آراء
أخر الأخبار

العربية.. في زمن السرعة

منير لكماني

تمر اللغة العربية اليوم في حياتنا بسرعة تشبه إيقاع العصر نفسه. نكتبها على الشاشات الصغيرة، نختصرها في رسائل عاجلة، ونستعملها أحيانا دون تفكير طويل.

لم تعد اللغة تنتظر القارئ في الكتب فقط، بل صارت حاضرة في الهاتف، وفي العنوان، وفي التعليق السريع. ومع ذلك، لا تزال قادرة على أن تقول الكثير، إذا منحناها وقتا كافيا، وانتباها حقيقيا.

من المناسبة إلى المعنى

اليوم العالمي للغة العربية ليس احتفالا رمزيا فحسب، بل فرصة للتوقف والتفكير. اللغة لا تحتاج إلى مدح متكرر، بل إلى فهم أعمق لدورها في حياتنا اليومية.

السؤال لم يعد هل العربية جميلة أو غنية، فذلك محسوم، بل هل نمنحها مكانها الطبيعي في تفكيرنا، وفي تعبيرنا عن آرائنا، وفي قدرتنا على الحوار الهادئ والدقيق.

لغة تتحرك مع الزمن

العربية لم تكن يوما جامدة أو منغلقة. تاريخها الطويل شاهد على قدرتها على التكيف مع التحولات الكبرى، وعلى استيعاب مفاهيم جديدة دون أن تفقد هويتها.

ما نعيشه اليوم ليس أزمة لغة بقدر ما هو لحظة اختبار. اللغة التي لا تدخل العصر تتراجع، واللغة التي تذوب فيه تفقد خصوصيتها. التحدي الحقيقي هو أن تتجدد العربية دون أن تفقد صوتها الخاص.

بين الفصاحة والإستعمال

يعتقد كثيرون أن العربية الفصيحة بعيدة عن الحياة اليومية، وأنها لا تصلح إلا للخطب أو النصوص الرسمية. هذا التصور يحرمنا من إمكانات واسعة. العربية قادرة على أن تكون واضحة وبسيطة دون أن تفقد عمقها. المشكلة ليست في اللغة، بل في طريقة تقديمها وتعليمها، وفي الخوف غير المبرر من استعمالها في النقاش اليومي.

الفضاء الرقمي فرصة لا تهديد

اليوم، تكتب العربية في الفضاء الرقمي أكثر من أي وقت مضى. هذا الواقع لا ينبغي أن يقرأ باعتباره خطرا، بل فرصة. إما أن نترك اللغة تضعف في هذا الفضاء، أو نعيد إكتشاف قدرتها على الإختصار، والدقة، والتأثير. اللغة التي تحسن إستعمال أدوات عصرها تضمن حضورها، أما التي ترفضها، فإنها تعزل نفسها بنفسها.

المسؤولية تبدأ من الفرد

لا يمكن تحميل المؤسسات وحدها مسؤولية وضع اللغة. العربية تعاش أولا في البيت، وفي الحوار اليومي، وفي طريقة التفكير. حين يحترم الفرد الكلمة التي يستعملها، يساهم في حماية اللغة. وحين يستهين بها، يضعفها مهما رفع من شعارات الدفاع عنها. اللغة لا تحيا بالقوانين فقط، بل بالسلوك اليومي.

اللغة وأفق التفكير

اللغة ليست وسيلة تواصل فحسب، بل أداة تفكير. الكلمات التي نملكها تحدد ما نستطيع قوله، وما نعجز عن التعبير عنه. حين تختزل اللغة، يختزل الوعي. وحين تتسع، تتسع قدرتنا على الفهم، وعلى طرح الأسئلة، وعلى رؤية العالم بوضوح أكبر. الاهتمام بالعربية هو اهتمام بجودة التفكير نفسه.

حين نصغي إلى اللغة

العربية لا تطلب منا أن نعود إلى الماضي، ولا أن نهرب إلى غيرها. تطلب فقط أن نكون حاضرين معها بوعي، وأن نستعملها بصدق، وأن نمنحها فرصة أن تعبر عنا كما نحن.

في زمن تتسارع فيه الأصوات وتكثر فيه الكلمات الفارغة، تظل اللغة التي نفكر بها هي المرآة التي نرى فيها ذواتنا، والوسيلة التي نحدد بها علاقتنا بالعالم من حولنا.

https://anbaaexpress.ma/oxezb

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى