آراءسياسة

السردية الصهيونية على المحك.. شرخ إعلامي و سياسي و تحولات دولية

ما يجري اليوم، على وقع الأحداث الجارية في أرض فلسطين، من تحولات على مستوى الرأي العام العالمي، يبشر بمستقبل مغاير للقضية الفلسطينية.

فعلى امتداد عقود من الاستيطان الإسرائيلي، ظلت السردية الصهيونية هي السائدة و المهيمنة، زكى ذلك السيطرة المطلقة للوبي الصهيوني على صناعة الرسالة الإعلامية، بما يعنيه ذلك من سيطرة على توجيه الرأي العام العالمي نحو الوجهة الصهيونية.

لأول مرة يحدث شرخ كبير في السردية الصهيونية، و قد ساهمت في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي بقسط كبير، حيث تم تكسير الاحتكار الإعلامي الذي مارسته المؤسسات الكبرى من قنوات و إذاعات و جرائد، و هكذا شقت السردية الفلسطينية طريقها و استطاعت أن تخترق الرأي العام العالمي.

إعلاميا، يمكن أن نقدم كنموذج عن هذا الشرخ الذي أصاب السردية الصهيونية، البرنامج الحواري الذي يقدمه الصحافي البريطاني المشاكس الشهير “بيرس مورغان/ Pieds Morgan” هذا الصحافي الذي فتح عبر برنامجه الحواري كوة صغيرة في جدار برلين ! الذي كان يفصل بين سرديتين متناقضتين عن القضية الفلسطينية، السردية الصهيونية المدعومة عبر البروباغندا الغربية التي تقدم إسرائيل كضحية للإرهاب الإسلاموي، و السردية العرببة-الإسلامية المدعومة من طرف مليار و نصف مسلم بالإضافة إلى أحرار العالم الذين يتجاوزون الملايين، و التي تقوم على أساس استرجاع الحق الفلسطيني و مقاومة الاحتلال الصهيوني.

طوال عقود من الصراع العربي-الإسرائيلي، ظل الإعلام الغربي، في غالبيته، يروج للسردية الصهيونية، بيرس مورغان امتلك الجرأة و النزاهة لمساءلة هذه السردية عبر استضافة أصوات عربية و إسلامية، كان أبرزها “باسم يوسف” في حلقة عن بعد وصل عدد متابعيها 15 مليون متابع، و هذا يعتبر سابقة تاريخية للصحافي و للبرنامج، مما شجع مورغان على استقبال باسم يوسف في حلقة مباشرة.

باسم يوسف، الذي يمتلك ثقافة أنجلوسكسونية متميزة، نجح في زعزعة السردية الصهيونية من جذورها، و دفع الرأي العام الغربي إلى مساءلتها بعدما كانت مسلّمة لا جدال حولها.

بالإضافة إلى الشرخ الإعلامي الذي أصاب السردية الصهيونية، هناك شرخ أقوى على المستوى السياسي.

فلأول مرة في تاريخ الصراع نعيش توازنا سياسيا في مجلس الأمن الدولي بين تحالف دولي موال لإسرائيل تقوده الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب فرنسا و بريطانيا، و تحالف دولي آخر موال لفلسطين تقوده الصين و روسيا.

هذا الوضع الدولي الجديد كان تأثيره واضحا على مستوى كل الهيئات الأممية، و وصل تأثيره إلى القمة، حيث أدان الأمين العام للأم المتحدة، بشكل صريح، العملية الإسرائيلية التي تسببت في محرقة للشعب الفلسطيني الأعزل، و هذا ما أثار حفيظة ممثل الكيان، الذي لم يعش هذه اللحظة الفارقة من قبل، و دخل في صراع مباشر مع الأمين العام الأممي السيد “أنطونيو غونيريش”.

مما دفع الأمين العام إلى الرد على ممثل الكيان عبر تأكيد تنديده و إدانته، بشكل صريح، محتجا، في نفس الآن، على التزييف السياسي و الإعلامي الذي يمارسه الكيان المحتل من أجل التأثير على القرار الأممي.

هذا الشرخ، الإعلامي و السياسي، إذا أضيف إلى انكشاف أسطورة التفوق العسكري الصهيوني، يكون الأمر قد قضي ! و يجب على الكيان أن يستعد لمرحلة جديدة في تاريخ صراعه مع الفلسطينيين من أصحاب الأرض، مرحلة لن تكون، أبدا، مثل سابقاتها، خصوصا و أن العالم يعيش تحولا في التقاطب الدولي برز، بشكل واضح، في الصراع الأوكراني، و يطل برأسه في الصراع التايواني المحتمل، حيث برزت القوتان الروسية و الصينية كمحور دولي قوي و متماسك و قادر على ترسيم معادلة توازن الرعب.

https://anbaaexpress.ma/p21w4

إدريس جنداري

باحث أكاديمي و كاتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى