسان داخل مجموعات ترسل المفيد اللطيف الذي يخفف على المرء حدّة الروتين اليوميّ لكن لابد لنا أن نناقش الفرط في التعامل معها، فمشاكل الاستعمال الخاطئ لشبكات التواصل الاجتماعي ستؤدي، إن لم نتداركها في السنوات المقبلة، إلى كارثة معرفيّة حقيقية لا تحمد عقباها.

لذا يجب أن نتدارك خطورة الظاهرة وينبغي علينا أن نضافر الجهود حتى نجد الحل الناجع لها وأن نحث أطفالنا، من جهة أخرى، إلى الخروج من العالم الوهمي في النت إلى عالم الحقيقة: الرياضة، الموسيقى، المكتبات، دور الشباب، الخ. وأن نسلحهم بطرق التعامل السليم مع شبكات التواصل الاجتماعي لأنها سلاح ذو حدين.

لا يخفى على أحد منّا أن بلداننا في العالم العربي تواجه بأثرها تحديات ثقافية، اجتماعية، سياسية واقتصادية لا يتسع المجال لذكرها في هذه السانحة. فنحن نعاني كل يوم من صعاب ومشقات وحواجز بنيناها بأنفسنا منذ استقلال الدول العربية باسرها والإنسان العربي في صراع دائم نحو الأفضل. فها هي ذا دول نامية عديدة قد أطلقوا العنان، في غضون بضع سنوات عجاف، لنهضة تبحث عن مثيل. فلنسأل أنفسنا بصدق وأمانة عن دورنا في منطقتنا وعن دورنا في العالم بين الشعوب التي نشير إليها الآن بالبنان. الإجابة، لا شيء.

نحن نشير إليهم بقلوبنا ونعتز بأعمالهم في بلادنا، فالجسور والمصانع ومحطات الكهرباء والمطارات وحتى مستلزمات الحياة اليومية نستوردها منهم دون أدنى حرج، نأكل من بيرغر كنج وماقدونالد ونشرب الكوكاكولا ونغسل بمستر بروبر ونركب النيسان والتويوتا.

لكن إلى متى تبقى الأحوال على هذا المنوال، ألا نريد رقيا لشعوبنا؟ ألا ننشد مستقبلا نيرا لأبنائنا؟ فكل بلد من بلادنا العربية تعاني من قلة المستوى المعرفي، مثلها مثل دول العالم الثالث، كلنا نعاني ضعفاً في معدَّلات النمو في حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بمعدلات النمو في اقتصادات الدول المتقدمة في آسيا وأوروبا.

بيد أننا الأسرع نمّواً في العالم من الناحية السكانية. هذا يعني أننا ننمو سكانيا ولكن لا فكريا، فأين العقول العربية التي تنال جوائز نوبل في العلوم؟ أين المؤلفات العربية في المكتبات الغربية؟ أين الكتاب العرب، أين المثقفون العرب؟ أين نشاط الترجمة الذي عرفناه في القرون الوسطى في الأندلس وفي دار الحكمة ببغداد؟ أين نحن من تعاليم أدياننا الحنيفة، كالنظافة والرفق بالحيوان والرفق بالبيئة، والإتقان في العمل؟

لابد أن يكون بكل فرد منّا نار مستعرة، متقدة وعارمة راغبة في بناء مستقبل أفضل لشعوبنا وأهلنا الذين مازالوا يعانون من مشاق تتعلق بأبجديات الحياة اليومية، من قلة المعرفة والتوعية والرعاية الصحية والاجتماعية، وشح الماء النظيف، وقطع الكهرباء وندرة المواد التموينية، وشح الأجر وهبوط مستوى التعليم الأكاديمي والمدرسي وسوء البنى التحتيّة من شوارع، جسور ومواصلات حديثة.

يجب علينا تحويل التحدِّيات إلى فرص حقيقية، لكي نصل إلى ب الأمان رافعين رؤوسنا بين الأمم بأعمال ثرية، واضعين بلادنا وشعوبنا وحب العمل والخير لها في قلوبنا، متطلعين إلى مستقبل أفضل وحياة تتس بالإخلاص في العمل والإتقان في كل المجالات الحرفية، التعليمية والعلمية.

إن نجاح شعوبنا ورقي بلادنا يرتكز على توطيد وتأسيس مناخ معرفيّ شامل وعلى تعليم وتحفيز وتنشِئة براعم اليوم وقواد الغد إلى بناء مستقبل أفضل.

خاتمة: معنت المصالح الحكومية في بعض الدول العربية استخدام الواتساب خلال ساعات الخدمة. ولكن من يحفل ومن يأبه ومن يستطيع أن يضع خطًا أحمر تحت تلك الكلمة التي تعكس هوس أمّة برمتها؟ من سيمنع الحاجة فاطمة والآنسة سناء والأستاذ عبد الغفور من المواطنين الكرام أن يسافروا أثناء ساعات العمل في عالم الديجتال، إلى خيالات تبعدهم عن الدمغة والطلبات المتكررة للمواطنين وعن وعن؟ من يراقب السائقين الغائبين والمغيبين على مركباتهم من استعمال الجوال وهم قاب قوسين أو أدنى من الموت لأنفسهم أو ربما لغيرهم؟

من يحفل بأن يذكرنا بأدب الحديث والمقابلة، ونحن طوال الساعات الطوال نلتهي بالواتس حتى أثناء ساعات العمل، بينما يقف شيخ أو شيخة في انتظار معاملة مهمة لهما؟ أليسها قلّة الأدب بربكم أو انعدامه التام بالأحرى؟

يجب أن نعلم يا سادتي أن ما بعد مواقع التواصل الاجتماعي حياة إنسانية علينا أن نعيشها ونعيّش أبناءنا إيّاها، بمرارتها وحلاوتها، ببياضها وسوادها، لقد استبدلنا الكثير من الأحباب، من الذين عشقناهم بالزمن الجميل، نعم استبدلناهم بعالم الشبكة العنكبوتية الهلامي الخيالي، ورمينا جلّ الاهتمامات الجميلة، إن كانت رياضة، سباحة، لقاءات شعرية، زيارة المسارح، السينما، أماكن العبادة المقدسة، الخ لنجلس أمام هذا الجوال، ونخترق عالمه فهو قد اخترقنا منذ عشرات السنين.

فلنرجع إلى كتاب مفضل، رواية شائقة، اقصوصة نادرة، حديث بديع، أغنية رنانة، وننسى هذا العالم ونصوم عنه، كما يفعل الأروبيون الآن (صيام الجوال). وما التوفيق إلا من عند الله. أتمنى للجميع النجاح والتوفيق.

https://anbaaexpress.ma/pe9y8

محمد بدوي مصطفى

كاتب وباحث سوداني مقيم في ألمانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى