تتكشف معالم واحدة من أخطر قضايا الفساد داخل الهلال الأحمر الجزائري، بعد أن تعرّض الموظفان السابقان ياسين بن شطّاح، مدير البرامج، وهاجر زيتوني، مديرة الاتصال والإعلام، إلى السجن والتعذيب النفسي وسوء المعاملة عقب فضحهما لتحويل المساعدات الإنسانية الموجّهة إلى المحتجزين الصحراويين في مخيمات تندوف إلى جهات خاصة تعمل على بيعها في السوق السوداء، إضافة إلى التلاعب في المساعدات الموجّهة إلى غزة.
وتشير المعطيات إلى أن بن شطّاح وزيتوني رصدا خلال سنة 2023 خروقات جسيمة في تسيير المساعدات داخل الهلال الأحمر الجزائري، تتعلق بسوء التوزيع واستفادة أطراف غير مستحقة من الإمدادات الإنسانية، قبل أن يُقدّما تقارير رسمية إلى رئاسة الجمهورية والجهات الوصية. غير أن ردّ السلطات لم يكن فتح تحقيق في تلك التجاوزات، بل تحريك شكاوى قضائية ضدهما بتهم التشهير ونشر أخبار كاذبة، انتهت بإدانتهما وسجنهما.
وأفاد الضحيتان، بعد خروجهما من السجن، في شهادات مصوّرة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنهما تعرّضا أثناء التحقيق داخل مقر فصيلة الأبحاث للدرك الوطني ببئر مراد رايس إلى إهانة لفظية وتحطيم نفسي ومنع من الراحة وترويع متعمّد، في ظروف تمسّ بالكرامة الإنسانية.
كما أشارا إلى حضور رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، ابتسام حملاوي، بعض جلسات التحقيق، في سلوك يشكّل – إن تأكد – تدخلاً مباشراً في عمل الضبطية القضائية وخرقاً صارخاً لمبدأ الحياد.
وتُصنَّف هذه الممارسات، وفق المعايير الدولية، ضمن المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وقد ترقى إلى مستوى التعذيب، خصوصًا عندما تُمارس بغرض الضغط أو الانتقام من المبلّغين عن الفساد.
وفي تصريح خاص لأنباء إكسبريس، قال الأستاذ رشيد عوين، مدير منظمة شعاع لحقوق الإنسان (مقرها لندن)، إن ما تعرّض له بن شطّاح وزيتوني “يمثل انتهاكًا خطيرًا للدستور الجزائري وللالتزامات الدولية التي تعهّدت بها الجزائر بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”.
وأوضح عوين أن المنظمة وثّقت شهادات صادمة تؤكد تعرض المبلّغين لتعذيب نفسي ممنهج، وحرمان من النوم، وإهانة متكرّرة، مضيفًا: “بدل أن تتم حماية من كشفوا الفساد، جرى الزجّ بهم في السجن والتنكيل بهم، بينما ظلّ المتورطون الحقيقيون في تحويل المساعدات الإنسانية بمنأى عن أي مساءلة”.
وأكد مدير منظمة شعاع الحقوقية أن ما وقع “يكرّس سياسة تكميم الأفواه واستغلال القضاء لتصفية الحسابات داخل المؤسسات العمومية”، داعيًا السلطات الجزائرية إلى فتح تحقيق عاجل ومستقلّ في هذه المزاعم، ومحاسبة كل من تورّط في التعذيب أو إساءة استخدام السلطة، وضمان حماية المبلّغين عن الفساد بدل معاقبتهم.
وتكشف هذه القضية، التي أثارت صدمة واسعة داخل الأوساط الحقوقية الدولية، عن استمرار نهج توظيف العدالة لقمع الأصوات المبلّغة، بدل أن تكون أداة لإنصافهم وكشف الحقيقة حول الفساد في تسيير المساعدات الإنسانية الموجّهة لتندوف وغزة.





2 تعليقات